جو حمورة - المدن

"جيوش إلكترونية" أنشأتها الأحزاب التركية، للتأثير في الناخبين. هي الظاهرة التي تشهدها تركيا للمرة الأولى.. ومع عمل المكاتب الرقمية الحثيث لزيادة تأثير الدعاية الحزبية في الأتراك، تنتقل المعركة الإعلامية رويداً رويداً من الصحف ووسائل الإعلام التقليدية إلى تلك الحديثة، كما ينتقل معها التوتر السياسي والانتخابي من الشارع إلى الشاشات الصغيرة.

لم تكن زيارة تيدي غوف إلى إسطنبول في مارس/آذار الماضي، عادية. فمن يُدين له الرئيس الأميركي باراك أوباما بالفوز بولايتين رئاسيتين (إذ تولّى غوف مسؤولية حملاته الدعائية عبر وسائل التواصل الاجتماعي في 2008 و2012)، أسدى نصائحه للأحزاب السياسية التركية.

"خلال أي انتخابات لن تستطيعوا نيل أصوات خصومكم.. رسائل الأحزاب السياسية عبر وسائل التواصل الاجتماعي يجب أن تكون كثيفة، واقعية وشخصية.. الإعلام البديل مهم لكنه غير كافٍ"، كانت أبرز نصائح "غوف". ولم تتوانَ الاحزاب التركية عن تطبيقها، وهي المقبِلة على انتخابات برلمانية جدّ مهمة في السابع من حزيران/ يونيو المقبل.

منذ بدأ حملته الانتخابية، عمد حزب "العدالة والتنمية" الحاكم إلى الاهتمام برواد قنوات التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من انتقاد الحزب الدائم لـ"استغلال أعداء تركيا" هذه القنوات "للنيل منه"، إلا أن كل صوت انتخابي لم يَحسم أمره بعد، له أهميته خلال الانتخابات المقبلة. لذلك، أنشأ الحزب ما أسماه "المكاتب الرقمية لتركيا الجديدة"، والتي ضمّت المئات من الموظفين والمتطوعين لبث دعاية الحزب عبر "تويتر" و"فايسبوك" و"انستغرام"، ولتعمل بشكل موحّد وصائب كأنها جيش "العدالة والتنمية" الإلكتروني الخاص.

وخلال افتتاحه للمكتب الرقمي الأول في إسطنبول في أيار/مايو، اعتبر المتحدث باسم الحزب الحاكم بشير ألاتاي، أنها المرّة الأولى التي يتم فيها افتتاح هذا النوع من المكاتب في تركيا، مؤكداً على أهميته واستمرار عمله بعد الانتخابات. في حين أكد مدير المكتب، غوخان يوتشل، أن مهمته تقوم على "خلق محتوى دعائي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومتابعة حملات الأحزاب الأخرى وإبلاغ فروع الحزب بكل التطورات".

اللافت هو نوعية الموظفين والمتطوعين في هذا المكتب، إذ اختيروا من حمَلة شهادات العلوم الاجتماعية والسياسية والتسويق، ما يؤكد أهمية هذا العمل، وضرورة أن يكون منظماً وعلمياً ودقيقاً.

ولم يكتفِ الحزب الحاكم بإنشاء مكتب مركزي واحد لخوض معركته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بل قام بتوسيع نشاطاته واستحدث مكاتب أخرى موزعة على المدن التركية الكبرى. فبات لجيش "العدالة والتنمية" الالكتروني "ثكناته"، والتي تهدف للتأثير في أكبر عدد ممكن من الأتراك، خصوصاً أن عددهم ضخم في الفضاء الإلكتروني. وقد بلغ، في العام 2014، 36 مليون مستخدم في "فايسبوك" و11 مليوناً في "تويتر".

وفي المقلب الآخر، جيوش صغيرة أخرى تخوض المعركة. أحزاب المعارضة التركية قلّدت الحزب الحاكم، ودخلت متأخرة إلى الميدان الافتراضي. حزب "الشعب الجمهوري" المعارِض أنشأ مكتباً يهتم بالدعاية الإلكترونية في أنقرة، وآخر في إسطنبول، إلا أن ظروفه المالية متوسطة الحال، لا تسمح له برفدها بخبراء في مجالات التسويق والعلوم الاجتماعية. فيما يركز بحملاته الإلكترونية على التخفيف من الأضرار الناتجة عن تصريحات بعض مسؤوليه، كما تفسير برنامجه الانتخابي وتحسين نظرة الأتراك إليه، على حد قول مسؤوله الإعلامي في اسطنبول تولين تشاندمير.

أما حزب "الشعوب الديموقراطي"، فيعتمد على جيش من المتطوعين فقط لبث دعايته الالكترونية، خصوصاً أن الحزب جديد نسبياً في الحياة السياسية في تركيا، علماً أن القوانين التركية لا تسمح بتمويل حملات الأحزاب غير الممثلة في البرلمان أصلاً.

تطارد الأحزاب الناخبين وأصواتهم أينما حلّوا، فيما الدعاية الأنيقة، الكثيفة والمتخصصة في وسائل التواصل الإجتماعي باتت متلازمة للديموقراطية الحديثة. هي "الديموقراطية الالكترونية" على الطريقة الغربية، وتشبه نظيرتها التقليدية، حيث يعبّر الجميع عن رأيه بحرية، ويفوز، في النهاية، من يؤثر بدعايته في الناس بشكل أكبر، وغالباً ما يكون الفائز مالك الموارد المادية الأضخم بين المتنافسين.

عن الكاتب

جو حمّورة

باحث في الشؤون التركية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس