حمزة تكين - أخبار تركيا

مضى على الجريمة الإرهابية ضد مسجدين في نيوزيلندا أكثر من أسبوع، ولكن مازالت هذه القضية تأخذ حيزا كبيرا في النقاشات الإعلامية والسياسية والدينية في العالم، ومن المؤكد أن تداعياتها لن تخفت في وقت قصير.
 
 لن تخفت لأنها ليست مجرد جريمة عابرة نفذها شخص بصورة منفردة، بل هي جريمة تفضح الكثير من النقاط التي تدين الغرب وتكشف أحقاده وعصبياته وعنصريته، وإن كنا نريد أن نكون أكثر عدلا سنقول أنها تفضح الشريحة الأوسع والأكبر في المجتمع الغربي.
 
 كما تفضح جريمة نيوزيلندا ارتباط الغرب بشكل وثيق بتنظيم "داعش" الإرهابي، وتؤكد في مكان ما أن الغرب هو الذي أسس هذا التنظيم الإجرامي وألبسه عن عمد لباس الإسلام من أجل تشويه سمعة هذا الدين الحنيف وتخريب منطقة الشرق الأوسط ثم تمرير مشاريع التفرقة والتقسيم والتشرذم.
 الارتباط وثيق وكبير وواضح بين تنظيم "داعش" الإرهابي وذاك العنصري الحاقد الذي نفذ جريمة نيوزيلندا ومن خلفه من وجّهه ودعمه، اجتمع الطرفان فقط على عداء المسلمين عامة وخاصة عداء إسطنبول الجديدة وما تمثله من قوة حاضرة ووزن تاريخي إسلامي عظيم.
 
 نعم إن هجوم نيوزيلندا الإرهابي يؤكد ارتباط "داعش" الإرهابي بالغرب ـ بجله ـ وثقافته المعادية للإسلام والشرق الأوسط، ولقد كانت إسطنبول في هذه القضية هي النقطة الفاضحة لهذا الارتباط، فمن يقرأ الشعارات التي رفعها "داعش" الإجرامي وتلك التي رفعها ذاك العنصري في نيوزيلندا يدرك هذه الحقيقة.
 
 لنعود سنوات قليلة إلى الوراء، لم يعادِ تنظيم "داعش" الإرهابي مدينة كمدينة إسطنبول، إسطنبول الجديدة التي عادت مع "العدالة والتنمية" لتاريخها الإسلامي العظيم، التي عادت مآذنها لتقول للعالم هذا هو الإسلام الحقيقي البعيد عن التطرف والعنف والإرهاب، إسلام البناء والتطور والإنسان والحرية وبناء الأوطان، وهذا الإسلام لا يثير غضب الغرب بقوة.
 
 لم يهاجم "داعش" الإرهابي، مدينة في العالم كهجومه على إسطنبول وتوعّده بضربها وتدميرها و"إعادة فتحها"، كما أنه لم يهاجم رئيسا في العالم كهجومه على الرئيس رجب طيب أردوغان.
 
 ومما رفعه تنظيم "داعش" الخبيث من شعارات أنه يريد "إعادة فتح مدينة القسطنطينية وتحريرها من الخائن أردوغان والصليبيين".
 
 لم يستخدم يومها هذا التنظيم الإرهابي اسم "إسطنبول" بل قال في كل بياناته وتهديداته "القسطنطينية"، وهذا يشير إلى أنه كان يعتبر هذه المدينة ليست من بقاع الإسلام، إذ أنها كانت تعرف بـ"القسطنطينية" قبل أن يفتحها السلطان العظيم محمد الفاتح رحمه الله.
 
 كما حاول التنظيم من خلال استخدام مصطلح "القسطنطينية"، نفي أن السلطان الفاتح كان مسلما وخليفة للمسلمين وحظي بشرف بشارة النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال :"لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ فَلَنِعْمَ الْأَمِيرُ أَمِيرُهَا وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ"، وبالتالي كان التنظيم يسعى للقول أن خليفته المزعوم البغدادي هو من سيفتح القسطنطينية وينال هذا الشرف!
 
 هذا في ما يخص تنظيم "داعش" الإرهابي"، ولو عدنا من الماضي القريب إلى حاضرنا، أي إلى هجوم نيوزيلندا الإرهابي، لوجدنا أن الشعارات التي رفعها منفذ الهجوم ضد المسجدين ـ المتعلقة بإسطنبول وأردوغان ـ هي نفسها التي رفعها "داعش"، ولوجدنا أيضا أن الأسلوب الإجرامي والتفنن بالقتل هو نفسه بالتمام التمام.
 
 لم يهدد هذا الإرهابي مدينة في العالم كما هدد إسطنبول مستخدما مصطلح "القسطنطينية"، لم يتوعد مدينة في العالم كما توعّد إسطنبول، لم يفجر حقده على مدينة في العالم كما فجره على إسطنبول، توعد بـ"أخذ" مدينة إسطنبول مجددا... وبالتالي نفس الخاطب الذي كان قد قدمه "داعش" ضد هذه المدينة.
 
 لم يهدد هذا الإرهابي شخصا في العالم كما هدد الرئيس أردوغان، لم يظهر حقده الدفين تجاه شخص في العالم كما أظهره تجاه الرئيس أردوغان... وبالتالي نفس الخاطب الذي كان قد قدمه "داعش" ضد هذا الرئيس.
 
 خطابان اثنان والفارق الزمني بينهما مجرد 4 سنوات، نفس الكلمات ونفس المصطلحات ونفس التوجه ونفس التهديد ونفس الحقد، وبالتالي وبما لا يدعو للشك يمكن القول إن من كتب هذين الخطابين هي جهة واحدة... الغرب لا أحد سواه.
 
 كل التقارير الاستخباراتية والأمنية والعسكرية تؤكد تأسيس الغرب لتنظيم "داعش" الإرهابي، ليأتي هذان الخطابان وبهذا الفارق الزمني ويؤكدان صحة تلك التقارير.
 
 بالأمس وعندما فشل الغرب باستخدام "داعش" وما حمّله إياه من شعارات إسلامية، لضرب إسطنبول وأردوغان، حاول اليوم أن يعيد تهديده لإسطنبول وأردوغان ولكن عن طريق آخر، عن  طريق العنصرية والشعارات الصليبية.
 
 لا يهم الغرب ـ وبعض حلفائه في الشرق ـ نوعية وألوان وخلفيات الشعارات بقدر اهتمامه فقط بضرب إسطنبول، وليس إسطنبول القديمة، بل إسطنبول الجديدة، فالغرب لم يكن لديه مشكلة مع إسطنبول القديمة، ولكن مشكلته بدأت مع عودة هذه المدينة لتاريخها الإسلامي العظيم منذ نحو عقد ونصف من الزمن.
 
 لا يعجب الغرب ما تقدمه مآذن إسطنبول الجديدة من صورة حضارية عن الإسلام، ولا يعجب الغرب التطور الهائل الذي تشهده تركيا عامة وإسطنبول خاصة، التي ترفع مآذنها بالتزامن مع هذا التطور صورة الإسلام الحقيقي، صورة يكرهها العنصريون اليمينييون المتطرفون في الغرب، وحلفاؤهم في الشرق.
 
 بسبب هذه الصورة يحاول الغرب ضرب إسطنبول ليضرب من خلالها صورة الإسلام السمحة وقوة تركيا المتزايدة في المنطقة والعالم، حاول أمس من خلال "داعش" وفشل، ويحاول اليوم من خلال الشعارات العنصرية الصليبية التي فُضحت مع جريمة نيوزيلندا، وفُضحت معها حقيقة أن خطاب "داعش" ضد تركيا كان خطابا يُكتب في العواصم الغربية.
 
 ولكن وكما فشل الغرب باستخدام "داعش" لتهديد وضرب إسطنبول وما تمثله، سيفشل أيضا باستخدام أطراف أخرى، وستبقى مآذن إسطنبول شامخة صادحة بكلمة الحق التي على صوتها تنمو وتتطور تركيا.
 
 وليذهب الغرب وليصب جهده على التخلص من عار تأسيسه لـ"داعش" والتنظيمات الإرهابية التي ترفع شعارات إسلامية زورا وبهتانا... وليعمل على التخلص من أفكاره العنصرية المعادية للآخر الحاقدة على كل تطور وازدهار لا يخضعان لإرادته.

عن الكاتب

حمزة تكين

كاتب وصحفي تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس