صوفيا خوجاباشي - خاص ترك برس

ليس هناك أقبح من سلطة الخديعة، حينما تتسلل إلى بواعث الشعور، وتسيطر على ألباب العقلاء، فتتضارب معها المبادئ، وتتعاكس الحقائق الجلية، ويصبح السكوت عن الشر فضيلة، والنطق بالوقائع عار.

سنون من الخديعة، مارسها حزب الله بأدواته الدعائية، داخل لبنان وخارجه، كسرطان خبيث، هيأت له البيئة الخصبة للنمو والانتشار في الجسد العربي، كيف لا وقد استغل موقع القلب منه... القضية الفلسطينية، قبلة العرب حينها، ومشروعهم النضالي الأول.

إلا أن الثورة السورية، وبتميز واضح عن غيرها من الثورات، نجحت في أن تكون ثورة كاشفة، لمعظم الحقائق المستترة خلف قناع الزيف، فغيرت بوقائع صارمة في صدقها، الاتجاهات السياسية للمنطقة، التي ظلّت لفترة من الفترات في نظر البعض، دستورًا غير قابل للمس أو التحريف، وهو في حد ذاته انتصار بعيد المدى، سياسي وفكري على عدد من المسلمات الكفيلة بتوسيع دائرة الخديعة إلى أبعد مما تبدو عليه اليوم.

ورغم أن ثمن هذه الحقائق المتكشفة، كان سيولًا من الدماء وعذابات متعددة الألوان والأشكال، لمئات الآلاف من السوريين، إلا أن هذه الدماء، صنعت منارة فكرية، لا بد من الحفاظ عليها، وعدم المساس بها، مهما تعرضت لبوادر النسف والتهديم، وتآمر عليها القاصي والداني، بفعل حجج مختلقة، للنزول من فوق الشجرة، وإعادة نصاب الخديعة إلى ما كان عليه في السابق.

وانطلاقاً من هذه الغاية، لا بد من الوقوف بشكل حذر على جدلية حزب الله وإسرائيل والمفاضلة بين القتلة، والتي تعود لتظهر إلى الواجهة، عند كل حدث من شأنه أن يعيد إحياء تساؤلات لا معنى من وجودها إلا أنها موجودة فعلًا في عقول البعض، كمحاولة حثيثة لاستنزاف ما تبقى من قيمة إنسانية.

بشكل أوضح... مع من يجب أن نقف في حال حدوث حرب بين إسرائيل وحزب الله؟

سياسيًا، تنقسم المنطقة اليوم إلى محورين، محور "إسرائيل"، ويضم كلا من الولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل، وبعض الدول العربية المعادية لإيران، ومحور ما يسمى "بالمقاومة"، ويضم بالمجمل الدول الخاضعة للسيطرة الإيرانية المباشرة، كالعراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، بيد أن هذا الانقسام، ليس سوى انقسام سياسي-دعائي، باطنه يخالف ظاهره.

أما اجتماعيًا وشعبيًا، فيبدو الانقسام أكثر حدة، تبعًا لعوامل تأجيج الصراع، الممارسة سياسيًا وإعلاميًا على الجماهير، بهدف الاستقطاب نحو محور بعينه، فيحاول كل طرف من الأطراف، شد اللحاف نحوه، ويبقى وسط هذه المعمعة، فئة المظلومين، ويمثلون السواد الأعظم المسحوق قهرًا، ضحية هذين المحورين على حد سواء.

فظهر على الساحة "المطبعون العرب" والذين يعلنون صراحة ودون خجل دعمهم لكيان الاحتلال الإسرائيلي، والتطبيع العلني مع هذا الكيان الإرهابي، ولم تكن تلك الظاهرة لتأخذ هذا الحجم من الانتشار، لولا انتهاج بعض الدول العربية، هذا النهج، ورغبتها في أن يصبح ما "تحت الطاولة" فوقها، ودون مواربة؛ فيما بقي الجناح الآخر على "أسطوانة" المقاومة المشروخة، التي يختبئ خلفها، الإرهاب الإسرائيلي ذاته، لكن بلبوس آخر... صحيح أن المشروعين الصهيوني والفارسي، مختلفان ظاهريًا، إنما يتفقان من حيث الجوهر والمضمون، والأهداف القريبة والبعيدة على المؤدى ذاته.

إن الجدلية القائمة عند كل عرض هزلي يجري بين إسرائيل وحزب الله، ليست إلا تسطيحًا للوقائع المثبتة، وتجزيئًا للمبادئ المفروغ منها، فلماذا يكون مطلوبًا مني أن أقف في صف قاتل من هذين القاتلين؟ أو أن أدخل غمار هذه المسرحية المكررة دفاعًا عن مقاومة يحمل لواءها (حزب الله) قاتل أطفال الحولة، ومغتصب أراضي القصير.

إن الخطأ التاريخي يتجلى في الهروب من الحقيقة تمسكًا بزيف نتمناه حقيقة؛ فيما تكون المطالبة بفصل الموقف السياسي من حزب الله إذا ما تخيلنا اشتعال حرب بينه وبين إسرائيل، مزحة ثقيلة.

إن عداءنا لحزب الله، ليس مجرد عداء سياسي، أو إيديولوجي، بقدر ما هو عداء من منطلق إنساني، ووقوف في وجه الخديعة بقدر ما نستطيع.

وهو عداء مبني على أسس عقلية متينة، ونظرة واقعية متأنية، فلا فرق اليوم بين مشروعي الاحتلال الصفوي، والاحتلال الإسرائيلي، مهما تذرعنا بحجج واهية للتفريق بينهما، وتعامينا عن الحقيقة الراسخة.

لذلك فإن نهاية حربنا مع إجرام حزب الله، لا تنتهي إلا بسقوط مشروعه، كما هو الحال بالنسبة لعدائنا مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، فالمبادئ لا تتجزأ، والمفاضلة بين الدماء المسكوبة على قارعة المأساة جريمة لا تنسى ولا يمحى دنسها من صفحات العار التاريخي، كما أن عدو عدوي ليس صديقي بالضرورة، وأعداء الأمة واضحون جليون، لمن امتلك عقلاً وبصيرةً وحكمة.

يمكن هنا أن نستذكر ما قاله نائب قائد مقر "خاتم الأنبياء" في الحرس الثوري الإيراني قادر رحيم زادة بأن " حسن نصر الله، هو ابن الثورة الإسلامية الإيرانية" مضيفًا: "ما أنفقته إيران في سوريا وعلى محور المقاومة خلال السنوات الـ10 الماضية يخدم أولا الأهداف المقدسة للجمهورية الإسلامية ومصالح شعبها، كما أن هذا مبلغ زهيد إزاء ما تحقق من إنجازات سياسية وأمنية ودفاعية لإيران".

في الختام، لا بد من إضاءة ضرورية، تؤكد على أن القضية الفلسطينية، قضيتنا الأولى، لكن لن تستطيع هذه القضية أن تأخذ مجراها العادل، ما لم نتخلص من جميع الأورام السرطانية التي تحيط بها، وتساهم بشكل مباشر وغير مباشر في حماية كيان الاحتلال الإسرائيلي وتصفيتها، بشعارات المقاومة الزائفة؛ هذه الأنظمة والمليشيات الوظيفية، تقف حجر عثرة أمام أي مقاومة حقيقية، مرهونة بنجاح مشروع التحرر العربي.

عن الكاتب

صوفيا خوجاباشي

كاتبة وصحفية تركية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس