علي الصاوي - خاص ترك برس

في لقاء حضره عددٌ من الصحفيين والإعلاميين العرب، عقد بيت الإعلاميين العرب بإسطنبول ندوة بعنوان "تركيا ما بعد الانتخابات" بحضور الأستاذ "أيهان أوهان" عضو حزب العدالة والتنمية الحاكم، ورئيس منظمة التعاون المدني بتركيا، وأثناء حضوري أردت أن أسلط الضوء على بعض النقاط المهمة التي جاءت بالندوة. 

* في البدء كانت الحماسة واضحة على الضيف أثناء إلقائه الندوة مما يشير إلى التناغم الأسلوبي المشابه لأعضاء العدالة والتنمية أثناء حديثهم عن تجربتهم في الحكم، والذي ينم عن إخلاص شديد وجدية في الشرح كما في الأداء أسوة برئيس الحزب والرئيس الحاكم أردوغان، وهذا يحمل دلالات كثيرة منها، أن تجربة العدالة والتنمية تعيش في وجدان جميع أعضائه سواء في ميدان العمل أو في إلقاء الندوات، وهذا أول ما رأيناه على وجه الضيف.

وقد بدأ حديثه عن لعب تركيا دورا محوريا وهاما في قضية القدس وأن الرئيس أردوغان يوليها اهتماما كبيراً خاصة في ظل تراجع عربي لا يليق بمستوى القضية.

* وهذه النقطة تبين أن النظام الرئاسي سيكون له انعكاسات قوية على قضية القدس وسوف تتصدر سياسات تركيا الخارجية في المرحلة المقبلة، وهذا ما أقلق زعماء بعض الدول العربية وتل أبيب، التى قالت إن هذا النظام سوف يعزز من النفوذ التركي على القضية الفلسطينية وسيعطي أردوغان نفوذا أكبر وحاضنة شعبية واسعة.

وفي مستهل حديثه عن الانتخابات التركية، فقد أشار إلى أهميتها وأنها كانت محط اهتمام العالم بعدما ظهرت بصورة مشرفة من النزاهة والشفافية تعكس روح الديمقراطية التي يحظى بها الشعب التركي من دون أي ضغوط داخلية أو خارجية.

* وهنا يكمن نجاح الانتخابات الرئاسية، فالشعب التركي أصبح واعيا في الفترة الأخيرة ولم تؤثر عليه خطابات الكراهية والدعاية الإعلامية في استقطابه، فالحس الوطني الكبير وأثر سياسة العدالة والتنمية طيلة 16سنة خلقت لديه وعيا كافيا بمن يستحق إدارة الدولة، من دون النظر إلى أي اختلافات فكرية أو أيديولوجية، ففي إطار الحقوق والواجبات يتعامل الشعب التركي مع كل حراك سياسي جديد وليس بمبدأ الانتماء أو العاطفة، وهذه سمة الشعوب الواعية.

ومن ضمن ما قاله أوهان أن التجربة التركية يمكن إنتاجها في البلاد العربية بشرط أن تتخفف من الضغوط الخارجية وتتحرر من التبعية السياسية التي تؤثر على المسار السياسي والاقتصادي، وهذا ما استطاعت أن تصل إليه تركيا خلال فترة حكم العدالة والتنمية.

ونوّه أوهان إلي ضرورة الفهم الجيّد للتجربة التركية لأن نجاحها بدأ من الداخل أولا من خلال الحاضنة الشعبية وقوتها في تأييد حزب العدالة والتنمية، الذي نقل البلاد نقلة حضارية واقتصادية مزدهرة منذ أن تولى حكم البلاد، وهذا ما ظهر أثره على صوت الناخب في كل مرحلة انتخابية مرّت بها تركيا.

وقال أيضا: إن الإيمان بنجاح التجربة أهم من التجربة نفسها وهذا ما نصحت به حزب النهضة التونسي عندما كنت في زيارة إلى تونس وشعرت أنهم ليس عندهم إيمان بالنجاح، وهذه آفة الأنظمة العربية بخلاف العدالة والتنمية الذي كان يؤمن بالنجاح مهما واجه من صعوبات، لأن الشعب التركي كان منتظرا النجاح منّا والإحساس بالفرق، لذلك لم يتخل عنا في دعمه الدائم، وهذا ما نصحته لهم، أن عليكم التخلص من أي أفكار سلبية قد تتسبب في إعاقتكم نحو تحقيق أهدافكم.

* يؤكد أوهان هنا أن التبعيّة لن تحقق سيادة أو انفرادا بقرار، فحين تكون الدولة رهينة سياسات دول خارجية فلن تستطيع صناعة نهضة، فأول خطوات السير نحو بناء نهضة حديثة هو التحرر من الهيمنة الخارجية، وقراءة تجارب الآخرين بشيء من العقل والموضوعية ومحاولة تطبيقها وعدم اختزالها في دائرة ضيقة من المسميات كمن يقول أن العدالة والتنمية حزب إسلامي، وهو في الحقيقة حزب جماهيري يعمل بأيدولوجية متوازنة هدفها الأول والأخير مصلحة الشعب التركي بكل توجهاته، وهذا ما يجب أن تفهمه الأنظمة الأخرى، أن نجاح أي مشروع حضاري يبدأ من العمل من أجل الجميع مواليا كان أو معارضا ففي النهاية كلنا أبناء وطن واحد. 

وفي رده على أحد الأسئلة الشائعة عن النظام الجديد أنه نظام الرجل الواحد، ردّ قائلا: نحن نتابع تلك الإشاعات التي تروج لها وسائل إعلام معادية، فالنظام الجديد ليس نظاما ديكتاتوريا مركزيا يتحكم في كل شيء كما يدّعون، لكنه نظام إرادة شعب، نظام الإرادة المؤسسية أو الانقلاب الديمقراطي الذي غيّر من فلسفة السياسة التركية وشكل الحكم فيها، بعدما هدمت البيروقراطية القديمة التي كانت تُبقي علي الرموز الحاكمة لسنوات طويلة بدعم أمريكي أوروبي، لكن هذا النظام سوف يتيح للشعب أن يختار كل خمس سنوات من يمثله أمام العالم بكل حرية، فبإمكانه أن يخلع النظام عن آخره وينتخب نظاما آخر إذا كان يرى فيه الأفضلية للحكم.

* وفي محاولات لدحض تلك الشائعات كنت قد تابعت كثير من قادة الرأي قبل الانتخابات الرئاسية تخاطب الرأي العام لشرح مزايا النظام الجديد ومدى فائدته على استقرار الدولة التركية واستكمال الرؤية الاقتصادية، بل ودوره على الصعيد الإقليمي من خلال التعاطي مع القضايا الخارجية بفاعلية وإيجابية أكثر من ذي قبل، وهذا ما ساهم في صناعة وعي جمعي لدي الناخب التركي، فجدد الثقة في الحزب الحاكم على أن يترقب فوائد هذا النظام الجديد وتداعياته على الحياة السياسية وممارسة الديمقراطية. 

ومن ضمن ما أشار إليه أوهان أن من أسباب فوز حزب العدالة والتنمية، بجانب ما قدم للشعب من خدمات، هو العمل الميداني، الذي يبدو واضحا مع كل حراك انتخابي بتركيا والذي يشترك فيه جميع أعضاء الحزب للقرب من المواطن التركي، لذلك كان قد قدم مقترحا إلى الحزب أنه يجب علينا التعامل مع أقسام علم الاجتماع في الجامعات، وننسق معها في معرفة الطبقات التي تدعم حزب العدالة والتنمية، فهذا يسهّل علينا التوجه إليها بسهولة ويسر ويعزز من نجاح حملاتنا الانتخابية ويكون مقياس مهم لمتابعة شعبية العدالة والتنمية بشكل دائم وحصر عددها.

* وهذه من أهم الأسباب في نجاح العدالة والتنمية، قُربه من المواطن ومعايشة مشاكله وعدم انفصاله عن واقع شعبه مما أكسبه الكثير من التأييد الشعبي، بخلاف أنظمة أخرى تحجب نفسها عن مواطنيها وتلقي بمشاكلهم في سلة الإهمال والنسيان، إن التجربة التركية تجربة تصلح لأن تكون نبراسا تنسج من خلاله الدول المتأخرة أولي خطواتها نحو النجاح والتقدم، بشرط أن تخلص لامتها وتخلع عنها عباءة التبعيّة.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس