فاطمة أوزكان – صحيفة ستار – ترجمة وتحرير ترك برس

حكمت المحكمة الجنائية العليا في ولاية إزمير التركية على الراهب الأمريكي برونسون بالسجن لثلاثة سنوات وشهر واحد وخمسة عشر يوماً بتهمة دعم تنظيم الكيان الموازي عمداً وقصاداً، لافتةً الانتباه إلى أن برونسون لم يكن عضواً في التنظيم بشكل مباشر، ونظراً إلى المدة التي أمضاها برونسون في السجن تم إلغاء قرار التفتيش القضائي ومنع السفر إلى خارج القطر، وبذلك عادت المسألة إلى نقطة البداية.

يشعر ترمب ومساعده بينس بالسرور تجاه القرار التركي لأنهم كانوا بحاجة إلى وجه جديد للحملة الدعائية الانتخابية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ويستمر الثنائي ترمب وبينس في سياسة التمادي تجاه تركيا وسياسة التلاعب والخداع تجاه الرأي العام الأمريكي، ومن جهة أخرى أفاد المحامي "جيم هالافورت" الموكّل عن برونسون بأن قرار القضاء التركي لم يعجبه، ويزعم أن الحكومة الأمريكية ستبحث عن طريقة قانونية للتدقيق في تفاصيل قرار الحكمة التركية، أي إن هالافورت يشعر بالانزعاج نتيجة معاقبة برونسون بقرار المحكمة التركية.

في الواقع هذا القرار يتسبب بالانزعاج لي أيضاً، إذ تم اعتقال برونسون بعد ثلاثة أشهر من محاولة انقلاب 15 تموز/يوليو وسجنه بعد ذلك بشهرين، وكان برونسون متهماً بارتكاب الجرائم باسم التنظيم الإرهابي تحت غطاء رجل دين والتعاون مع التنظيم الإرهابي في إطار الاستراتيجيات العامة وفقاً للأطروحة التي أعدّها النائب العام "بيركانت كاراكايا"، ووفقاً لمضمون الملف القضائي كان برونسون على علاقة قريبة بإمام منطقة "إيغي" التابع لتنظيم الكيان الموازي، وعلى الرغم من أن كنيسة الراهب برونسون كانت في ولاية إزمير إلا أن هاتفه المحمول أعطى 1306 إرسالاً توضّح تواجده في منطقة سوروج التابعة لولاية أورفا خلال مرحلة إرهاب تنظيم بي كي كي في منطقة الخندق.

نظراً إلى دعم أمريكا للتنظيمات الإرهابية، أنا شخصياً كمواطنة في الدولة التركية التي عانت كثيراً من الإرهاب، أرى أن العقوبة التي أخذها المواطن الأمريكي برونسون نتيجة التهم الموجّهة إليه قليلة جداً، ولكنني أدرك أن القرار القضائي يُتّخذ بناء على الإثباتات وليس كمية الاتهامات الموجّهة للشخص، وأؤمن بأن هيئة المحكمة الجنائية العليا فعلت ما يفرض ملف برونسون عليهم فعله على أكمل وجه بغض النظر عن خرافة شهود العيان الذين غيّروا شهاداتهم لاحقاً.

جمعينا رأينا أن أمريكا ليست حليفة لتركيا وأن برونسون ليس راهباً من خلال الأحداث التي واجهتها تركيا، والقادة الأمريكيون يثبتون حقيقة هذا الواقع بشكل أو بآخر، ومن جهة أخرى يجدر بالذكر أن تركيا تتخذ الموقف الصحيح أمام التهديدات المتمادية من البداية، إذ تُحاكم الحكومة التركية الإرهابيين الذين تقبض عليهن متلبسين بالجريمة بكل صبر ووجدان، وتعطيهم الفرصة للدفاع عن أنفسهم، وتسيّر المرحلة القضائية بالنسبة إلى الإرهابيين في شروط مشابهة تماماً للتي تسخّرها عندما يتعلّق الأمر بالمواطنين الأتراك وبدون أي نقاش أو جدال حول المسألة، وقد لفت الرئيس أردوغان إلى أهمية المسألة لمرات عديدة قائلاً: "تركيا هي دولة حقوق وقوانين وسيخضع الجميع لقرارات المحاكم التركية المستقلة مهما كانت نتيجة القرار".

فيما جاءت التصريحات من أمريكا بعكس المنوال المذكور تماماً، إذ تزعم الأخيرة أن تركيا ليست دولة حقوق وقوانين، ويمكن لرجال السياسة إعطاء الأوامر للمحاكم المستقلة وتغيير القرارات المتخذة، وتصرفت أمريكا بناء على هذه المزاعم على الرغم من أنها تُدرك أن مزاعمها لا علاقة لها بالواقع، وعلاوةً على ذلك طالبت تركيا بتأييد المزاعم المذكورة، ويجدر بالذكر أن "بينس" مساعد الرئيس الأمريكي كان أول شخص ينشر هذه المزاعم ويهدد تركيا خلال اجتماع له في شهر أغسطس/آب السابق، علماً أن معظم الحضور في الاجتماع كانوا من أتباع الإنجيلية، وقد أعاد ترمب تكرار المزاعم والتهديدات الرخيصة ذاتها في وقت لاحق.

لقد تم إعادة المسرحية ذاتها في البيت الأبيض بعيد عودة برونسون إلى بلاده، وقد زار الأخير الرئيس الأمريكي ترمب في البيت الأبيض وكأنه راهب شريف لم يكن مسجوناً بتهمة دعم التنظيمات الإرهابية، وفي النتيجة بدأ ترمب بحملاته الدعائية من أجل انتخابات شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ويحاول ترمب تكرار مسألة برونسون باستمرار لأنه بحاجة إلى دعم الإنجيليين له خلال الانتخابات.

أمريكا تحاول تشكيل إدراك خاطئ لدى الرأي العام العالمي على الرغم من جميع الأشياء الواقعية التي تذكرها تركيا، إذ قال ترمب: "لم نتفق مع تركيا، أنا لا أتفق في خصوص الرهائن، أجرينا المفاوضات مع تركيا لفترة طويلة، وأكدنا على أننا لن ندفع الفدية مقابل إطلاق سراح الرهائن"، ومن الغريب أن ترمب قال هذه العبارات وكأن برونسون كان أسيراً بشكل غير قانوني في يد تركيا ولم يكن سجيناً متهماً بدعم الإرهاب، وكأن المرحلة القضائية قابلة للتفاوض أو حاولت تركيا التفاوض في هذا الخصوص، وكأن تركيا طالبت بالفدية مقابل إطلاق سراح برونسون.

وفي هذا السياق يجب على تركيا عكس مسار الإدراك الخاطئ الذي يحاول ترمب تشكيله، إضافةً إلى إظهار الواقع أمام أعين العالم، لأن الموقف الأمريكي يمثّل هجمة جديدة ولكن بشكل مختلف عن سابقاتها.

عن الكاتب

فاطمة أوزكان

كاتبة في صحيفة ستار


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس