أحمد طلب الناصر- خاص ترك برس

في مقر مكتبة الشبكة العربية للأبحاث والنشر بحي الفاتح في قلب إسطنبول، اجتمع يوم السبت أول أمسٍ الفائت، لفيف من أصدقاء "عبد القادر عبد اللي"، سوريون وعرب وأتراك، لإحياء ذكرى وفاته الأولى وتوقيع كتابٍ تناول نتاجاته الأدبية والفنية والصحفية.. كتاب حمل عنوان "تركيا بعيوني".

كان تلفزيون "سوريا"، الذي انطلق بثّه بداية شهر آذار/ مارس الحالي، قد دعا إلى هذه الفعالية لإحياء ذكرى عبد القادر وللتعريف به من خلال أصدقائه، وأسرته، الذين شاركوا بإلقاء كلمات جميلة وعفوية وصادقة، هي أقرب ما تكون إلى حنين وتقديم شكر للكاتب على السنوات التي قضوها بصحبته، تلك السنوات التي أنجز من خلالها ترجمة عشرات كتب الأدب التركي إلى اللغة العربية، ليستحق عبد القادر بذلك لقب رائد ترجمة الأدب التركي إلى العربية.

أدار الجلسة الكاتب والإعلامي السوري "خطيب بدلة" وهو أحد أصدقاء الراحل عبد القادر المقربين، فقدّم السيدة "سميرة بيراوي"، زوجة عبد القادر، لتستهل كلمات المشاركين في الاحتفاء، حيث قالت: "عبد القادر الكاتب والفنان التشكيلي الذي ترجم 80 كتاباً، ورسم أكثر من 50 لوحة فنية (سريالية) وكتب أكثر من 1000 مقال صحفي، كما ترجم الدستور التركي إلى العربية.. وهذا معظمكم يعرفه، لذلك سأتحدث عن عبد القادر الفنان والإنسان الصادق والعاشق والصديق، عبد القادر الذي أقام أول معارضه الفنية في المرحلة الثانوية بمدرسة "المتنبي" بمدينة "إدلب، والذي أنهى دراسته الثانوية ورفض دراسة الكيمياء وبعدها الطب كي يدرس الفن التشكيلي لاحقاً في جامعة "معمار سنان" بتركيا. وبعد زواجنا كان يمثّل لي ولأبنائنا الأربعة نعم الأب والأخ والصديق، وكنت أعتبره ابني الخامس المدلل.. كان يعمل في الكتابة والترجمة وهو يجلس بيننا في المنزل، شغوف بعمله وبأسرته لدرجة الانصهار..".

وتابعت السيدة بيراوي حديثها عن تفاصيل عديدة كانت محيطة بحياة عبدللي وأسرته وأعماله، كانت تذكر لأول مرة، ليتابع بعدها صديقه الكاتب والإعلامي السوري "عدنان عبد الرزاق" الذي رافقه خلال مراحل مرضه الأخيرة..

"تحدثت وكتبت الكثير عن عبد القادر، وربما معظم ما كتبته عنه ذو منحى عاطفي، نتيجة الصداقة الحميمة التي جمعتنا، لذلك سأتحدث بإيجاز عن المرحلة التي لازمته فيها خلال مرضه مع سميرة زوجته وخطيب بدلة. لقد كانت تلك المرحلة مهمة وخطيرة بنفس الوقت، حيث أن عبد القادر كان لا يتّفق مع فكرة الموت، فهو قد أنجز مقالاً صحفياً قبل وفاته بيوم واحد، ولم يتوقف عن الكتابة والترجمة طيلة وجوده على سريره الأخير.. كان دائماً يطلب منّا جهاز (اللابتوب) ليكتب، ودائماً ما يسألنا عن الأحداث الجديدة في حال فاته خبر ما.. بصراحة تامة، لقد كان عبد القادر مكتبة كاملة بزمن قياسي عجيب، حيث أنه استطاع خلال سنيّ عمره القليلة نسبياً ترجمة 80 كتاباً من أمهات الكتب الأدبية التركية، وأكثر من 10 مسلسلات تلفزيونية فضلاً عن اللوحات والمقالات والأعمال النقدية، ورغم كل ذلك لم يكن عبد القادر من الذين يتحدثون عن إبداعاتهم وإنجازاتهم، في الوقت الذي نجد العديدين ممن لديهم جزءاً بسيطاً ولا يذكر، مقارنةً بنتاج عبد القادر، قد شكّلوا شبكة كبيرة من العلاقات المعقّدة".

ثم قدّم السيد "عبد الرزاق" الشكر للجهات التي رعت الفعالية، متمنياً لو كان عبد القادر قد حصل في حياته على التكريم الذي يليق به، إضافة إلى أن يتم تكريم الكتّاب والأدباء السوريين خلال حياتهم وليس بعد الممات.

أما مدير الجلسة "خطيب بدلة" فقد عقّب على حديث السيدة بيراوي والسيد عبد الرزاق بالقول: "صراحةً، عندما نقف أمام أعمال عبد القادر التشكيلية، نشعر بالدهشة، غير مصدقين أن ابن مدينة إدلب، الفنان المغمور، امتلك، قبل أن يبلغ آنذاك الثلاثين من عمره، ما يكفي من الشجاعة ليقتحم عالم الفن السوريالي، ويضع نفسه في خانة سيلفادور دالي الذي كان يمثل بالنسبة للثقافة الغربية نفسها، حالةً متطرفة، متفلتة من القوالب، والأصول، والمعايير الفنية التي أنجزتها البشرية عبر العصور".

وبالعودة إلى كتاب "تركيا بعيوني" الذي تم جمع مواده وإصداره بشكله الحالي، فقد تحدّث عنه صديق الراحل عبد القادر أيضاً، الأستاذ بجامعة أنقرة التركية "محمد حقّي صوتشين"، والذي قام بتنظيم وتدقيق المقالات التي احتواها الكتاب بالإضافة إلى إشرافه الكامل على جمعه وتصنيف أبوابه وإصداره بالتعاون مع دار "ميسلون"، فقال حقي: "نحن نسمّي عبد القادر عبد اللي (عزيز نيسين سوريا) وأعتقد أن السوريين كذلك يسمونه ذات التسمية، وعبد القادر هو إنسان متعدد المواهب، كاتب وأديب ومترجم وفنان تشكيلي، وتخليد ذكراه اليوم تستوجب منّا المرور على أعماله العظيمة التي قدّمها من خلال تراجمه الأدبية التركية وقدمها إلى الساحة العربية، فقد ترجم عبدللي أعمالاً لأسماء تركية تمثل جميع أطياف الأدب التركي، فضلاً عن أعمال تاريخية غير أدبية، حيث ترجم 6 أعمال لعزيز نيسين، ولكتّاب الأدب الساخر الآخرين" وسنمر على ذكر أهم الترجمات والكتّاب لاحقاً إضافة إلى صنوف الأدب التي ترجم لها.

ويتابع "حقي" فيقول: "لا شك بأن أول ما يتبادر على ذهن القارئ العربي بمجرد السماع بعبد القادر عبد اللي هو اسم الكاتب التركي المرموق "أورهان باموق" الحائز على جائزة نوبل للآداب، حيث ترجم له عبد اللي 9 أعمال أدبية وقدمها للملايين من القرّاء العرب بلغة مستساغة مع مراعاة احترام المصدر وأخلاقية الترجمة".

ثم انتقل "حقي" للحديث بشكل خاص عن كتاب "تركيا بعيوني" فقال: "الكتاب يضم مقالات عبد القادر على مستوى الثقافة والأدب والفنون والترجمة، وهذه المستويات تكوّن المراحل الرئيسة التي تألفت منها فصول الكتاب، الفصل الأول جاء بعنوان (أضواء على الفكر والثقافة) وهي عبارة عن مقاربات عبد القادر عبد اللي المتنوعة في الآداب والفنون التركية، أما الفصل الثاني فيحوي المقالات والدراسات النقدية انطلاقاً من الأعمال الأدبية التي ترجمها عن التركية، ومن بينها الأدب النسوي التركي العثماني الذي لم يسبقه أحد بتناولها، أما الفصل الثالث فيتناول فيه الجانبين النظري والعملي في أعمال الترجمة حيث يلقي الضوء على إشكاليات الترجمة بين العربية والتركية وعلى الأخص ترجمة الرواية وترجمة القرآن الكريم. لذلك لم يترك عبد القادر للمكتبة العربية مصدراً ثقافياً مهمّاً فحسب، بل ترك مادة مهمة للباحثين الذين يتناولون الجوانب النظرية والعملية بترجماته باعتبارها معلومات مهمة للغاية بتحديد معايير المترجم.. أتمنى أن يكون هذا الكتاب بداية لسلسلة من الأعمال التي تخلّد الميراث الثقافي الضخم الذي خلفه الكاتب والمترجم والفنان التشكيلي عبد القادر عبد اللي".

وفي نهاية الجلسة تحدثت "فيليس" وهي صديقة عائلة عبد القادر عبد اللي منذ ما يقارب 13 عاماً، فقالت: "كان عبد القادر إنساناً ثائراً بكل معنى الكلمة، أحب وطنه وعمله وعائلته، وأصدقائه من الأتراك، حيث لم يذهب أحد منا إلى سوريا إلا وكان بضيافة عبد القادر وأسرته، وأنا أتألم بشدة لعدم حضور ممثلين من وزارة الثقافة أو الفنون التركية لتكريم هذا الشخص الذي عرّف العالم العربي على الأدب التركي".

بقي أن نشير إلى أن الكاتب والمترجم والتشكيلي السوري عبد القادر عبد اللي قد فارق الحياة بعد صراعه مع مرض السرطان عن عمر يناهز 60 عاماً في إحدى مستشفيات مدينة أضنة التركية.

وعبد القادر من مواليد عام 1957، أحد أبرز من نقلوا الأدب التركي إلى العربية، أنجز، كما أسلفنا، عشرات الترجمات الروائية استهلها بترجمة رواية "زوبك" للكاتب التركي الشهير عزيز نيسن عام 1989، والتي حوّلها المخرج الكبير هيثم حقي إلى عمل تلفزيوني بعنوان "الدغري"، من بطولة دريد لحام. 

وقد أسهمت دراسة عبد اللي للفنون بجامعة "معمار سنان" التركية فرصة الاطلاع بكثافة على الأدب التركي، ثم عاد قبل أن يكمل دراساته العليا في النمسا إلى مدينته إدلب.

 ترجم عبد اللي أعمالًا أدبية لأشهر الكتاب الأتراك، ومنهم عزيز نيسين، يشار كمال، أورهان كمال، خلدون طانر، أليف شافاق، ومظفر إزغو، وأورهان ولي، وحمدي طانبار، ومرات تنجل، وناظم حكمت، وفقير بايقورت، ولطيفة تكين، وإشق سوقان، وأوقاي ترياكي أوغول، وجنكيز تشاندار، وخليل إبراهيم، وثريا فلز، وحسين فرحات.. وصاحب نوبل أورهان باموق، الذي اعتمده مترجمًا حصريًا لمؤلفاته، بعد ترجمة رواية "اسمي أحمر".

أدخل عبد اللي الدراما التركية إلى سوريا، وكانت له بصمته في مسلسل "سنوات الضياع"، وكان له الدور الكبير في ترجمة سيناريو السلسلة البوليسية الشهيرة "وادي الذئاب"، كما كان للراحل  كتاب فى النقد التشكيلي الساخر بعنوان "فرشاة"، وآخر فى الشأن السياسي والثقافي التركي.

 

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!