ترك برس

تناول تقرير في موقع قناة الحرة أبعاد التحركات التي تقوم بها الإمارات العربية المتحدة تجاه تركيا وقطر بعد سنوات من التوتر في العلاقات بسبب ملفات مختلفة.

وبعد أيام قليلة على زيارته إلى أنقرة، التقى مستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد، أمير قطر تميم بن حمد، في الدوحة، على نحو ينبئ بمقاربة سياسية جديدة في منطقة الشرق الأوسط، بحسب محللين.

وعن الجوانب التي شملها اللقاء، ذكر الديوان الأميري القطري، في بيان له، أن المقابلة استعرضت العلاقات الثنائية بين البلدين وطرق تعزيزها وتنميتها في مختلف المجالات، فضلا عن مناقشة عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك.

وكذلك أكدت وكالة الأنباء الإماراتية أن اللقاء، الذي تبادل فيه الطرفان تحيات القيادتين وتمنيات بالرخاء لشعبيهما، ركز على تعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية والمشاريع الاستثمارية الحيوية "بما يخدم عملية البناء وتحقق المصالح المشتركة بين البلدين".

وبعد أربع سنوات من المشاحنات اللفظية والقرارات الانتقامية بين الدولتين الخليجتين، بدت هذه اللغة الهادئة غريبة. وفق تقرير الحرة.

وفي وقت لم تخطو الإمارات بذات سرعة السعودية ومصر في حل خلافاتها مع قطر، يقول المحلل السياسي الإماراتي، عبد الخالق عبد الله، لموقع "الحرة" إن "الإمارات تلتزم قولا وفعلا بقمة العلا، وإن تأخرت قليلا".

وأنهت قمة العلا الخليجية في السعودية، في يناير الماضي، أربع سنوات من قطع العلاقات الدبلوماسية وروابط التجارة والسفر بين قطر من ناحية والسعودية والإمارات والبحرين ومصر، الذين اتهموا الدوحة بدعم الإرهاب، من ناحية أخرى. 

ويرى عبد الله أن زيارة المسؤول البارز بدولته إلى الدوحة "تأتي في سياق المصالحة الخليجية لتبشر بزوال المسائل الخلافية بين البلدين"، مضيفا "المصالحة بلغت محطتها الأخيرة".

ويتفق المحلل السياسي القطري علي الهيل مع رؤية عبد الله، قائلا إن زيارة طحنون بن زايد للدوحة "مؤشر إيجابي على تكريس اتفاق العلا وإزالة العقبات". وأضاف "الجليد قد ذاب، والقضايا الجدلية حُسمت بين البلدين".

وبعد الأزمة الخليجية برزت العديد من الخلافات بين الدولتين الخليجيتين على السطح، وكان أبزرها ملف الإسلام السياسي في المنطقة التي كان ينظر إليه باعتباره من أولويات السياسة الإماراتية في المنطقة.

يقول عبد الخالق: "كان هناك خلافات سابقة تتعلق بملفات ثنائية وإقليمية"، مشيرا إلى أن بلاده سبق وأن طالبت قطر بوقف التحريض ضد مصر، وتبني شعارات التيار الاسلام السياسي، وتخفيف هجوم قناة الجزيرة.

ولا يعتبر عبد الله أن الإمارات بهذه الزيارة تنتهج سياسة "تحييد الخلفات"، معتبرا أن المطالب السابقة تم حلها بين البلدين، ولا نقاط عالقة بعد لقاء أمير قطر وطحنون بن زايد.

وتعليقا على زيارة المسؤول الإماراتي للدوحة، قال المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات، أنور قرقاش، إن سياسة بلاده تقوم في المرحلة الراهنة على "طي صفحة الخلاف"، مضيفا "بناء جسور التعاون والازدهار مع الأشقاء والأصدقاء عنوان المرحلة، وركيزة رئيسية من ركائز السياسة الإماراتية".

وتأتي زيارة المسؤول الإماراتي البارز بعد أيام من زيارة مماثلة قام بها إلى تركيا، حيث أجرى مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مباحثات في أنقرة، ركزت على التعاون الاقتصادي بين البلدين.

وعن التزامن بين الزيارتين يقول عبد الله: "الإمارات تقوم بخطوات استباقية من أجل مستجدات إقليمية لتعزيز أجواء الوفاق والتصالح في المنطقة".

ويرى المحلل الإماراتي أن "الخليج يستعد لمرحلة مهمة جدا، مليئة بالتحولات، خاصة بعد سيطرة حركة طالبان على أفغانستان والانسحاب الأميركي، مما ينذر بعودة الإرهاب"، على حد قوله.

كما أشار  عبد الله إلى استقبال نائب رئيس مجلس الوزراء منصور بن زايد، للقائم بالأعمال الإيراني في الإمارات سيد محمد حسيني، في يوليو الماضي، واصفا هذا اللقاء إلى جانب زيارتي طحنون بن زايد للدوحة وأنقرة بـ"الزيارات المفاجئة والجريئة على المستوى الأمني والسياسي والاستثماري".

وبحسب عبد الله، فهذه الخطوات الإماراتية تهدف إلى "تمهيد الطريق للآخرين نحو تحقيق التوافق والتصالح في المنطقة التي تعاني أشد المعاناة من الصراعات والحروب". 

أما المحلل القطري فيربط بين الزيارتين الأخيرتين للشيح طحنون بن زايد، ويقول إنهما يمثلان "مقاربة سياسة، بحيث تصبح تركيا السنية العمق الاستراتيجي للوطن العربي في مواجهة إيران الشيعية التي يأمل منها الحوار لتفهم الخلافات معها، وحل الأزمات".

ويشدد الهيل على ضرورة "الابتعاد عن  طهران التي تمتلك فلسفة مذهبية خاصة بها، نظرا لتقاطع المصالح".

وتستضيف تركيا، مثل قطر، عددا من القيادات في جماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها كل من مصر والإمارات والسعودية إرهابية.

وعما إذا كانت زيارتي الإمارات إلى كل من الدوحة وأنقرة تشير إلى تغير أولويات سياسة أبوظبي فيما يتعلق بمحاربة الإسلام السياسي، يقول المحلل الإماراتي: "العكس هو الصحيح؛ فقطر بدأت في إعادة النظر في تمويلها السياسي والإعلامي للتيار الإخواني في المنطقة".

وأضاف "كما أن تركيا بدأت بتحجيم دور الإخوان المسلمين أما أبوظبي فهي متمسكة بمواقفها تجاه الإسلام السياسي".

وفي هذا السياق يقول المحلل السياسي التركي، يوسف كاتب أوغلو لموقع "الحرة": "رغم التقارب الحاصل، لم تتخل الإمارات عن أيديولوجيتها، فهي لا تزال ضد الإسلام السياسي. ومع ذلك تريد الآن التعاون في نقاط مشتركة، وترك الخلافات جانبا. السياسة لا تحتمل الفراغ". 

وفي المقابل يشدد الهيل على أن "الإمارات ستصحح فكرتها الخاطئة عن الإسلام السياسي"، متهما "أجندات أجنبية" بـ"التغرير بالإمارات في مرحلة معينة لإقناعها بأن قطر تعنى بالإسلام السياسي والإخوان".

وتابع الهيل: "قطر تعتقد أن ما يسمى بالإخوان المسلمين هم بشر تقطعت بهم السبل ولديهم عائلات وأطفال، ففتحت أبوابها لهم من جانب إنساني وليس إيدولوجي".

ووفقا للهيل، فإن "قطر تريد من الإمارات التعاون الأمني والعسكري لتكريس ديمومة واستمرارية الأمن والاستقرار في مياه الخليج العربي".

ومن ناحية أخرى، يجزم الهيل أن "قطر تسعى لزيارة الإستثمارات في الإمارات، تماما كما تريد الأخيرة وتحتاج لتحريك الاستثمار القطري، وإعادة جذب السائح القطري الذي يعتبر من بين الأفضل لامتلاكه العملة الصعبة، وهو ما يحتاجه السوق الإماراتي".

وفي مقابلة، قال إردوغان إنه ناقش مع المسؤول الإماراتي  الاستثمار في تركيا، لافتا إلى أن بلاده والإمارات كانتا على تواصل في الأشهر الماضية وتمكنتا من إحراز بعض التقدم.

وفي الأيام الماضية تحدثت وسائل إعلام مقربة من الحكومة التركية عن المسار الجديد بين أنقرة وأبوظبي، لكنها لم تستعرض ملامحه بكامل تفاصيلها.

يقول كاتب أوغلو: "هناك مصلحة متبادلة في التقارب الحاصل بين أبو ظبي وأنقرة، فمن جهة تريد تركيا رؤوس أموال واستثمارات اقتصادية، أما الإمارات بوجهة نظر المحلل التركي "تحتاج لقوّة عسكرية وزخم سياسي وعسكري".

وفي سياق متصل، يرى الباحث السياسي بالشأن التركي، محمود علوش، أن المسار الجديد بين أنقرة وأبوظبي يتركز على الجانب الاقتصادي "كبوابة لإحداث خرق على المستوى السياسي".

ويقول علوش لموقع "الحرة": "انفتاح الطرفين على تعزيز الشراكة الاقتصادية مؤشر على وجود إرادة سياسية قوية لفتح صفحة جديدة".

"الإماراتيون وعدوا بضخ استثمارات ضخمة في تركيا خلال الفترة المقبلة وإذا تُرجمت هذه الوعود على الأرض، فإن ذلك سيُسرع في عقد قمة بين إردوغان والشيخ محمد بن زايد لتدشين عهد جديد".

ويضيف الباحث التركي، قائلا: "لكن سيكون من السابق لأوانه الاعتقاد بأن المرحلة الجديدة ستزيل بالكامل رواسب المرحلة الماضية، وربما نشهد تنازلات تركية إماراتية في بعض القضايا المتداخلة بينهما لأجل إنجاح المصالحة".

ويصف مدير مركز "أورسام لدراسات الشرق الأوسط"، أحمد أويصال، لموقع "الحرة"، زيارة الشيخ طحنون بن زايد إلى تركيا بـ"المهمة على مستويي التوقيت وللتطورات في العالم والمنطقة". 

ويتحدث أويصال عن "تعديل للسياسات الخارجية للإمارات، من بينها التوجه إلى التهدئة مع تركيا"، مشيرا في هذا السياق إلى أن الإمارات أكبر مستثمر في تركيا بين الدول الخليجية.

ومنذ مطلع العام الحالي بدا واضحا أيضا التعديل الذي طرأ على السياسة الخارجية لأنقرة.

وانسحب ذلك التغير على عدة ملفات، من بينها ملف شرق المتوسط وطبيعة علاقاتها مع الدول التي كانت تصنف ضمن "المحور المضاد" لها، كمصر مثلا ومن ثم السعودية وحاليا الإمارات.

ويعود تأزم العلاقات التركية- الإماراتية بشكل كبير، إلى عام 2016، وحينها اتهمت أنقرة أبوظبي بالوقوف وراء محاولة الانقلاب، الأمر الذي نفته الإمارات بشدة. 

وتصاعد الخلاف بين البلدين لأسباب جيواستراتيجية، وما رافق ذلك من تعارض بالأهداف في ملفات الشرق الأوسط وخاصة ملفي سوريا وليبيا، وصولا إلى شهر مايو العام الماضي لتصدر أبوظبي بيانا أدانت فيه دور أنقرة في طرابلس الليبية، وتحركاتها في منطقة الشرق الأوسط.

وتتهم الإمارات تركيا بدعم "الإخوان المسلمين" والجماعات المتشددة في إطار سعيها لفرض نفوذها في دول المنطقة، وهو ما تنفيه أيضا أنقرة بشدة.

ورغم الأزمات السياسية المتلاحقة التي عصفت بين البلدين (تركيا، الإمارات)، فإن العلاقات الاقتصادية بينهما بقيت قائمة على أوجها، ولم تتأثر.

وعلى مدى السنوات الماضية حافظت الإمارات على مكانتها كأكبر شريك تجاري لتركيا في الخليج، وهو ما تظهره البيانات التي تصدرها أنقرة بين الفترة والأخرى، حيث تشير إلى زيادة قياسية بنسبة 36 في المئة في حجم التجارة بين البلدين بين عامي 2016 و2017.

وبينما بلغ حجم التجارة بين البلدين حوالي 8 مليارات دولار في عام 2008، انخفض هذا الرقم تدريجيا حتى عام 2012 وظل عند متوسط 3 مليارات دولار.

وحقق حجم التجارة الذي كان دائما في اتجاه هبوطي من 2013 إلى 2016 قفزة كبيرة في عام 2017 ووصل إلى ما يقرب من 15 مليار دولار. في السنوات التالية انخفض الحجم مرة أخرى إلى 7 مليارات دولار.

من جهة أخرى، تحتفظ الإمارات بمكانتها بين أفضل 20 دولة تصدر إليها تركيا أكثر من غيرها.

وبحسب بيانات جمعية المصدرين الأتراك (TIM) احتلت أبوظبي المرتبة 18 بين أفضل 20 دولة في الصادرات لعام 2020، حيث تم تصدير ما مجموعه 229 مليون دولار في يوليو 2020 من تركيا إلى الإمارات.

وبينما توقع  كاتب أوغلو، المحلل المقرب من الحكومة التركية، أن تنضم السعودية إلى هذا التقارب في المرحلة المقبلة، تحدث الباحث محمود علوش عن "ديناميكية جديدة" ظهرت في المنطقة بفعل متغيرات عديدة فرضت نفسها على الأولويات الداخلية والخارجية لدول الإقليم المؤثرة، ومنها تركيا والإمارات. 

ويوضح الباحث التركي أن أنقرة تحاول إصلاح علاقاتها بدول رئيسة مثل مصر والسعودية والإمارات لأهداف منها إضعاف محاولة عزلها في صراع شرق المتوسط، وتخفيف الضغوط المتزايدة على اقتصادها. 

وبدأ المسار المذكور مع مصر، والآن الإمارات وربما السعودية لاحقا، ويتابع: "هناك عوامل عدة ساهمت في نضوجه، كتراجع حدة الاستقطاب الإقليمي بعد المصالحة الخليجية ووقف إطلاق النار في ليبيا".
 
ولا يمكن عزل مسار "المصالحة التركية الإماراتية" عن مسار المصالحة التركية مع مصر والسعودية.

ويشير علوش إلى أنه وبعد انطلاق المحادثات المصرية التركية "شهدنا تقدّما بطيئا على هذا المسار، وأحد الأسباب الرئيسية يكمن في اشتراط القاهرة دخول تركيا في محادثات لإصلاح العلاقات مع السعودية والإمارات".

واعتبر أن "المسارات الثلاثة مرتبطة ببعضها البعض، وأي تقدم في أحدها ينعكس إيجابا على الآخر"، مضيفا أن "من شأن المحادثات التركية مع أبو ظبي والرياض، أن تُعطي دفعة جديدة للمحادثات مع مصر".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!