د.فادي شامية – مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

تنظم المملكة العربية السعودية حملات لمقاطعة المنتجات التركية. وتجنباً لعقوبات “منظمة التجارة العالمية”، التي تمنع المقاطعة التجارية؛ تسمي المملكة حملات المقاطعة بـ “الشعبية”، علماً أنها حملات رسمية افتتحها رئيس مجلس الغرف التجارية، ولم يخفها أمراء سعوديون بارزون. في التبرير المُسوَّق للمقاطعة؛ أن “تركيا تعادي المملكة، وتسيء إلى الأمن الخليجي”. بالتوازي؛ فإن شيطنة تركيا في الإعلام السعودي-الإماراتي لا يحتاج إلى برهان، وهو يدخل في إطار العداء للقيادة التركية باعتبارها العدو الأول للمملكة.

إلى أين؟

في الواقع؛ فإن مقاطعة المنتجات التركية هي مرحلة إضافية في مسار التيه الإستراتيجي؛ الذي بدأ مع وصول محمد بن سلمان إلى ولاية العهد وإدارته دفة الأمور، بالتحالف مع ولي عهد الإمارات محمد بن زايد، لكن أخطر في هذه المرحلة؛ زرع الشقاق في نفوس وعقول المسلمين، وإشراك الشعب السعودي في الحرب على تركيا، باعتباره “عملاً وطنياً”!

وفقاً لهذا التوصيف، ومع الأخذ بعين الاعتبار واقع الحريات في المملكة؛ فإن مخالفة مقاطعة المنتجات التركية؛ بات يقترب من “الخيانة الوطنية”، التي تضع صاحبها في مواقف اجتماعية، وربما قانونية غير مريحة.

بالانتقال من التقييم الأخلاقي إلى التدقيق في المصالح؛ فإن وصول السعودية إلى هذا المستوى من العداء لتركيا ليس في صالحها أبداً:

تسجل السعودية بنفسها وعلى نفسها فصلاً جديداً من فصول تاريخها المخجلة. ثمة تأثيرات متزايدة لخيارات السعودية؛ أبعدتها -وما تزال- عن قيادة العالم الإسلامي. حملات المقاطعة لن تزيد المملكة إلا تراجعاً في ضمير الأمة، وهي نقاط إضافية في ريادة من تقاطعه المملكة تحديداً.
يصعب على القيادة السعودية تبرير دفعها شعبها والشعوب العربية الأخرى نحو التنابذ. لا يليق بأية دولة عربية أو إسلامية فعل ذلك، ومن باب أولى أرض الحرمين، فكيف إذا تزامنت المقاطعة مع موجة تطبيع تدعمها المملكة؟ لكأن السعودية تريد استبدال المنتج التركي بالمنتج الإسرائيلي.
يضيف قرار المملكة مقاطعة المنتجات التركية ملحاً في الندوب المتكاثرة بينها وبين الشرائح الشعبية السعودية الرافضة لسياسة محمد بن سلمان. تبدو مبررات القيادة السعودية غير مقنعة للناس؛ إذ كيف تدفع القيادة السعودية الناس لمقاطعة منتجات بلد مسلم لأسباب سياسية، ولا تفعل ذلك تجاه بلدان غير مسلمة، وقد ارتكبت المجازر الكبرى – وما تزال- بحق المسلمين. الهند في كشمير، والصين تجاه الإيغور.. وقس على ذلك.
بقدر ما سيتأثر الاقتصاد التركي جراء حملات المقاطعة السعودية؛ فإن المملكة ستتأثر أيضاً -على نحو أقل- لأن المنتج التركي جيد ورخيص، بالمقارنة مع المنتجات الأخرى (يقدر حجم التبادل التجاري بين تركيا والسعودية بنحو 5 مليار دولار).

ريادة تركية

لا تملك تركيا ترف خسارة أي سوق في العالم، فالأوضاع الاقتصادية ليست على ما يرام، خصوصاً مع تراجع العائدات السياحية جراء جائحة كورونا، لكن ذلك لا يعني أن المقاطعة السعودية ستهوي بالاقتصاد التركي الضخم والمتمدد في المنطقة:

قوبلت المقاطعة السعودية بحملات شعبية مضادة في غير عربي، للتضامن مع تركيا، ولتشجيع الإقبال على منتجاتها، ما يمكن أن يعوّض – نسبياً أو كلياً- خسارة السوق السعودي.
أدت السياسات التركية لمقاطعة دول عربية -على رأسها السعودية- للبضائع التركية، لكن السياسات التركية التي تشكو منها الدول المقاطعة، أسهمت في فتح أسواق جديدة أو تزخيم الحضور التركي في أسواق تقليدية، كما هي الحال في قطر وعمان والكويت خليجياً، وليبيا والشمال السوري وأذربيجان وغيرها كثير. الخسارة هناك تعادل الربح هنالك.
أهم من ذلك كله؛ أن موقع تركيا في سلم الريادة في العالمين العربي والإسلامي يتعزز يوماً بعد يوم – خلافاً لموقع السعودية المتراجع- وهو كفيل بفتح جيوب الناس قبل أسواق بلادهم، وتعويض خسارة أية مقاطعة محتملة في السعودية أو أي من البلدان المتحالفة معها.

المقاطعة التجارية؛ فرع من العداء الإستراتيجي المتزايد بين المملكة وتركيا. قد تخسر تركيا في التجارة – وقد تُجبر خسارتها- لكنها بالتأكيد تربح يومياً في الإستراتيجيا، وتتمدد في المنطقة، فماذا تفعل القيادة السعودية بنفسها وبالواقع العربي، غير إضافة المزيد من الوهن على جسد مريض؟!

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس