ترك برس

في عام 1998 كان الغضب التركي تجاه نظام الأسد الأب قد بلغ مداه، بعد التأكد من ضيافة النظام السوري لقاعدة لحزب العمال الكردستاني الإرهابي الذي بدأ منذ الثمانينيات في شن حرب على الجمهورية التركية. وزاد من حدة الغضب التركي التأكد من وجود زعيم الحزب عبد الله أوجلان داخل الأراضي السورية. فكان أن هددت القيادة التركية بشن عملية عسكرية ضد سوريا.

وفي الرابع من تشرين الثاني/ أكتوبر من العام نفسه أعلن قائد عسكري تركي رفيع أن البلدين في حالة حرب غير معلنة. وقال الجنرال حسين تشفيك أوغلو، "إننا نحاول التحلي بالصبر، ولكن للصبر حدودا." وهدد وزير الدفاع التركي عصمت سيزجين بأنه إذا استمر النظام السوري في إلحاق الضرر ببلاده، "فإن الدبلوماسية ستنتهي."

قامت تركيا بحشد 10000 جندي على الحدود مع سوريا، وتحدث جيشها عن فرض عقوبات اقتصادية وسياسية وعسكرية على دمشق.

زعمت سوريا أن الحشد التركي ضدها جاء نتيجة لعلاقاتها العسكرية الوثيقة مع إسرائيل، مشيرة إلى أن التهديدات جاءت بعد وقت قصير من زيارة رئيس الوزراء التركي مسعود يلماظ لإسرائيل. ولكن يلماظ نفى وجود مثل هذا الارتباط. وقال: "إذا كنا نتحدث عن العداء، فعلينا أن ننظر إلى دعم سوريا للإرهابيين الانفصاليين في تركيا."

انضمت إسرائيل إلى ركب المؤيدين لنظام الأسد بطريقة غير مباشرة، حيث نفت أن يكون لها أي دور في المواجهة. وتحدث رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، عن خطوات لطمأنة سوريا. كما أعلن الرئيس الليبي، معمر القذافي وقوف بلاده مع سوريا في النزاع وأعلن أن أي اعتداء على سوريا سيعتبر عدوانًا على ليبيا وفقًا لاتفاق الدفاع العربي المشترك بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية.

وكان القذافي قد استعدى تركيا قبل ذلك بسنتين. فعندما دعا رئيس الوزراء التركي نجم الدين أربكان إلى إنشاء حلف شمال الأطلسي الإسلامي ونسخة إسلامية من الاتحاد الأوروبي، وزار ليبيا من أجل الترويج لفكرته، هاجم القذافي تركيا بحدة، ودعا إلى إنشاء دولة مستقلة للأكراد.

جاءت تهديدات أنقرة بعد وقت قصير من إرسالها 10 آلاف جندي إلى إقليم شمال العراق لمحاربة حزب العمال الكردستاني. وفي العام الذي سبقه شنت تركيا توغلا أكبر عبر الحدود بقوة بلغت 30 ألف جندي.

وبدأت الطائرات الحربية التركية في التحليق على الحدود السورية في استعراض للقوة. كما ألمح المسؤولون الأتراك إلى أن أنقرة قد تهاجم أيضا معسكرات تدريب حزب العمال الكردستاني في وادي البقاع في لبنان الذي كانت تحتله سوريا في ذلك الوقت. كما رفضت تركيا إجراء مفاوضات مع دمشق حول اتفاقية لتقاسم المياه، بعد أن تسببت السدود التي تبنيها أنقرة على نهر الفرات في خفض تدفق المياه إلى سوريا.

وصرح الرئيس التركي سليمان ديميريل قائلاً: "إنني لا أحذر سورية فحسب، بل إنني أحذر العالم - وهذا لا يمكن أن يستمر"، "نحن في وضع الدفاع عن النفس. الوضع خطير. لقد عانت تركيا لسنوات عديدة، ولم تعد تريد أن تعاني".

وعندما بدا للجميع أن تركيا جادة في حشدها العسكري، بدأ الرئيس المصري في ذلك الوقت، حسني مبارك، رحلات مكوكية بين أنقرة ودمشق من أجل تجنب أي صراع محتمل، قائلا إن استخدام استخدام القوة العسكرية لا يحل الخلافات أو يحل القضايا.

وفي الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر أرادت إيران أن ترد الجميل للأسد على دعمه لها خلال الحرب مع العراق، فعرضت التوسط لإنهاء الأزمة بين تركيا وحليفها الاستراتيجي. وبعد نحو عشرة أيام وفي العشرين من أكتوبر 1998، وقعت تركيا وسوريا على اتفاق أضنة الجديد الذي أجبر حافظ الأسد على طرد مقاتلي حزب العمال الكردستاني من قاعدتهم في سوريا. وفي إطار الاتفاق قامت دمشق بترحيل عبد الله أوجلان الذي نجحت تركيا في اعتقاله في كينيا في شباط/ فبراير من العام التالي وهو في السجن منذ ذلك الحين.

تحسنت العلاقات التركية السورية تحسنا كبيرا بعد الاتفاق، لدرجة أنه عندما طلبت تركيا من سوريا تسليم شخص تركي عضو في حزب العمال الكردستاني، رد أحد محللي الاستخبارات التركية مازحا: "لن يسلم الأسد هذا الشخص فحسب ، بل سيسلم أبناء عمومته كذلك."

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!