ترك برس 

نشرت مجلة فورين أفيرز الأمريكية تحليلا لآرون شتاين، مدير برنامج الشرق الأوسط بمعهد أبحاث السياسة الخارجية، تناول فيه أسباب ابتعاد تركيا عن الولايات المتحدة وتقاربها مع روسيا. 

وكتب شتاين أن علاقة تركيا المشحونة بالولايات المتحدة كانت في تراجع منذ سنوات، ولكن منذ الغزو الأمريكي للعراق الذي مهد لإقامة "حكومة إقليمية كردية"، نظرت تركيا إلى الولايات المتحدة كقوة مزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط.

وأضاف أن الدعم الأمريكي "للميليشيات الكردية" (المتمثلة بتنظيم "ي ب ك" الذي تصفه تركيا إرهابيًا لارتباطه بتنظيم "بي كي كي" المحظور) في سوريا عزز من قوة هذا الرأي في أنقرة، الأمر الذي دفع تركيا نحو السلاح الروسي وأثار تساؤلات حول التزام البلاد بحلف الناتو. 

وأشار الكاتب إلى أن الرئيس التركي أردوغان رفض الخضوع لمطالب الولايات المتحدة وتهديداتها فيما يتعلق بصفقة شراء منظومة الدفاع الصاروخي الروسي إس 400، وهو بذلك، كما يقول شتاين، قام باختيار سياسي، في إشارة إلى جميع الذين سيستمعون إلى أن تركيا مستعدة للتخلي عن علاقات ودية مع واشنطن لصالح العلاقات الوظيفية مع موسكو. 

وأوضح أن هناك منطقا واضحا لهذا النهج، فمن خلال تبني سياسة خارجية أكثر حيادا، يسعى الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم إلى تعزيز مفهوم أضيق لمصالح تركيا الوطنية، وهي فكرة يعتقدون أنه يخدمها تعاون أوثق مع روسيا في القضايا الاقتصادية والأمنية الرئيسية.

ويقول شتاين إن هذا النهج لا يعني التقارب مع موسكو على حساب واشنطن، لكنه يعني أن تركيا لم تعد تنظر إلى الولايات المتحدة كحليف لا غنى عنه.

ووفقا للكاتب، فمع تباعد المصالح الأمريكية والتركية في سوريا، بدأت أنقرة في إعادة تقييم احترامها التقليدي لواشنطن بشأن قضايا الأمن القومي الأخرى أيضًا. وعلى مدار أكثر من عقد من الزمن، سعى حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى تقليص الاعتماد التركي على الولايات المتحدة وتأسيس البلاد كقوة عالمية مستقلة.

وأردف أنه على الرغم من هذه الفكرة لم تحظ بقبول كبير داخل بيروقراطية الدفاع التركية، ولكن بعد ما يقرب من 17 عامًا من حكم حزب العدالة والتنمية، وخلال هذه الفترة، أغضبت الولايات المتحدة تركيا من خلال الشراكة مع تنظيم "ي ب ك"، وانقلبت النحبة الأمنية التركية أكثر فأكثر على واشنطن. ونتيجة لذلك ، تمكنت أنقرة من استكشاف شراكات مع الجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية الأخرى.

تحالف غير متوقع

ورأى شتاين أن تحول أنقرة تجاه موسكو لم يكن أمرا مفروغًا منه، إذ تتمتع روسيا بتاريخ طويل من التدخل في الشؤون التركية، حيث تستخدم الدعاية للتدخل في انتخابات البلاد، وتفيد التقارير أنها تشن هجمات إلكترونية على بنيتها التحتية، وتنفذ عملية اغتيال المنشقين الروس المتمركزين في تركيا. 

واعتبر أن العلاقة التركية الروسية في الوقت الحالي ليست تحالفًا رسميًا، وفي هذه المرحلة لا تزال أضعف من علاقة أنقرة بواشنطن. ولكن الديناميات في سوريا تفسر سبب قدرة تركيا على تنحية خلافاتها مع روسيا، في حين أن العلاقات مع الولايات المتحدة في حالة أكثر هشاشة بكثير.

وبين أن أنقرة أدركت بعد التدخل العسكري الروسي في الصراع السوري لصالح النظام، أنه سيتعين عليها العمل مع موسكو لإدارة تدفق اللاجئين من المناطق المتأثرة بالصراع. لذا فقد عززت تركيا من علاقتها مع روسيا للضغط على الأسد للحد من نطاق العمليات القتالية في هذه المناطق.

وفي الوقت نفسه، "برزت روسيا بوصفها الشريك العسكري الأكثر موثوقية لتركيا في سوريا، مما مكّن أنقرة من استئناف عملياتها القتالية المحدودة في المناطق الحدودية دون تهديد حكم الأسد"، على حد قوله.

ويقول شتاين إن روسيا تستفيد من هذه العمليات لأنها تزيد من التوترات الأمريكية التركية، والتي بدورها تزيد من التوترات العالمية، لأن كلا الدولتين عضوان في الناتو. وفي المقابل تعد تركيا روسيا أفضل وسيلة تستطيع من خلالها التأثير في التسوية السلمية في سوريا، وربما في الدستورالسوري الجديد، فكلاهما يمنحان أنقرة فرصة لإحباط طموحات الحكم الذاتي في الشمال الشرقي. 

وخلص شتاين إلى أن هذا كله يساعد على تفسير سبب إصرار أنقرة على شراء منظومة الصواريخ الروسية. وعلى الرغم من العقوبات الأمريكية المتوقعة وتاثيرها في القوة الجوية التركية، يراهن أردوغان وحزب العدالة والتنمية على أن السياسة الخارجية المتوازنة بشكل محايد ستخدم مصالحهما، سواء في سوريا أو في الداخل.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!