محمود عثمان – خاص ترك برس

بينما يسعى رجال الأعمال في جميع أنحاء العالم إلى تنمية موارهم وزيادة ثرواتهم والبحث عن فرص استثمار أفضل، يخوض رجل الأعمال السوري معركة وجود بكل ما تعنيه الكلمة .. يكون أو لا يكون، هل يمضي في معركة الوقوف على الرجلين والنهوض أم يهيم على وجهه مهاجرا طلبا للأمن والأمان وسلامة النفس والأهل ؟!.

لقد اختارت الكثرة الكاثرة من التجار والصناعيين السوريين الخيار الأصعب، فثبتوا في مواقعهم على أرض الوطن رغم الصعوبات الهائلة والعقبات الكثيرة، إلى أن اقتحمت عليهم نيران الحرب أبواب مصانعهم ومتاجرهم، وعملت أيادي الفتنة  الأثيمة على خطف بعضهم ابتغاء الفدية وابتزاز أموالهم، وسرقة ممتلكاتهم ناهيك عن التهديد اليومي بالقتل والتنكيل، فاضطرت الغالبية للهجرة إلى بلاد الجوار أولا ثم إلى البلاد العربية الأبعد نسبيا مثل مصر والسودان غيرها، لتواجههم مصاعب وعراقيل إدارية وبيروقراطية مضاعفة، أولها البداية من الصفر واستكشاف السوق الجديدة، وليس آخرها اضطرار أحدهم لترك عمله للجري وراء إقامة عائلته وتسجيل أطفاله في المدارس.

من خلال زياراتي لكثير من رجال الأعمال السوريين في المهجر وفي تركيا خصوصا سمعت الكثير من الهموم والشكاوى، لكن عامل اللغة كان أكبر العوائق التي يواجهها رجال الأعمال السوريين، الأمر الذي اضطرهم في البداية إلى البحث عمن يجيد اللغة التركية من أهل البلد .. ولأن صاحب الحاجة أرعن –كما يقال- تضطره الحاجة لأن يتغاضى عن رؤية نواقص الطرف الآخر وعيوبه فلم يقم هؤلاء بالبحث والتمحيص الكافيين بالسؤال عن الشريك من أهل البلد لذلك وقعوا في مشاكل عويصة كلفت البعض جميع رأسماله وجهده ووقته ناهيك عن مرارة الخسارة وحرق الأعصاب .. ولا أدري هل التكتم والفردية والبعد عن الانضواء في جمعيات مدنية من مخلفات الحكم الدكتاتوري في سورية أم هي عادة عن الكثير من رجال الأعمال السوريين أم كلاهما معا ؟!. أيا كان الأمر فقد ذهب كل واحد إلى جهة تقليع شوكه بيده دون الحاجة إلى أخذ معونة أو طلب مشورة من أحد مما كلفهم ثمنا باهظا، فربما وقع في الحفرة نفسها أكثر من واحد دون أن يخبر بعضهم بعضا.

ثمة ملاحظة أخرى على طبيعة  الأعمال التي يمارسها السوريون في تركيا هي جنوحهم إلى الانزواء في التعامل وترجيح التجارة البينية عن الانخراط في سوق العمل التركية وجذب الزبائن من أهل البلد!. فترى السوريين قد شكلوا محيطهم (كنتونهم ) الخاص بهم إذ نادرا ما تجد زبائن أتراك في محلات السوريين !. حالة جديرة بالتأمل والدراسة ووضع الحلول، لأنها ليست حالة صحية .بل الطبيعي والمفيد هو التقارب والاندماج والاستفادة من الخبرات الأمر الذي قد يكون متعبا ومكلفا في البداية لكن نهايته وعواقبه ستعود على رجل الأعمال نفسه وعلى جميع السوريين بالخير العميم قريبا وعلى الصعيد الاستراتيجي.

وإذا كان البعد عن التجمعات والتنظيمات مبررا أو حالة اضطرارية في البلدان العربية فهي حالة شاذة في تركيا حيث لا تكاد رجل أعمال غير منتسب إلى جمعية أو منظمة مجتمع مدني، وحيث تعد الأوقاف والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني بعشرات الألوف .. وإذا كانت الهموم تقل وتزول بتقاسمها كما يقول المثل التركي فإن المشاكل يسهل حلها بالتعاون وتضافر الجهود .. ولست هنا بصدد شرح البديهيات أوالتدليل على أن الاتحاد قوة والفرقة ضعف، أو إثبات المنافع والخير الناجم عن تجميع القوى وتكاتف الجهود، حيث لا عذر في تركيا لمعتذر فتأسيس جمعية لا يستغرق سوى ساعة من الوقت أو أقل ..

ومن الجدير ذكره هنا أن عقلية الأتراك ونمط تفكيرهم ترجح التعامل مع المنظمات والمؤسسات وليس الأشخاص مهما كبر حجمهم ووزنهم وثقلهم التجاري ..

إنني أدعو جميع رجال الأعمال السوريين  إلى الخروج من الحالة السلبية بكسر جدار الخوف والاتجاه إلى التعارف والتشاور والتجمع والتقدم خطوة نحو الأمام ، والمبادرة باتجاه تشكيل جمعيات رجال أعمال أو منتديات أعمال أو ما شابها .. المهم أن ينخرطوا ضمن أجسام مؤسساتية تساعدهم على حل مشاكلهم وتقودهم نحو المستقبل بخطى واثقة أمينة ..

فهل من مجيب , وهل من مستجيب ؟.

عن الكاتب

محمود عثمان

كاتب سياسي مختص بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس