إبراهيم آل حرم - عربي21

يتساءل الكثير من الأصدقاء حول الانتخابات التركية وحول قراءة الاتجاهات والأحداث في من سيحسم الانتخابات لصالحه، وهل ستتجه الانتخابات لجولة ثانية أم ستحسم من الجولة الأولى؟

هذه الأسئلة لا يمكن أن يجيب عليها أحد، حتى من يملك الإحصاءات والاستطلاعات الحقيقية والواقعية التي تمكنه من قياس الأمور بشكل أقرب للواقع فالجزم بنتيجتها يعد صعباً للغاية، فضلاً عن تلك الاستطلاعات التي تصدر في الاعلام والتي تخدم الأحزاب المصدرة لها. ولكن ما يمكن للمتابع قبل الانتخابات أن يقرأه هي المؤشرات العامة والتي تشير إلى أين تسير الأمور في دولة مثل تركيا؛ وصلت إلى أقصى مستويات الاستقطاب السياسي مع التنوع الديمغرافي والأيديولوجي المؤثر في هذا البلد.

ولكل طرف هناك نقاط قوة يمتلكها ونقاط ضعف قد تؤثر على فئات من الشعب، كما أن هناك قضايا مهمة يركز عليها كلا التحالفين قد تكون لها نتائج إيجابية تجذب إليهما فئات من الناخبين، ولعل أهم العوامل المؤثرة والتي يمكن المفاضلة بها بين تحالف الحكومة وتحالف المعارضة تكمن في عدة نقاط:

1- المرشحون للرئاسة: يملك تحالف الحكومة أردوغان، حيث إن وجود أردوغان يعد أهم نقاط القوة التي تدفع هذا التحالف للأمام. ومن أهم سمات أردوغان هي التخطيط الجيد والتخطيط الاستراتيجي، مع اعتماده على الخطط البديلة في إدارة الأزمات، والتي جعلته يتجاوز الكثير من العقبات التي واجهها في طوال سنوات حكمه، بالإضافة إلى شعور المواطن التركي بأنه رئيس عملي منجز يمتلك حسا وطنيا ويسعى لخدمة شعبه قدر استطاعته. وشعور الناخب بأن السياسي الذي ينتخبه يبذل أقصى جهده في خدمة البلد يكفي لفئات كثيرة من الشعب ولو كان هناك قصور في بعض الجوانب الاقتصادية والخدماتية والحياتية.

أما مرشح المعارضة هو كليتشدار أوغلو الذي لا يحصل على إجماع في حزبه فضلاً عن أن يحصل على تصويت أكثر من 50 في المئة من الشعب، ولعل أغلب من يرشح كليتشدار أوغلو لا يرشحه حباً فيه وإنما نكايةً في أردوغان في سبيل إسقاطه.

2- الحملة الانتخابية في تحالف الحكومة قائمة على الإنجازات الاقتصادية والصناعية والخدماتية والبنية التحتية، وهي حملة يظهر للمراقب أنها مرتبة على هذا الأساس بحيث تعطي الناخب أفعالا وإنجازات على الأرض بدل الوعود التي تعطيها المعارضة، وهذه النقطة أعطت تحالف الحكومة نقاط قوة في وجه المعارضة التي اكتفت بالوعود.

وقد يقول قائل إن المعارضة ليست في السلطة فكيف يمكن لها أن تقدم إنجازات على الأرض؟ في الحقيقة أن المعارضة تمتلك أكبر البلديات في تركيا وفي المدن التي تضم أعلى نسب من المصوتين (إسطنبول، أنقرة، أزمير)، وكان يمكنها أن تقدم الكثير من الإنجازات لو أرادت ولكن هذا ما لم يتم. والإنجازات على مستوى البلديات مؤثرة جداً كونها تمس حياة الأفراد بشكل مباشر، وهو الطريق التي سلكه أردوغان حين تولى رئاسة بلدية إسطنبول وحقق من خلالها إنجازات كبيرة أهّلته لقيادة تركيا.

3- الوضع الاقتصادي وانعكاسه على حياة المواطن التركي: وفي هذا الموضوع تنقسم آراء الناخبين لثلاثة آراء؛ الرأي الأول يقارن وضع تركيا قبل 20 سنة والتغييرات الجذرية والإنجازات الكبيرة التي أحدثها حزب العدالة في هذه الفترة، ومقارنة الخدمات والبنية التحتية في السابق بالوضع الحالي والتي تطورت بمراحل عديدة، وهذا الفئة في أغلبها هي الفئات التي عاشت التجربة الاقتصادية الصعبة قبل قدوم حزب العدالة والتنمية للسلطة.

أما الرأي الثاني وهو الذي يرى التضخم والوضع الاقتصادي الحالي على أنها فترة سيئة يعيشها المواطن التركي، وأغلب هذه الفئة هي من الشباب الذين لم يشهدوا ما قبل فترة حزب العدالة والتنمية، وهم الذين تعوّل عليهم المعارضة في هذه الانتخابات، وتعيش فئة كبيرة منهم حالة من التشويش بين ما يسمعون من الماضي وبين ما يرون في الحاضر وبين الوعود الانتخابية.

أما الرأي الثالث: فهو رأي بعض مؤيدي حزب العدالة السابقين والذين يرون أن حزب العدالة أنجز إنجازات جيدة في الاقتصاد ولكنه في السنوات الخمس الأخيرة تراجع، لذلك فإن فئة منهم ترغب في التغيير. وبين هذه الآراء وغيرها ستنقسم آراء الناخبين الأتراك.

وتبقى مسألة مهمة تركز عليها المعارضة وهي مستقبل الاقتصاد والعملة، وتدعمها بذلك تقارير بعض المؤسسات الغربية سواء بشكل متعمد أو بشكل عفوي، والتي تشير إلى احتمالية خروج رؤوس الأموال الأجنبية في حال فوز أردوغان، وهبوط العملة إلى مستويات قياسية. وهي ادعاءات غير مبنية على أساس علمي سليم، وفي الأغلب تهدف إلى التأثير على الناخب التركي في صناعة صورة سوداوية في حال تم انتخاب أردوغان وحزب العدالة مرة أخرى.

4- الأيديولوجيا: وهي مؤثرة جداً في الانتخابات التركية كون الشعب المسلم يريد من يحترم دينه ومعتقداته، وهو ما بادرت المعارضة في حملتها الانتخابية بالتبشير به من خلال إرسال رسائل تطمئن المحجبات والمتدينين بأن حقوقهم محفوظة خصوصاً حق الحجاب، وهو ما جذب فئات معينة خصوصا من الشباب الذين لم يعانوا من محاربة الأحزاب اليسارية للحجاب. ولكن هناك خطابا متطرفا من بعض المحسوبين على المعارضة يشيطن مدارس الأئمة والخطباء ويسفه المؤيدين للحزب الحاكم بعبارات "التخلف والرجعية والأمية"، ولمثل هذا الخطاب ستكون ردة فعل في صناديق الاقتراع.

ولعل ما يشكل القواعد الأساسية للأحزاب في تركيا هي الأيديولوجيا، حيث إن حزب الشعب الجمهوري تتشكل قاعدته الأساسية من العلمانيين المؤدلجين، في حين أن الأحزاب القومية كحزب الشعوب الكردي والحزب القومي والحزب الجيد يشكل المؤدلجون بالقومية الأساس الذي تقوم عليه أحزابهم، والأحزاب الإسلامية كذلك تتشكل قواعدها الأساسية من الإسلاميين، في حين أن حزب العدالة والتنمية رغم إسلاميته فإنه استطاع أن يجمع مختلف الأيديولوجيات في حزب واحد، وحتى أولئك الذين لا يحملون أي أيديولوجيا معينة، وهذا أحد أهم أسباب نجاحه، حيث صنع أيديولوجيا مشتركة تجمع كافة المواطنين باختلافهم وتنوعهم نحو هدف محدد وواضح يتمثل في نهضة واستقلال تركيا الحديثة.

5- التجمعات الانتخابية: وإن كانت هذه التجمعات لا تعكس بشكل دقيق النسب التي سيحصل عليها كل مرشح في الانتخابات، ولكن لهذه التجمعات تأثيراتها النفسية البالغة على نفوس الناخبين خصوصا منهم المترددين، فكلما كان لأحد المرشحين تجمعات كبيرة خصوصا في المناطق التي يغلب عليها جمهور الخصم كلما كان الأثر أكبر على الناخبين.

6- الأخطاء ولغة الخطاب، والتي تقل عند تحالف الحكومة وتزيد بشكل واضح عند المعارضة: أخطاء المعارضة وضعفها وتشتتها رغم التحالف، يعمق من أزمة التحالف ولا يضمن مدى استمراريته بعد الانتخابات. وظهرت هذه الخلافات في مواضع عديدة وبدايتها كان الاختلاف على اختيار المرشح لرئاسة الجمهورية، مروراً بالتصريحات غير المحسوبة والتي تصدر من مسؤولين في الأحزاب السبعة. ولعل أهم الأخطاء التي ارتكبتها المعارضة في خطاباتها هي:

أولاً: الاتفاق غير المعلن مع حزب الشعوب الديمقراطي الذي تثار حوله شبهات دعمه لتنظيم "بي كاكا" المسلح، وهو أمر لا يقبله معظم الشعب التركي، ويستغله أردوغان دائماً في خطاباته قبل الانتخابات، وهو ما سيؤثر على فئة من الناخبين الأتراك بكل تأكيد.

وثانياً: الخطأ الذي صدر من المرشح لتحالف المعارضة بقوله إنه سيقترض 300 مليار دولار من بريطانيا، وهو ما استغله أردوغان في خطاباته وبتذكير المعارضة دائماً بأنه أخرج تركيا من الديون ولن يعود بها إلى التبعية للخارج عبر الديون. ومسألة التبعية من المسائل المهمة والمؤثرة في رأي فئات عديدة من الناخبين الأتراك، وما يعزز مسألة عودة التبعية مع قدوم المعارضة بنظر الناخب التركي هو وجود دعم خارجي في الصحافة الغربية للمعارضة ومن قبل السياسيين الأوربيين، وهو ما يعتبره بعض المعارضين يصب في صالح تحالف الحكومة وأردوغان.

وثالثاً: التركيز على الحديث بمحاكمة أردوغان وأعضاء فريقه كوزير الداخلية وجهاز المخابرات الذين يملكون شعبية جيدة في وسط الشعب التركي، والهجوم على شركة بايكار لصناعة المسيرات، وهو ما يوحي بأن المعارضة قادمة للانتقام وليس لخدمة الشعب؛ ولو على حساب المشروعات والإنجازات النوعية التي حققتها تركيا في الفترة الماضية، في حين أن خطاب تحالف الجمهور يركز على الخدمات والإنجازات.

رابعا: تضارب المواقف والتصريحات بين أعضاء الطاولة الستة في قضايا عديدة يتابعها ويراقبها الناخب بشكل جيد، خصوصا مع تجربة تركيا الفاشلة مع الحكومات الائتلافية، في حين أن الطرف المقابل هو طرف موحد ومتماسك.

خامساً: هجوم المعارضة وجمهورها على الإنجازات التي تعد مصدر فخر لفئة كبيرة من الشعب والتقليل من شأنها، مثل صناعة السيارة وصناعة الطائرات واستخراج النفط والغاز الطبيعي وبناء المستشفيات، وهو ما استغله أردوغان بشكل جيد في توجيه الموارد والإنجازات لخدمة المواطن التركي وتوجيه الرأي العام للافتخار بهذه المنجزات. ولعل المرشح الرئاسي محرم إنجه كان أكثر حكمة في التعامل مع هذه المنجزات، والتي كرر على أنه يدعمها وأنه في حال وصوله للسلطة سينمّيها.

سادساً: التردد وعدم تبني خطاب واضح وصريح وهو ما ظهر قبل الإعلان عن موعد الانتخابات حين حدث الزلزال في السادس من شباط/ فبراير، حيث اتهم كليتشدار أوغلو أردوغان بالخوف وأنه يسعى لتأجيل الانتخابات مستغلاً الزلزال، وهو ما أثبت أردوغان عكسه وقطع الطريق على هذا الخطاب المشكك، بإعلان الانتخابات في وقتها. ثم انتقل خطاب المعارضة إلى التفاؤل المبالغ به والحديث عن نسب عالية سيحصل عليها مرشحهم في الانتخابات، ثم انتقل خطابهم في النهاية إلى التشكيك في اللجنة العليا للانتخابات، مع ظهور تصريحات أربكت صفوف المعارضة توحي بوجود مفاجأة وفضيحة من العيار الثقيل قد تفكك الطاولة في آخر الأيام قبل الانتخابات.

سابعاً: الخطاب الطائفي الذي تحدث به كليتشدار أوغلو حين صرح بأنه علوي مسلم، وهو الخطاب الذي استثمره أردوغان بشكل مؤثر حين أكد على خطورة هذا الخطاب الذي سيؤدي إلى تفكيك المجتمع التركي الذي لا يعامل الناس على أساس مذاهبهم.

وبناء على ما سبق، فإن القارئ يمكنه أن يرجح إلى أي الطرفين سوف تميل كفة الانتخابات استناداً إلى العوامل السابقة، ولكن معرفة مدى تأثير كل ما سبق على الناخب التركي سيتضح في الانتخابات بعد أيام معدودة، وإن كان لكل فئة من فئات المجتمع محرك أساسي من ضمن هذه العوامل يدفعها لانتخاب طرف دون الآخر.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس