د. علي حسين باكير - العرب القطرية

خلال الأسبوع الماضي، وافقت جمهورية شمال قبرص «قبرص التركية» على استضافة طائرات مسيّرة من تركيا في مطار جتشيكالة، الواقع في منطقة حيوية في القسم الشمالي من قبرص. وعلى الفور، أرسلت أنقرة إلى هناك أول طائرة من دون طيّار، وهي من طراز بيرقدار «تي بي٢»، مبررة ذلك بأنه يأتي في سياق حماية الأمن القومي لكل من تركيا وقبرص التركية، لا سيما في ظل الصراع القائم الآن على الثروات شرق البحر المتوسط.

وتعتبر هذه الخطوة الأولى من نوعها بالنسبة إلى الطرفين، إذ لم يسبق لأنقرة أن أرسلت أي نوع من أنواع الطائرات المسيّرة للتمركز في قبرص الشمالية قبل الآن. وفي تصريحات له تعليقاً على الموضوع، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن بلاده قد تزيد من أعداد الطائرات المسيّرة، سواء المسلّحة منها، أو تلك المخصصة للمراقبة وجمع المعلومات في الجزء التركي من قبرص إذا لزم الأمر. ومن هذا المنطلق، يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها تأتي في سياق تعزيز القدرات الجوية التركية في قاعدة جتشيكالة الجوّية، لتكون بمثابة قاعدة متقدّمة لها في عمق شرق البحر المتوسط.

يتيح نشر الطائرات بدون طيار في مطار جتشيكالة تزويد أنقرة بسلسلة من الخيارات الدبلوماسية والعسكرية في التنافس الجاري حول الموارد شرق البحر المتوسط. على الصعيد السياسي تعدّ هذه الخطوة بمثابة رسالة مفادها أن أنقرة عازمة على الدفاع عن حقوقها وحقوق قبرص التركية في شرق البحر المتوسط مهما كلف الأمر. ولا يحمل نشر المسيرات التركية في قبرص رسائل دبلوماسية فقط، وإنما أخرى ذات طابع أمني وعسكري.

على الصعيد الأمني، يتيح تمركز الطائرات من دون طيّار التركية داخل عمق شرق البحر المتوسط مزيداً من المرونة فيما يتعلق برصد التحرّكات الجارية في المنطقة، أو حتى حماية السفن التركية المخصّصة للسبر أو للحفر في شرق البحر المتوسط، كما يوفر الوقت والتكلفة ويحوّل قبرص الشمالية إلى منصّة انطلاق متقدّمة للمسيّرات التركية بعمق أكثر من ١٠٠ كم عن اليابسة الأم. ولعل أهّم الرسائل على الصعيد العسكري هو أن تركيا التي تكاد تتحوّل إلى قوّة ضاربة في مجال الطائرات المسيّرة المسلّحة وتلك المخصصة للاستطلاع وجمع المعلومات عازمة على الدفع قدماً باستراتيجيتها في توسيع نطاق تمركزها العسكري الإقليمي، بما يكفل حماية مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة.

وتثير هذه الخطوة تساؤلات حول مدى إمكانية العودة إلى توصية سابقة كانت البحرية التركية قد أصدرتها العام الماضي، وتشير فيها إلى أن هناك حاجة ملحة لإنشاء قاعدة بحرية في مكان مناسب في قبرص التركية -يرجّح البعض أن تكون فماغوستا- وأن مثل هذا الأمر سيساعد ليس فقط على حماية جمهورية شمال قبرص التركية، وإنما على حماية حقوقها الأساسية ومصالحها في شرق البحر المتوسط.

يأتي ذلك أيضاً بموازاة تقارير تتحدّث كذلك عن استعداد أنقرة لإرسال قوات عسكرية تركية إلى ليبيا؛ لدعم حكومة الوفاق الوطني، المعترف بها دولياً، إذا ما أرسلت طلباً رسمياً بذلك.

هذه التطورات تشير إلى أن اعتماد أنقرة على القوّة الصلبة سيتواصل خلال المرحلة المقبلة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذ السياق، هل سينجح استعراض القوّة في دفع الأطراف المعنيّة إلى التفاوض؟ أم سيتم التذرّع بها لتبرير الاعتماد على قوّة أو تجمّع قوى مضاد؟

التعقيدات القائمة شرق البحر المتوسط وتعدد اللاعبين، بالإضافة إلى تضارب المصالح، تقول إن المهمّة لن تكون سهلة، لكن موازين القوى ستلعب من دون شك دوراً أساسياً في الصراع الدائر هناك.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس