إسماعيل ياشا - عربي21

أعلن رئيس الجمهورية التركي، رجب طيب أردوغان، مساء السبت، تشكيلة الحكومة التركية الجديدة، بعد أن أدى اليمين الدستورية أمام البرلمان. وأثار تشكل الحكومة الجديدة من أسماء قوية ارتياحا كبيرا ليس فقط في الأوساط المؤيدة لأردوغان، بل وحتى في صفوف المعارضة.

تعيين محمد شيمشك وزيرا للخزانة والمالية لم يكن مفاجئا للرأي العام، لأن أردوغان اجتمع معه أكثر من مرة قبل الانتخابات، وقال إنه سيسهم في خدمة بلاده، وكان الحديث يدور حول احتمال تسلم شيمشك ملف الاقتصاد. ويشير هذا التعيين الذي رحب به الجميع، إلى أن رئيس الجمهورية التركي سيولي أهمية كبيرة لحل المشاكل الاقتصادية ومكافحة التضخم في فترة رئاسته الجديدة، كما يدل على رغبته في توظيف تجربة شيمشك وشهرته العالمية لطمأنة الأسواق والمستثمرين.

أردوغان عين رئيس جهاز الاستخبارات التركية، هاكان فيدان، وزيرا للخارجية. وهو أيضا كان متوقعا ولم يفاجئ الرأي العام التركي ولا المتابعين للشؤون التركية، بل يتفق كثير من المحللين على أن فيدان هو الاختيار الأفضل لحقيبة الخارجية، نظرا لإلمامه بملفات هذه الوزارة. ويتوقع أن لا يجد فيدان صعوبة في التأقلم مع منصبه الجديد.

الحكومة الجديدة ستسعى إلى تحقيق أهداف "قرن تركيا" التي حددها أردوغان قبل الانتخابات، وهناك تفاؤل كبير لدى كثير من المؤيدين لأردوغان بنجاح هذه الحكومة في ملفات الخارجية والاقتصاد والأمن ومكافحة الإرهاب، ولكن المؤكد أن أمامها تحديات جسيمة أخطرها ما يمكن أن تواجهه في الداخل.

رئيس الجمهورية التركي حقق انتصارا ديمقراطيا لا غبار عليه في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية، كما أن تحالف الجمهور المؤيد للحكومة حصل على الأغلبية في البرلمان. إلا أن حصول منافسه، كمال كليتشدار أوغلو، على ما يقارب 48 في المائة من أصوات الناخبين يقرع أجراس الخطر، ويحذر حزب العدالة والتنمية الحاكم من أن المعارضة قد تفوز في الانتخابات القادمة.

التحدي الأكبر أمام الحكومة الجديدة برئاسة أردوغان هو بناء جبهة داخلية قوية لمواجهة تحديات الخارج، كما أن أهداف "قرن تركيا" لا يمكن تحقيقها بجبهة داخلية هشة ومقسمة. وإضافة إلى ذلك، يجب أن يقوم أردوغان بإعداد خليفته في فترته الأخيرة حتى يواصل من يتولى بعده رئاسة الجمهورية، ذات المسيرة نحو تحقيق تلك الأهداف. ومن المؤكد أن هذه المهمة لن تكون سهلة في ظل الاستقطاب الذي دفع حوالي 48 في المائة من الناخبين إلى التصويت لرئيس حزب الشعب الجمهوري، رغم خلو سجله السياسي من أي نجاح، وتحالفه مع الانفصاليين، وما وعد به من إعادة تركيا إلى الوراء وجعل سياسات البلاد تابعة لمصالح الولايات المتحدة والدول الأوروبية. ويرى كثير من مؤيدي أردوغان أن عدم فوزه في الجولة الأولى بفارق كبير، رغم كل الخدمات والإنجازات التي قدمها إلى تركيا خلال عقدين، أمر مخيف ومقلق للغاية.

أردوغان نجح قبل الانتخابات في توسيع تحالفه الانتخابي، إلا أن هناك بوادر أزمة ظهرت في تحالف الجمهور بعد الانتخابات مباشرة، حيث كتب بعض قادة حزب الرفاه الجديد في مواقع التواصل الاجتماعي أن رئيس الحزب، فاتح أربكان، هو الذي سيكون رئيس الجمهورية بعد أردوغان، كما تم تسريب تسجيلات صوتية يقول فيها أربكان لقادة حزبه حين أخبرهم بقرار الانضمام إلى تحالف الجمهور، إنه لا يطلب منهم أن ينزلوا إلى الشوارع مع مرشحي حزب العدالة والتنمية للمشاركة في الحملات الانتخابية، مضيفا أن تحالفهم مع حزب العدالة والتنمية سينتهي مع إجراء الانتخابات، وأنهم لن يكونوا مضطرين لدعم كافة مشاريع القوانين التي سيقدمها تحالف الجمهور إلى البرلمان.

حزب الرفاه الجديد خاض الانتخابات البرلمانية بقوائمه، وفاز بخمسة مقاعد في البرلمان. وحصل الحزب على نسبة من أصوات المؤيدين لحزب السعادة كما حصل على أخرى من أصوات المؤيدين لحزب العدالة والتنمية. ويقدم الحزب نفسه بديلا لحزب العدالة والتنمية، ليكسب أصوات الناخبين الذين يرون جائحة كورونا مؤامرة، ويرفضون التطعيم الإجباري، وينزعجون من سياسة التمييز الإيجابي الذي يتبناه أردوغان لصالح المرأة. ومن المتوقع أن يسعى حزب الرفاه الجديد في الفترة القادمة إلى شق صفوف حزب العدالة والتنمية لرفع شعبيته، وهو أمر يراه أنصار أردوغان محاولة لإثارة الفتنة في صفوف تحالف الجمهور وطعن رئيس الجمهورية في ظهره.

نجاح الحكومة التركية الجديدة مرهون بمدى قدرتها على حل المشاكل الاقتصادية، واستمرار التحالف بين حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، وحفاظ تحالف الجمهور على تماسكه، في ظروف سياسية يتوقع أن تشهد تنافسا بين الحالمين برئاسة الجمهورية بعد أردوغان، علما بأن سنان أوغان الذي دعم أردوغان في الجولة الثانية، أعلن من الآن أنه سيترشح لرئاسة الجمهورية في الانتخابات القادمة.

عن الكاتب

إسماعيل ياشا

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس