جلال سلمي - خاص ترك برس

تقع حركة حماس تحت وطأة ضيق خيارات تحد قدرتها على التعبير عن رأيها بحرية، والسلطة الفلسطينية لا اعتراض لها ما دام الاتفاق يتم بعلمها وبالتنسيق معها، أما حركة الجهاد الإسلامي فلا باع لها في السياسة وعادةً ما تنأى بنفسها عن أي معترك سياسي على الصعيدين الداخلي والخارجي، أما اليسار الفلسطيني فبموقفه المعلن من التطبيع مع إسرائيل وبتحالفه المؤدلج مع اليسار التركي وبدعمه للتحرك الإيراني يرفض أي سياسة تنتهجها تركيا سواء أكانت إيجابية أم سلبية.

هكذا قيّم مركز رؤية للتنمية السياسية تفاعل القوى الفلسطينية مع الاتفاق التركي الإسرائيلي، وقد جاء تقييمه في دراسة مطولة نُشرت على موقعه الإلكتروني، بتاريخ 14 تموز/ يوليو 2016، تحت عنوان "التفاعل الفلسطيني مع الاتفاق التركي الإسرائيلي".

وبحسب ما يورده المركز في مقدمة الدراسة، فإن تفاعل القوى الفلسطينية مع الاتفاق التركي الإسرائيلي أمر حتمي، لا سيما في ظل حمله للعدد من البنود المتعلقة بالفلسطينيين بشكل مباشر.

واستنادًا إلى ما ذكره المركز، فإن ردود فعل القوى الفلسطينية على الاتفاق كانت على الشكل الآتي:

حركة حماس

بحسب رؤية المركز، تتمحور العوامل المساهمة في تشكيل ردود فعل حركة حماس على الاتفاقية في البنود التالية:

- القيد النفسي والإيديولوجي

تربط حركة حماس بالحزب الحاكم في تركيا، علاقات وطيدة، وترى حماس به المثال الأمثل للصديق الموثوق والنموذج السياسي الساعي لبناء العدالة على البعدين الداخلي والخارجي، وعلى صعيد متصل، تعلن حماس، دومًا، مساعيها لحشد كافة الطاقات الداخلية والخارجية باتجاه عزل إسرائيل إقليميًا ودوليًا.

هنا وعلى الرغم من مخالفة تركيا لمسعى حركة حماس، إلا أن القيدين الإيديولوجي "النهج الإسلامي لكل من حماس والحزب الحاكم في تركيا" والنفسي "كون تركيا الصديق الوحيد تقريبًا والأكبر في الوقت الحالي" حالا دون تمكنها من التصريح بمعارضتها للتطبيع التركي مع إسرائيل.

- ضيق الخيارات

هنا يرى المركز أن حماس اليوم تختلف عن حماس الأمس، فبالأمس كانت حركة مقاومة بحتة ولكنها الآن تمثل المقاومة والدفة الحاكمة في قطاع غزة، وكسلطة سياسية حاكمة فعليًا في قطاع غزة، يتطلب منها توفير الكثير للمواطنين الغزيين، وفي إطار التضييق السياسي الذي تمارسه قوى المنطقة، خاصة مصر، ضدها، فإنها مضطرةً لالتزام الصمت حيال التطبيع التركي الإسرائيلي، للإبقاء على الصديق الأوحد في المنطقة ولمحاولة الاستفادة من الاتفاق لصالح المواطنين الغزيين الذين ذاقوا ويلات الحصار منذ عام 2006 وحتى يومنا هذا.

- السلطة الفلسطينية

يُشدد المركز على أن تركيا أسست علاقات وثيقة مع حركة حماس، إلا أن كانت على إدراك ومراعاة تامة لاحتياجات قيادة السلطة الفلسطينية وحساسيتها تجاه أي دعم موجه لحركة حماس، وحرصت على التنسيق المتزن بين العلاقات الرابطة بينها وبين الطرفين كلا على حدا.

وعن العوامل التي ستحدد طبيعة تقييم السلطة الفلسطينية يذكر المركز:

ـ العلاقات الاقتصادية: منذ عام 2006 وتركيا تعمل على تثبيت قاعدة استثمارية قوية لها في الضفة الغربية وقطاع غزة، ورغم التعطيل المتكرر لمشروع المناطق الصناعية التركية "بيت حانون في قطاع غزة، وجنين في الضفة الغربية"، إلا أن تركيا عادت بزخم أكبر في العامين الماضيين لتطرح استثمارات بقيمة 400 مليون دولار في الضفة الغربية، شملت تلك المشاريع تتميم مشروع المنطقة الصناعية وتشييد مدينة جامعية ومشاريع سياحية وصناعية تنموية أخرى، ولا شك في أن الفائدة الاقتصادية التي حصلتها السلطة من المشاريع المذكورة، ستحثها على التفكير بالحصول على المزيد من المشاريع نتيجة اتفاق التطبيع، مما سيجعلها تفضل إبداء دعمها على اعتراضها.

ـ عدم تجاوز السلطة: لم يطرأ أي تجاوز تركي سياسي للسلطة الفلسطينية، بل جرت كافة إجراءات المفاوضات بناءً على التنسيق المباشر بين الطرفين، وهو ما حدا بالسلطة لإبداء موقف إيجابي ومرن تجاه الاتفاق.

ــ اليسار الفلسطيني:

يحكم موقف اليسار الفلسطيني إطار إيديولوجي بعيد بعض الشيء عن الاحتكام للتقييم الموضوعي للاتفاق، إذ أن ثلة العوامل أدناه جعلت اليسار الفلسطيني يعارض أي نشاط تقوم به تركيا لصالح القضية الفلسطينية:

ـ التحالف مع اليسار التركي: المدخل الأساسي لليسار الفلسطيني في قراءة السياسة التركية، هو العلاقة التاريخية التي تربطه مع أحزاب اليسار الراديكالي التركي، وبذلك تتشابه رؤية اليسار الفلسطيني مع صنوه التركي، وبما أن الأخير يعارض ما تقوم به الحكومة التركية الحالية من إجراءات، فإن الفلسطيني يعارض ذلك أيضًا.

ـ التقارب اليساري مع المحور الإيراني: ظهر في الآونة الأخيرة تقارب كبير بين اليسار الفلسطيني ـ وخصوصًا الفصيل الأكبر "الجبهة الشعبية" ـ مع المحور الإيراني، وفي ضوء ذلك؛ لا يمكن لليسار تأييد اتفاق الطرفين الأكثر منافسة ً لإيران في المنطقة.

ـ الموقف المعلن مسبقًا من التطبيع: يشهر اليسار الفلسطيني موقفه الواضح ضد كل صور التطبيع مع إسرائيل، وبذلك الموقف وبحساسية جمهوره، فإنه من الطبيعي أن يرفض ذلك الاتفاق.

ـ حركة الجهاد الإسلامي

رغم التحسن الذي طرأ مؤخرًا على علاقة الحركة بتركيا، إلا أن الحركة ما زالت محكومة باعتبارات عدة تسوقها بشكل شبه محتوم لموقف سلبي من هذا الاتفاق على حد تقييم المركز الذي يؤكّد على أن التقارب الملموس في العلاقات الإيرانية مع الحركة ونأي الحركة بنفسها عن أي معترك سياسي يشكلان البذرة الأساسية للموقف السلبي للحركة من الاتفاق.

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس