إبراهيم قاراغول - صحيفة يني شفق - ترجمة وتحرير ترك برس

تتداول الصحف الأجنبية وعلى الخصوص الإنكليزية أخبارا عن خطوة جديدة سيخطوها التحالف السني بين تركيا والسعودية وقطر ومباحثات تجري بين هذه الدول الثلاثة للقيام بعملية عسكرية في سوريا بعد اليمن، وأن هذه الدول ستترأس العملية في سوريا بنفسها حتى لو لم تشارك فيها أمريكا، ناقلة عن أن القوات البرية التركية سوف تدخل إلى الأراضي السورية.

إن هذا الخبر الذي يشك بمصداقيته يحمل الكثير من المعاني التي تثير المخاوف والقلق.

لا يمكننا إنكار التقارب التركي السعودي في الفترة الأخيرة كما أن موقف قطر من العديد من القضايا والأزمات في المنطقة موقف يمكن وصفه بالمتقارب. إن فهم التقارب في النظرة بين هذه البلدان الثلاثة على أنه تهديد له دلالات هامة في مستقبل المنطقة.

من الممكن مناقشة مدى صحة أو عدم صحة هذا التقارب، ولكن يمكننا القول أن النفوذ الإيراني الذي امتد إلى اليمن بعد أن كان قد امتد إلى سوريا والعراق كان وراء هذا التقارب، فالتهديد الذي شعرت به دول الخليج قد حثها على التقارب مع تركيا، وهو تهديد حقيقي يسعد إيران.

تحالف سني أمام الهلال الشيعي

تجري نقاشات منذ سنوات طويلة أن الدول السنية في المنطقة تحاسب إيران بدل دول الغرب المستعمرة. وبناء على ذلك قسمت المنطقة إلى "كتلة سنية" تقف في وجه "الهلال الشيعي" وكان في هذا جزءا من استراتيجية لتدخل خارجي أكثر من أن يكون بحثا في ديناميكيات المنطقة.

لقد كتبنا دائما انطلاقا من هذه الفكرة محذرين شعوب وسكان المنطقة من المخاطر، ويبدو مع الأسف أن هذه الخطة قد آتت أكلها ولم يعد من الضروي لهذه القوى الدخيلة أن تتعب نفسها أكثر من ذلك فالحرب في المنطقة قد اشتعلت بعناصر داخلية وظهر الأمر على أنه حقيقة الوضع في المنطقة وقد حركت نظريات النزاع النزاع لتجعله يشتد على أوجه وخرجت الأمور عن السيطرة وبدأت الأزمات تتوالى الواحدة تلو الأخرى.

تاريخ الحماقة والفخ الكبير

لا داعي لبذل هؤلاء أي جهد فهم يكتبون نظرياتهم المتكهنة بمستقبل النزاعات في المنطقة ونظريتهم تقول: "المسلمون يتحاربون مع بعضهم البعض".

وكان من دول المنطقة أن تتحرك ببصيرة عمياء وأن تتبنى هويتها المذهبية لاغية كل الاعتبارات الأخرى ومحاولة رسم كيانها من خلال مذهبها. إننا نقع في هذا الفخ الذي رسم قبل مئة عام.

إنها لعبة كبيرة هم من حددوا قواعدها وسوقوها لنا، ولم يبق أي قلق سوى قلق الهلال الشيعي والبلوك السني وأصبحت هذه هي البؤرة لكل التهديدات. ونحن نشهد اليوم المجتمعات المسلمة في هذه الجغرافيا وقد حولت هذا المشروع  ليكون جزءا منها، إنها حقيقة تراجيدية.

وسيشهد تاريخ القرن الـ21 حماقة كبرى وضغفا في البصيرة سيكتبها التاريخ بين صفحاته، إن لم نتراجع عن المضي في هذا الطريق، وإن لم يخرج من بيننا عقل ناصح متنبه.

استيقظوا كلكم ستقسمون

لن يكون هناك رابح أوخاسر في هذه اللعبة، وستعيش كل بلد حالة الفوضى والبلبلة كتلك التي تعيشها سوريا والعراق وليبيا ومصر وأفغانستان. وستعيش شعوب المنطقة حالة عدم الاستقرار وستواجه الفقر والتشرد، سينقسم الدول وستتحول إلى عشائر ومدن وستعلن التنظيمات دويلاتها، إن لم يخرج ذلك العقل الراجح فستقع كل الدول التي التي تبدو قوية منها مثل تركيا وإيران في نفس الفخ حتى ولو كان ذلك في وقت لاحق.

إذا انتبهنا جيدا نرى أن التطورات الصغيرة التي لا نوليها اهتمامنا اليوم سوف تكون عناصر داعمة للمشروع الذي ينفذ على مراحل. وستكون الأحداث التي نشهدها اليوم بعد عدة سنوات جزءا من اللعبة وسنلوم عندها أنفسنا لأننا اليوم لا نعبأ بها.

وأنا أوقول "نحن" لأن تركيا ليس وحيدة في المنطقة ولا يمكنها أن تحقق النهضة والاستقرار والقوة، وسوريا والعراق بالنسبة لها شأن داخلي في الحقيقة. وسنعي في المستقبل أن هناك أزمات أخرى هي شأن داخلي لتركيا.

أطماع إيران الجيوبوليتيكية الجغرافية السياسية تهدد المنطقة

التحركات الداخلية في المنطقة والتهديدات باتت حقائق يسوقها لنا المشروع الكبير الذي أصبح يشكل استراتيجياتنا الأمنية وأهدافنا الوطنية واستقرار بلادنا. انظروا إلى إيران: منذ ثورة 1979 وحتى اليوم تكتسب القوة من معاداتها للغرب وتموه بذلك هدفها في استراتيجية المد الفارسي. فجيوشها في سوريا والعراق وأخيرا امتدت إلى اليمن ومن منه تهدف الوصول إلى البحر الاحمر ومن ثم تصبح قوة عالمية. وفي نيتها خلق فوضى داخلية في دول خليج البصرة لتكون الخطوة النهائية التي ستخطوها هي جلب الفوضى واللاستقرار إلى السعودية لتدخل مها في مواجهة حاسمة.

عندما تكون لإيران كل هذه الأطماع الجغرافية السياسية يتوجب على السعودية أن تعيش أزمة أمنية كبيرة، فهي تشعر بتهديد خليج البصرة وتسعى لتكون قوة مع تحالف سني لكبح جماح إيران، تفهم إدارة الرياض أن استيلاء إيران على اليمن هو خطة للإحاطة بها وتشعر باقتراب الحرب.

هل من استعدادات لحرب مكة؟

لقد تحولت نظرية "المسلمون سيقتتلون فيما بينهم" التي طرحت في عهد الحرب الباردة إلى حقيقة، وربما هم يحلمون بجرب سعودية إيرانية مركزها مكة والمدينة. وكل ما قمنا به نحت في هذه الفترة نظن أنها حقائقنا وواقعنا.

والمواجهة الحاسمة بين السعودية وإيران على السلطة سوف تقود المنطقة برمتها إلى حرب. وستتبين الجغرافيا التي ستعم فيها الفوضى وسوف نخسر القرن الـ21. لذا يجب الوقوف في وجه إيران ومنعها من التمدد لخوض مغامرات جديدة بعد سوريا والعراق. ويجب إنهاء هذه الحرب الصليبية التي بدأتها.

ليس شيعيا وليس سنيا، إنه مسلم

إن ما تؤكده تركيا هوالاسلام وليس المذهب والتفكير بهذه الطريقة هو المخرج الوحيد من الأزمة. هذه هي الطريقة الوجيدة للتفادي الكوراث التي ستحدث. إن أدركنا هذه الحقيقة عندها نفهم العداء الذي يناصبه مخططوا المشروع الكبير لتركيا التي أصبحت البلد البغيضة المكروهة في هذه الفترة، وندرك الأسباب وراء توجيه الضربات لها. ولا حظوا أن العقول المديرة لسياسة تركيا باتت مستهدفة منذ سنوات عديدة.

ماذا يمكن أن نفعل لنوقف الحرب المذهبية في المنطقة؟

أولا: يجب إيقاف الحرب في سوريا، فلم يعد لنظام البعث مشروعية لإدارة البلاد في سوريا، إذ يجب أن يرحل وتحل مكانه إرادة الشعب.

يجب ألا تستمر السعودية ببغض الإخوان المسلمين، وأن تقنع مصر لتعود الأوضاع فيها إلى طبيعتها، وتعبّئ الجهود من أجل أن يعمل الإخوان المسلمون على رقعتنا الجغرافية لخدمة السلام.

يجب مساندة تركيا في وقفتها التي تقفها اليوم، ويجب البحث عن شركاء جدد. وينبغي أن يكون هذا نواة لمبادرة في المنطقة، ويجب اتخاذ خطوات لتسكين وتهدئة البلدان المجاورة الطماعة والخطيرة والتي تعمل على قسم المنطقة إلى جبهتين شيعية وسنية  بدلا من الهلال الشيعي والكتلة السني.

 

عن الكاتب

إبراهيم قاراغول

كاتب تركي - رئيس تحرير صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس