مصطفى بارودي - خاص ترك برس

(سقط القناع عن القناع,سقط القناع) هذا ما قاله الشاعر الكبير محمود درويش رحمه الله تعالى يوماً ما. وماكنت أسمعه منذ عقود قد خلت بفضل أخ كبير لي وأردده معه في بعض الأحيان.

ما يزال السقوطُ مُستمراً إلى هذه اللحظات إلى قاعِ القاع، والذي أظنهُ أن لا حد لهذا السقوط، لأن لا قاعَ لهذا القاع!!

(لقد أطاعوا رومهم) فَباعوا أَروحانا بدراهم مَعدودة، فَذهبَ الذين نُحِبهم، ذهبوا. هذا السقوط الذي لا قاع له يرتقي بمن نُحب إلى الرفيق الأعلى في عليين ويُبعد عنا الصلاح والإصلاح كلما زاد ارتقاء الأرواح إلى بارئها وتكميم الأفواه.

فما بالنا بشخص وديع مثل أبو صلاح الذي فضل الابتعاد مع احترامه الشديد لمن في القيادة التي ابتعد عنها، وحُبُ البلاد التي غادرها عندما ساد النفاق وراجت سوقه فَضلَ الاغتراب الطوعي عن النفاق، وقد كان يبوحُ بُحبه كلما سَنحت له الفرصة، لم يكن ذلك الطيب الوديع معارضاً وإن أعطتهُ بعض وسائل الإعلام هذه الصفة، لم يكن يوماً مُعارضاً لم يَسف ولم يُهاجم لم يَقدح بل كان نَاصحاً إِصلاحياً وَدوداً، صدق وأخلص ونصح، يُطيع ويحترمُ المقامات سماعاً وطاعة يبدأُ بالكتابة حين يُسمح له أو حين يُطلب مِنه التوقف مرة أخرى إن كلمة حق من قادة الفكر وأَعلام الِإعلام - وجمال في الذروةِ منهم - وإن قالها هؤلاء القادة الأعلام في صراحة المُحب المُشفق وأَناة العاقل المُتبصر.

وكلمة حق التي ينطقها علم مثله أو صاحب شعبية هي سلاح قوي يخافه الطغاة، وهي عندهم أخطرُ من زعماء الجماعات المتطرفة المتشددة فيرحبون بالتشدد والتطرف ومن نادى بهما لأن هؤلاء أيديهم الباطشة التي يَسفكون بها الدماء ويستبيحون بها الحُرمات، إن هذه الكلمات تبين الحق والصواب تشد النفوس وتضيء الطريق، وتطرد خفافيش النفاق والكذب الذين اشتروا بعهد الله وإيمانهم ثمناً قليلا. هذا الفكر الوسطي المعتدل المسكون بداخله لحد اللطافة ذي التأثير الكبير على الناس يُخيف المُستبدين الرسميين منهم والتنظيمات والجماعات المناهضة لهم.

لا يخاف الحاكم المُستبد من المُتطرفين والمُتشددين، فهؤلاء يظهرونه في مظهر المعتدل وفي ثياب المُخلِّص المُنقذ، ولايستجيب لدعوة التشدد والتطرف إلا قليلون.

كيف لوكيل إبليس على الأرض أن يزين لك بأن تحيد عن الصراط المستقيم المفعم بالقيم والطريق القويم المكنون بالأخلاق؟؟ سوى بإغرائك بالمال، فإن كان الله مُنعِم عليك به مثل أبو صلاح، فالمنصب والجاه فإن كُنتَ من أهله مثله حين اعتلى ليبرالياً أهمها في صحيفة الحياة الليبرالية الذي لم نسمع لم يدعي ذلك عن اختفائه القصري أي همساً استنكاراً لذلك، فما هو فاعل؟؟ فقد ارتقى أعلى قمم الصحافة!!

لقد كان من دعاة الإصلاح ولكن كل من لا يريد الصلاح فهو كان ضد أبو صلاح.

لطفه المعتاد بالحوار يشعرك بأنه يحاول عدم إظهار كل ما يعتقد في فكره عسى أن يؤلف بين قلوب الفرقاء، كما دعى دكتور سلمان العودة - فرج الله تعالى عنه - (اللهم ألف بين قلوبهم . . .) وإذا ابتعدت قليلاً عن ذلك متسائلاً، لماذا كل من نفتقد هم من أهلنا دون غيرنا منذ عدة عقود؟؟ أمثال زعماء رجال السياسة والدين كالرئيس رياض الصلح، والرئيس رشيد كرامي، وفضيلة المفتي حسن خالد، والشيخ أحمد ياسين، والدكتورعبد العزيز الرنتيسي، والرئيس رفيق الحريري . . . وغيرهم.

عدا المختفين قسرياً والمُغَيبين في غَياهِبِ المُعتقلات رحمهم الله تعالى وتقبلهم وتقبل منهم جميعاً، وأن من يدعي عداء لأعداء الأمة تراهُ سالماً لا يُسَامُ بِسوء كما حدث مع من ذكرت، بالعودة إلى الأخ الودود جمال خاشقجي (أبوصلاح) وفي إحدى الإمسيات الإستانبولية الشتوية التي جمعتني به راودتني نفسي بالحديث عن ضعف موقفه حينها وعدم الجهر بمكنوناته الفكرية كما يجب، ويُعزى ذلك حينها أنه مازال مقيماً في بلاد الحرمين الشرفين قبل هجرته الطوعية منها,وقد تَراجعتُ بعد ذلك عن ما كنتُ أعتقد من ضعف لديه عندما شعرتُ بخطأ ما ظننت به، ويرجع ذلك إما أنه كان (تقية) لا يجهر بكل ما يكنه فكرياً فيما يخص قضايا الأمة الكبرى.

أوأنه بعد مراجعات فكرية شخصية طرأ تغيير فكري فيما يخص ذلك وأصبح أكثر مجاهرة لما يَكّنُ في وجدانه من شجون الأمة حتى استمعتُ في لقاء إعلامي لآخر ما قاله قبل دخوله الثاني غِيَبَاتِ القنصلية بيوم واحد تأكد لي صحة ما كنت أظنه من كونه كان صحفي منسجم مع السياسات الحكومية العامة إلى صحفي مدافع عن الثورات والحرية وقيم الديمقراطية عندما بدأ يحدث هذا التحول عنده مع ازدياد السطوة ضد الربيع العربي - لأن أي نصر له يحسب نصر لحركات الإسلام السياسي- وهذا الشيء الذي لا تقبله معظم الحكومات بل تناصب له العداء، حينها كان لا يمكنه أن يبقى صحفي محايد بل عليه تسجيل موقف. وأن الوصفة الوحيدة والكفيلة لنصر المملكة على أعدائها برأيه -التي تعمل خلاف مصالحها- وخروجهم من بلاد الشام يتوجب عليها أن تعود لدعم الثورات والربيع العربي من جديد.

وأن المملكة هي أب وأم الإسلام السياسي الذي نتج منه تحالف دعوة الشيخ ودعوة الأمير وهي الإسلام السياسي مئة بالمئة (على حد قوله) انتهى الاقتباس.

فهو المؤسس الأول لقيام المملكة والركن المتين لها، ولم نعهد منها تاريخياً أنها قامت بتصفية مُعارضيها السياسين حتى من شَرع بمحاولة انقلاب على أراضيها، منذ عهد الملك فيصل بن عبد العزيز رحمهما الله عز وجل وغفر الله تعالى لهما، بل أبقت سدى المجتمع متلاحمة متسامحة وهي تدرك أن ولي الدم الأول هو الله.

وقد وصفَ مايحدث في إدلب مادحاً الحكومة التركية (بالخير الكثير) بالمقارنة فيما كان سوف يحدث لولا الموقف التركي.

آخر ما غرد بعد حضوره موتمر في لندن قائلاً: (أغادر لندن وفلسطين في البال حضرت مؤتمراً وتعرفت على باحثين ومؤمنين ناشطين بعدالة قضيتها من أطراف الأرض.رغم قوة اللوبي الإسرائيلي الذي حاصر أي تعاطف معها إلا أن صوتها لا يزال عالياً هنا. في عالمنا يحاولون تغييب فلسطين لكسر الغضب فينا ولكنها حاضرة في ضمير كل مواطن . . . وإن صمت) انتهت التغريدة. نعم هي كذلك فينا.

نَحتسبهُ عند الله تعالى ولا نُزكي على الله أحد والله حسيبه بقوله:

"مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا"

"يَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيماً".

طُبتَ نقياً طابَ مثواك ياأبو صلاح أينما كُنت وكيف ماأنت، إنا لله وإنا إليه راجعون.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس