محمود عثمان - خاص ترك برس

لم تعد الأمم المتحدة بعد فشلها الذريع في إيقاف المأساة الإنسانية في سورية، كما فشلت في غيرها، سوى ناد سياسي يجمع رؤساء الدول وزعماء العالم، يتبادلون فيه الآراء والأحاديث والثرثرة السياسية، بعيدًا عن سن القوانين واتخاذ الإجراءات والقرارت التي تعالج مشاكل الأسرة الإنسانية. الأسوأ من ذلك أن الهيئة الأممية المناط بها حل مشاكل سكان المعمورة، تحولت منظومة الأمم المتحدة وبشكل صارخ إلى أداة قمع وعصا تأديب، يستخدمها الخمسة الأقوياء الكبار ضد الضعفاء والصغار.

جل قرارتها انتقائية تطبق بحزم ضد دول , بينما تستثنى منها دولًا أخرى. عطلت ألية الردع فيها فبات يفلت من عقابها أنظمة ترتكب جرائم الحرب وشتى أنواع الجرائم ضد الإنسانية صباح مساء، حتى لو تم توثيقها من قبل المؤسسات والمنظمات التابعة لهيئة الأمم المتحدة نفسها، مما زال يدفع هذه الأنظمة إلى التمادى في ظلمها وإجرامها وسفكها للدماء كما يفعل نظام بشار الأسد في سورية، وغيره في بلاد أخرى، حيث لا رادع ولا حسيب ولا رقيب.

الأمم المتحدة عاجزة حتى عن حماية قوافلها للمساعدات الإغاثية الإنسانية. البارحة قامت طائرات حربية روسية وأخرى تابعة لنظام الأسد باستهدفت قافلة إغاثية مكونة من عشرين شاحنة تابعة لـ"الهلال الأحمر"، قتل على إثرها 34 مدنيا بينهم مدير مركز الهلال الأحمر في ريف حلب الغربي. هذا بالرغم من الهدنة التي أقرتها روسيا والولايات المتحدة.

ما سيقوله أردوغان لزعماء العالم:

مشكلة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، هي وضوحه وصراحته البعيدة عن الدبلوماسية في أحيان كثيرة، لذلك لا يحبه الغرب، كما جاء على لسان السفير الأمريكي الأسبق في أنقرة، لأنه يضعهم أمام حقيقة مواقفهم ذات المعايير المزدوجة.

سيقول أردوغان لزعماء العالم وقادة الدول، الدنيا أكبر من خمس دول. مقولة يرددها أردوغان منذ عدة سنوات، يشير فيها إلى تحكم الدول الكبار الخمس دائمة العضوية في قرارات الأمم المتحدة وتعطيلها من خلال حقها في الفيتو جميع القرارت الدولية التي لا تخدم مصالها، وخصوصا تلك التي تحمي الشعوب الضعيفة.

سيقول أردوغان لزعماء العالم وقادة الدول، بإمكانكم إيقاف المأساة السورية، وقتل المدنيين، واستهداف الأبرياء، وتدمير بلد من أعرق بلاد الدنيا، بظرف دقائق إذا أردتم.

سيقول أردوغان لزعماء العالم وقادة الدول، كلكم ترون ما يفعله السفاح القاتل المجرم بشار الأسد، لكنكم لم تخطوا خطوة واحدة في سبيل إيقافه.

سيقول أردوغان لزعماء العالم وقادة الدول، إن جرائم نظام الأسد ثابتة بالأدلة المشخصة لديكم، وعند منظمات الأمم المتحدة نفسها، لكنكم لم تقوموا بأي إجراء رادع ضده.

سيقول أردوغان لزعماء العالم وقادة الدول، لن تنعم الأسرة البشرية بالأمن والاستقرار طالما أن هناك ازدواجية في المعايير.

سيقول أردوغان لزعماء العالم وقادة الدول، لن يكون هناك استقرار وأمن طالما تهربتم من تعريف الإرهاب، حيث لكل دولة تعريف للإرهاب خاص بها.

سيقول أردوغان لزعماء العالم وقادة الدول، مشيرا للولايات المتحدة والدول الأوروبية، لن يقف حمام الدم في الشرق الأوسط، طالما رأيتم في المنظمات الإرهابية مثل حزب العمال الكردستاني وفروعه شريكا لكم في الحرب على الإرهاب.

سيقول أردوغان لزعماء العالم وقادة الدول، لن تحل المعضلة السورية طالما أعلنتم داعش والنصرة منظمات إرهابية، وتغافلتم عن منظمات لا تقل عنها عنفا وإرهابا، مثل ميليشيات عصائب أهل الحق، والنجباء وغيرها.

سيقول أردوغان لزعماء العالم وقادة الدول، عليكم إقناع الإنسان السوري المدني الهارب من ويلات الحرب، لماذا منعتم عنه المنطقة الآمنة التي تقيه وتحميه؟

سيقول أردوغان لزعماء العالم وقادة الدول، بدل أن تناقشوا مشاكل اللاجئين، لماذا لا تقضون على مسببات اللجوء وهي معروفة لديكم؟!.

سيقول أردوغان لزعماء العالم وقادة الدول، طالما اعتمدتم ازدواجية المعايير، واعتبرتم أن بعض الإرهاب مقبول، وبعض الانقلابات العسكرية مسموح بها، وبعض المليشيات مسكوت عنها، فلا أمن ولا سلام ولا عدل واستقرار، لا في الشرق ولا في الغرب، ولا في الشمال ولا في الجنوب.

لن تجد كلمات أردوغان آذانًا صاغية عند القادة الأمريكان والأوربيين على وجه الخصوص، بل ستهاجمه صحافتهم، وستقول عنه دكتاتور ومتسلط ومنتهك لحقوق الإنسان، ومغتصب لحرية التفكير وحقوق الصحافة. في وقت سينصرف فيه قسم كبير من الآلة الإعلامية الغربية نحو تسليط الأضواء على الرئيس الأمريكي أوباما باعتبار أن اجتماع الأمم المتحدة هذا سيكون الأخير الذي سيحضره.

الجميع يتكلم عن ضرورة إصلاح الأمم المتحدة، لكن لا أحد يخطو خطوة أو يفعل شيئًا، ربما من يريد لا يستطيع، ومن يستطيع لا يريد، حيث الدول الكبيرة في حالة استقطاب وصراع وحرب أكثر سخونة  مما اعتدناه أيام الحرب الباردة.

عن الكاتب

محمود عثمان

كاتب سياسي مختص بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس