د. علي حسين باكير - العرب القطرية

أعلنت الولايات المتحدة، الأسبوع الماضي، بدء عملية إخراج تركيا من برنامج إنتاج المقاتلة المتعددة المهام الأحدث في العالم «أف-35»، على خلفية تسلّم أنقرة الدفعات الأولى لمنظومة الدفاع الصاروخية الروسية المتطوّرة «أس-400». وقد أعربت الولايات المتحدة عن عدم وجود نية لديها حالياً لفرض مزيد من العقوبات على تركيا، وترافق ذلك مع إفراج واشنطن عن المصرفي التركي المحتجز لديها منذ فترة المدير العام السابق لمصرف خلق الحكومة محمد هاكان أتيلا، الذي سبق وأن اتهمته بالعمل على خرق العقوبات المفروضة على إيران.

وتوحي هذه الخطوات الأميركية بوجود رغبة لدى الإدارة الأميركية في احتواء الموقف ومنع التصعيد في القضية بشكل قد يؤدي إلى تسارع الأضرار الناجمة عن إخراج تركيا من برنامج إنتاج المقاتلة. لكن من وجهة نظر أنقرة، فإن الأضرار قد وقعت بالفعل، كما أن التمسك بحرمان أنقرة من حقوقها في إنتاج مقاتلات «أف-35» في الحصول على هذه المقاتلات التي كانت قد طلبتها، سيدفعها إلى البحث عن بدائل قد تزيد المشاكل تعقيداً في العلاقات الأميركية-التركية من جهة، وكذلك في العلاقة بين تركيا و»الناتو» من جهة أخرى؛ نظراً لأن مقاتلات روسيا «أس يو-35» قد تصبح البديل المنشود.

وفي موازاة الخط الذي يُظهر وجود محاولات أميركية لاحتواء الموقف، يبرز خط آخر معاكس يُظهر وجود توجّهات لتعميق هوّة الخلاف مع أنقرة، ويبدو ذلك جلياً من خلال الدعوة إلى معاقبة تركيا والاستمرار في اتخاذ مواقف مناقضة للمصالح التركية وللأمن القومي التركي، سواء في سوريا أم في العراق أم في قبرص أم في شرق البحر المتوسط. ويترافق ذلك أيضاً مع دعوات متكررة في الولايات المتحدة الأميركية إلى إخراج تركيا من حلف شمال الأطلسي (الناتو). وبالرغم من أنه لا يوجد مادة في ميثاق حلف شمال الأطلسي (الناتو) لإخراج عضو من الحلف، كما لا يُوجد أي شيء في ميثاق «الناتو» يمنع أي دولة عضو من شراء أسلحة من دولة أخرى غير عضو، لا سيما إذا حُرم العضو من الحصول عليها من الدول الغربية، فإن مثل هذه الدعوات تلقى صدى في واشنطن. ومن الملاحظ أن معظم هذه الدعوات التي تنادي بمعاقبة تركيا تتجاهل الشكاوى التركية لناحية المظالم التي وقعت بحقّها، ومن بينها التغافل عن مصالحها الإقليمية وأمنها القومي لسنوات طويلة، ناهيك عن الدعم الأميركي المستمر للميليشيات الكردية المصنّفة إرهابية في تركيا والولايات المتحدة ولدى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في تناقض صارخ مع السياسات الأميركية في مكافحة الإرهاب مؤخراً، أُضيف إلى كل هذه السياسات المتضاربة مع أنقرة، الموقف من التنافس الجاري في شرق المتوسط حول الثروات الطليعية، وعلى رأسها الغاز والبترول، حيث تبدو الولايات المتحدة حتى الآن في صف التلاقي المتزايد بين كل من اليونان وقبرص وإسرائيل ومصر ضد مصالح تركيا.

في المقابل، وفي الوقت الذي تمتنع فيه واشنطن بوصفها حليفاً تقليدياً عن إبداء دعمها لأنقرة، تبرز موسكو لتجديد الدعم المقدم من قِبلها لتركيا في مجال التعاون العسكري. لروسيا حساباتها الخاصة بطبيعة الحال، ومن بينها زيادة الشقاق بين أميركا وتركيا وتفتيت «الناتو» من الداخل. لكن مسؤولية مثل هذا الأمر تقع على الولايات المتحدة بالدرجة الأولى؛ ذلك أنها عندما تمتنع عن تقديم الدعم لتركيا، فإنها تكون قد قدّمت الدعم بشكل غير مباشر لمساعي روسيا لاستقطاب تركيا إلى فلكها، وهو أمر يحمل معه من المخاطر على الطرفين ما يزيد على التعارض المزعوم بين اقتناء تركيا مقاتلة «أف-35» ومنظومة الدفاع الروسية «أس-400».

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس