ياسر التركي – خاص ترك برس

مع بدء جائحة كورونا مطلع عام ٢٠٢٠، وتأثيراته على الاقتصاد الأمريكي والعالمي، أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية أكبر برامج التحفيز الاقتصادي في تاريخها لمواجهة تداعيات الجائحة بإجمالي ٥ ترليونات دولار.

وتسببت برامج التحفيز الاقتصادي التي زادت من حجم السيولة في البلاد بارتفاع التضخم السنوي لأعلى مستوى منذ 40 عاما ببلوغه 7.2 بالمئة على أساس سنوي في يناير/ كانون الثاني 2022.

ونتيجة للتضخم المرتفع، أعلن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي)، في اجتماعه بتاريخ ٢٦ يناير/ كانون الثاني الماضي، أنه قد يبدأ بعكس أسعار الفائدة الرئيسية بالرفع في موعد أقرب مما كان متوقعا سابقا، في مسعى لاحتواء التضخم.

ومنذ مارس/آذار 2020، يحافظ المركزي الأمريكي على سعر فائدة متدن ضمن نطاق صفر-0.25 بالمئة، ضمن أدوات أخرى لمساعدة أكبر اقتصاد في العالم على التعافي من تداعيات جائحة كورونا.

- تأثير رفع الفائدة الأمريكية على الاقتصاد التركي

يعتزم مجلس الاحتياطي الفيدرالي خلال الفترات المقبلة تشديد السياسة النقدية، إذ دعم معظم أعضاء المجلس رفع أسعار الفائدة ثلاث أو أربع مرات في عام 2022 بدءًا من شهر مارس/آذار المقبل.

ومع رفع الفائدة سيكون هناك انخفاض في حجم الدولار المطروح في الأسواق الأمريكية والعالمية، وبالتالي ارتفاع مؤشر الدولار أمام العملات الرئيسية وكذلك عوائد السندات الأمريكية.

وبالنسبة إلى تأثير رفع الفائدة الأمريكية على تركيا سنشهد ارتفاعا للدولار مقابل الليرة التركية كما حدث في العام ٢٠١٣ مع بدء الولايات المتحدة سياسة التشديد النقدي عقب الأزمة المالية عام ٢٠٠٨.

حيث أظهرت عائدات السندات الأمريكية طويلة الأجل خلال صيف 2013، ارتفاعا سريعاً وتعزز الدولار مقابل العملات الأخرى وخاصة عملات الأسواق الناشئة، وتأثرت الأصول التركية وتراجعت الليرة مقابل الدولار من 1,80 إلى 2,33 للدولار الواحد.

كما يتسبب رفع الفائدة في الولايات المتحدة بضغوط على البنوك المركزية العالمية وخاصة الناشئة، وبالتالي ينبغي على المركزي التركي رفع الفائدة (١٤ بالمئة حاليا) لجذب رؤوس الأموال الأجنبية والحفاظ مستوى معين من سعر صرف الليرة.

كما أن الفائدة الأمريكية ستتسبب في زيادة عبء الديون التركية المقومة بالدولار الأمريكي، بالإضافة إلى تأثيره على فاتورة الواردات ليدخل الاقتصاد التركي مجددا في تقلبات سعر صرف العملة الوطنية وارتفاع التضخم.

وحذرت وكالة التصنيف الائتماني "موديز" الإثنين الماضي، من أن رفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة قد يضر بالبنوك في البلدان النامية، بما في ذلك البنوك التركية.

وقالت الوكالة في تقريرها، إن أسعار الفائدة الأمريكية ستؤدي على الأرجح إلى إبطاء تدفق الأموال إلى الأسواق الناشئة، مما يضعف عملاتها ونموها الاقتصادي، وربما يتسبب في مخاطر الائتمان في البنوك ذات الدولرة المرتفعة والضغط على ربحيتها وسيولتها.

وذكرت الوكالة أن دولا مثل تركيا وأذربيجان وبيلاروسيا تتمتع بأعلى معدل دولرة في أوروبا، وذلك يشكل تهديدًا للاستقرار المالي إذا لم يكن لدى البنوك المركزية احتياطيات كافية لتغطية الخسائر الدولارية للبنوك.

وشهدت العديد من دول العالم منذ مطلع العام الجاري تشديدا في سياساتها النقدية ورفع أسعار الفائدة استعدادا لمواجهة تداعيات رفع الفائدة في الولايات المتحدة والتقليل من آثارها.

وكان آخرها، الجمعة 11 فبراير/ شابط الجاري، حيث قرر البنك المركزي الروسي، في أول اجتماع لمجلس إدارته في العام الجاري، رفع سعر الفائدة الرئيسي 100 نقطة أساس إلى 9.5 بالمئة، وهو أعلى مستوى منذ نحو 5 أعوام، وألمح المركزي إلى احتمال رفع الفائدة مجددا في الاجتماعات القادمة.

وسبقتها المكسيك الخميس، برفع معدل الفائدة نصف في المئة إلى 6 بالمئة لمواجهة التضخم المتزايد عند أعلى مستوى في عقدين حيث بلغ التضخم الأساسي 6,21 بالمئة في يناير/ كانون الثاني الماضي.

كما رفع بنك إنجلترا المركزي، الخميس، أسعار الفائدة إلى 0.5 بالمائة، حيث كان نحو نصف أعضاء لجنة السياسة النقدية بالبنك يريدون زيادة أكبر لاحتواء ضغوط الأسعار، في الوقت الذي حذر فيه البنك من أن التضخم سيتجاوز قريباً مستوى سبعة بالمئة.

فهل تسير تركيا حذو تلك الدول وغيرها في إعادة رفع أسعار الفائدة وتشديد سياستها النقدية لمواجهة التضخم الصاعد بعد دورة تيسير نقدي انتهجته خلال الفترة القريبة الماضية؟

عن الكاتب

ياسر التركي

مهتم بالشؤون الاقتصادية والتاريخ التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس