حسن بصري يالتشين – صحيفة تقويم – ترجمة وتحرير ترك برس

النقطة الأخيرة التي وصلت إليها أمريكا نتيجة الفوضى المنتشرة هي مسألة تأشيرة الدخول "الفيزا". منذ سنة إلى الآن لم تتأسس إدارة سياسية منتظمة في أمريكا، لم يستطع ترامب أن يكون قائداً بحق لأمريكا.

لم تتمكن أمريكا من تبني استراتيجية محددة. تصدر أصوات وآراء مختلفة من كل جهة في واشنطن. كل وزارة تحدد الأولويات على هواها، ووفق ما ترغب، مما أدى إلى تشكيل فراغ إداري كبير واستغلال البيروقراطيين لهذا الفراغ الإداري في تجاوز مجالات سلطاتهم والنزاع من أجل السلطة والسيطرة. إذ تتضارب الأصوات الصادرة عن وزارة بالأصوات الصادرة عن  غيرها من الوزارات الأخرى. على سبيل المثال يمكن لوزارة الخارجية الأمريكية أن تتخذ موقفاً معارضاً لتركيا، مناقضةً لما فعلته وزارة الدفاع الأمريكية حين أعلنت عن دعمها لتركيا خلال عملية إدلب. عند النظر إلى هذه الأوضاع لا يمكن استبعاد احتمال خروج البيروقراطيين عن السيطرة وتجاوز مجالات مسؤولياتهم بشكل بعيد عن مفهوم المسؤولية. أعتقد أنه يمكننا أن نربط مسؤولية قرار الفيزا بوزير الخارجية الأمريكي "ريكس تيلّرسون" كحد أقصى، لكن يبدو لي أن ربط المسؤولية بالرئيس الأمريكي ترامب ليس بالأمر الممكن. من الممكن أن يكون البيروقراطيون يسدّون الفراغ الإداري بعد عجز الحكومة الأمريكية عن ترميمه. إن توضيح قرار في هذا السخف بطريقة أخرى ليس بالأمر السهل.

باس، الدبلوماسي الفاشل

النقاش واضح، منذ سنة إلى الآن وتركيا تتوقع أن تتصرف أمريكا بما يليق لها كحليف لها فيما يخص تنظيم الكيان الموازي. لكن أمريكا تستمر في إلهاء تركيا. ارتفعت نسبة الإشاعات في تركيا إلى الحد الأقصى خلال السنة الأخيرة. إذ تؤمن الغالبية الساحقة من المجتمع التركي أن انقلاب 15 تموز/يوليو مدبّر من قبل أمريكا. إن جلوس قائد الانقلاب بأمان في ولاية بنسلفانيا الأمريكية يكفي لإثارة غضب المجتمع التركي.

واصل السفير الأمريكي في تركيا محاولاته في إخماد غضب الشعب التركي بدلاً من أن يقدّم تفسيرا واضحا لعدم تسليم غولن إلى الحكومة التركية. من المحتمل أن يصبح هذا السفير دبلوماسياً فاشلاً في أنظار الجميع، حتى في دولته نفسها.

 ترك السفير الأمريكي "باس" بصمته على أزمة جديدة في تركيا قبيل رحيله بعد أن أدى عمله خلال فترة متأزمة جداً. يبدو أنه لم يدرك أنّ الأمور في تركيا لا تجري من خلال التهديد والابتزاز. لا يوجد معنى آخر لهذا القرار. ربما كان لاعتقال أحد موظفي القنصلية الأمريكية كمشتبه به خلال التحقيق حول قضية تنظيم الكيان الموازي أثراً واضحاً لدى أمريكا. كما أن صدور هذا القرار مباشرةً عقب اعتقال الشخص الذي يعتقد أنه مؤسس العلاقات بين القنصلية الأمريكية وتنظيم الكيان الموازي يكفي لإعادة توجيه الشبهات نحو أمريكا.

أمريكا هي المتضررة من كل ما يحدث

يبدو أن السفارة الأمريكية تسعى إلى إنهاء المسألة من خلال التصرف بهذه الطريقة. إن التسبب في وقوع أزمة باتخاذ مثل هذه الخطوة قد يجعل التدخل السياسي أمراً لا مفر منه.

يمكن لأردوغان أن يجد حلا لهذه المسألة بأن يتدخل في مجرى الأحداث من خلال المفاوضات والاتفاقات القائمة على الحوار. ولكن إذا استمر السفير الأمريكي في ازدياد صعوبة إيجاد حل للمسألة فذلك يعني أنهم يعانون من مشكلة خطيرة. إما أنهم خائفون بالفعل، أو أنهم غاضبون جداً. مهما كان السبب سواء خوف أم غضب فذلك لا يغير حقيقة أنهم يرتكبون أخطاءً في غاية الخطورة. إن اتخاذهم لمثل هذا القرار بدافع الغضب يعني أنهم قد فقدوا السيطرة. من الواضح أنهم لن ينالوا الشيء الذي يسعون للحصول عليه. يمكن أن تكون هذه المسألة نهاية الحياة العملية للسفير الأمريكي باس. أما إذا كانت هذه الخطوات وليدة للخوف فذلك يعني وجود ثغرات خطيرة يتوجب عليهم إخفاؤها. في مثل هذا الوضع ستزداد قوة أنقرة أمام واشنطن بالتأكيد.

أتوقع في غضون أيام قليلة أن يتوضح الشكل الحقيقي لهذه الأزمة، وأن تزداد نسبة المعلومات الخاصة بالأزمة لدى تركيا. عندها سنرى إن كان هذا القرار متخذ في إطار استراتيجية معينة لمركز معين، أم هو وليد الخوف أو الغضب. ولكن في جميع الأحوال هذا القرار مثير للاهتمام من منظور تصويره للمدى الذي وصلت إليه العلاقات التركية-الأمريكية. كما أنه قرار سخيف بقدر إثارته للاهتمام أيضاً. أصبحت النقطة التي وصلت إليها العلاقات التركية-الأمريكية واضحة للعيان.

إن عدم نهوض أمريكا بنفسها والسيطرة على الفوضى المنتشرة سيؤدي إلى استمرار وجود احتمال مواجهة تركيا لمثل هذا الهراء، مما يعني أن أمريكا تتسبب بالضرر لنفسها أيضاً وليس لتركيا فقط. إذ تتسبب أمريكا في أخطاء صعبة التصحيح ضمن إطار السياسة العالمية. هذا المسار الخارج عن السيطرة غير مبشر بالخير.

عن الكاتب

حسن بصري يالتشين

كاتب في صحيفة تقويم


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس