كمال كيريشجي وعلى تويغان - معهد بروكينغز - ترجمة وتحرير ترك برس

فاجأ انتخاب ترامب رئيسا للولايات المتحدة المراقبين في جميع أنحاء العالم. وقد جعل خطابه خلال الحملة الانتخابية كثيرا من حلفاء الولايات المتحدة يشعرون بقلق عميق، أما خصوم الولايات المتحدة فيتطلعون من جانبهم إلى تفكيك العديد من أولويات السياسة الخارجية للرئيس أوباما.

بالنسبة إلى تركيا الحليف الرئيس ما تزال لديها شكوك كبيرة، فالمصاعب التي تواجهها بالفعل العلاقات الأمريكية التركية لا تبشر بالخير، لكن السبب في ذلك يرجع إلى عدم اليقين في تركيا أكثر منه إلى عدم اليقين في ترامب.

لم تكن معظم بلدان الشرق الأوسط سعيدة مع سياسة إدارة أوباما تجاه المنطقة: فالمملكة العربية السعودية وإسرائيل وجهتا انتقادات حادة للاتفاق النووي مع إيران، ولم تشعر أي عاصمة عربية بالارتياح إزاء موقف واشنطن من الربيع العربي، كما أصيبت الرياض وأنقرة بالإحباط نتيجة الإخفاق في فرض "الخط الأحمر" الذي رسمه أوباما على استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا. كانت إيران والولايات المتحدة على طرفي النقيض في الصراع السوري، وأدى تسامح الولايات المتحدة مع التدخل السعودي في اليمن إلى استياء إيران، في حين أن التورط الإيراني في عمق العراق أزعج الرياض بشدة. أما أنقرة من جانبها، فقد خرجت عن ممارستها المتبعة وتدخلت في الفوضى السورية الأمر الذي عقد علاقاتها مع إيران. لكل اللاعبين الإقليميين أجندات خاصة، ومن النادر أن يتفق اثنان اتفاقا كاملا.

هذه هي الصورة التي كان الرئيس أوباما يطمح في تجنبها. في العشرين من سبتمبر/ أيلول ألقى أوباما خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفيما يتعلق بالشرق الأوسط أوضح أوباما خيبة أمله من الحكومات التي تكمم الصحفيين وتقمع المعارضة، وتراقب تدفق المعلومات، كما أعرب عن استيائه من ظهور الجيوب العرقية والانقسامات القبائلية (وكذلك الانقسامات الطائفية أو ما هو أسوأ مثل التطرف وإراقة الدماء والثأر) كما أبدى استياءه من السياسة والانتخابات معروفة النتائج. ورفض أوباما فكرة النماذج الهرمية الشمولية، وفكرة أن يكون الزعماء الأقوياء الحل لمشاكل المنطقة، ودعا إلى بناء مؤسسات قوية وديمقراطية.

وفي حين لم يقبل كثير من قادة الشرق الأوسط هذه الانتقادات، لم يغلق أوباما الباب أمام التعاون. كان أوباما قد قال في خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل ثلاث سنوات- وهو ما أثار في حينه استياء الكثيرين ولا سيما جمعيات تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان- إن الولايات المتحدة تعمل أحيانا مع حكومات لا تستوفي أعلى التوقعات الدولية، ولكنها تعمل مع واشنطن من أجل المصالح الأساسية للولايات المتحدة . وهذا يثبت في بعض الأحيان أن العملية مكلفة، ومن الأمثلة على ذلك تأييد الولايات المتحدة للتدخل الذي تقوده السعودية في اليمن الذي تسبب في معاناة بشرية كبيرة وتدمير.

علاقة إدارة أوباما بأنقرة كانت قصة من نوع مختلف. وصل الرئيس إلى تركيا في أبريل/ نيسان 2009 بعد حضور قمة مجموعة العشرين في لندن وقمة الناتو في ستراسبورغ وقمة الاتحاد الأوروبي في براغ، وبعبارة أخرى كانت هذه أول زيارة خارجية له. ويعكس خطاب أوباما أمام البرلمان التركي في التاسع من أبريل 2009 الغرض من زيارته:

"في صبيحة هذا اليوم كان لي شرف زيارة ضريح مؤسس جمهوريتكم الخارق وقد أعجبت جدا بالنصب التذكاري الجميل لرجل فعل الكثير الكثير لصوغ مسار التاريخ. لكن من الجلي بأن أعظم نصب تذكاري لحياة كمال أتاتورك ليس شيئا مصبوبا من الحجر والمرمر بل إن إرثه الأعظم يتمثل في ديمقراطية تركيا القوية والنابضة بالحيوية والعلمانية، وذلك هو العمل الذي يواصله هذا المجلس في يومنا هذا".

جوهر الرسالة أن "تركيا بديمقراطيتها العلمانية مثال يحتذى للعالم الإسلامي، وينبغي لها أن تستمر في هذا الطريق وأن يتبعها الآخرون".

كان ذلك إعادة ترتيب بارزة للعلاقات الثنائية بين البلدين تطمح في أن تضع" نموذجا للشراكة"، وجاءت بعد خيبة  أمل إدارة بوش من تركيا لرفضها المشاركة في غزو العراق عام 2003. ومع ذلك لم تستمر عملية إعادة ترتيب العلاقات مع تركيا التي قادها أوباما، وتدخلت حكومة حزب العدالة والتنمية بعمق في تطورات الربيع العربي، لكن الحرب بالوكالة وخاصة في سوريا ارتدت على تركيا ومسارها الديمقراطي، وغذت هذه التطورات التراجع في العلاقات مع واشنطن. وقد أدت محاولة الانقلاب الساقط في تركيا في الخامس عشر من يوليو/ تموز، ورفض واشنطن تسليم فتح الله غولن (الذي ينظر إليه على أنه العقل المدبر لانقلاب) إلى وصول العلاقات إلى مستويات متدنية جديدة. وباختصار لم يعد سحر زيارة أوباما لتركيا في 2009 سوى ذكرى عزيزة.

لا تزال تركيا دولة نامية، وهي دولة مسلمة تمتد في أوروبا وآسيا ، وتنتمي إلى منطقة البلقان والقوقاز والشرق الأوسط ، وعلى ذلك لا تزال تبحث عن هوية دائمة. وفقا لمسح أجرته مؤسسة بيو عام 2013 يفضل 67% من الأتراك الديمقراطية على زعيم قوي، لكن البلاد تمر حاليا بفترة توتر يميزها عزم الحكومة على استبدال النظام البرلماني المتبع منذ عهد بعيد بنظام رئاسي عبر استفتاء في أوائل عام 2017 . وستكشف النتائج إما مصداقية مسح مسسة بيو أو التحول السريع في أولويات الأتراك.

الطريق إلى الاستفتاء قد يؤثر سلبا على علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي المتدهورة بالفعل. ومثلما يظهر تصويت البرلمان الأوروبي على تعليق مفاوضات الانضمام مع تركيا، فإن عملية الانضمام تراوح مكانها. تاريخيا شجعت الإدارات الأمريكية الديمقراطية في تركيا وتثبيتها في النظام الليبرالي الدولي الذي يقوده الغرب، ودعمت مساعي تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكن القطيعة الكاملة مع الاتحاد الأوروبي قد لا تسبب كثيرا من الحزن لإدارة ترامب.

وبدلا من ذلك تميل تركيا في الوقت الحالي إلى الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون بديلا للاتحاد الأوروبي، إلا أن المبادئ التأسيسية لمنظمة شنغهاي تتطلب من الأعضاء التقيد بمبدأ عدم الانحياز، وهذا قد لا يتوافق مع التزامات تركيا في حلف الناتو، إلا إذا كانت أنقرة مستعدة لإجراء تحول أكبر بكثير في السياسة، وهو ما قد ينطوي على مشكلة كبيرة لأي إدارة أمريكية بما فيها إدارة ترامب.

في عام 2004 تعهدت الحكومة التركية بسياسة "صفر مشاكل مع الجيران" لكن في السنوات الأخيرة كان لتركيا مشاكل مع جيرانها، وفي الآونة الأخيرة بذلت جهودا للتصالح مع روسيا وإسرائيل. على أن المصالحة التركية الروسية ما تزال بعيدة عن أن تكون مؤكدة وتتوقف على السياسات التركية في سوريا، أما المصالحة مع إسرائيل فيبدو أنها ستقتصر على تبادل السفراء الذي حدث أخيرا مع قليل من الحب المفقود. وإذا نفذ ترامب وعده الانتخابي بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، فإن هذا قد يؤدي إلى مجموعة جديدة من الاحتكاكات الثلاثية . العلاقات مع السعودية وقطر حليفا تركيا ضد نظام الأسد قد تكون عرضة لتقلبات جديدة، ولاسيما إذا اختار ترامب العمل بشكل وثيق مع روسيا في سوريا. العلاقات مع العراق متوترة للغاية، بينما ما تزال العلاقات مع طهران تعكس استقرارا إلى حد ما ، لكن ما تزال سوريا قضية خلافية. وباختصار صارت السمة البارزة للسياسة الخارجية التركية هي عدم القدرة على التنبؤ بها.

وعلى ذلك فإن مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا ما يزال غامضا، وربما كان السبب في ذلك عدم وضوح نوايا السياسة الخارجية التركية أكثر من علامات الاستفهام بشأن ترامب. كانت إقامة شراكة قوية مع تركيا الديمقراطية أولوية واضحة في سياسة الرئيس أوباما في الشرق الأوسط، وفي البداية كانت الظروف موائمة للغاية لمثل هذا المسعى، لكن الكيمياء الجديدة لم تدم. واليوم تواجه العلاقات الثنائية تحديات لن يكون التغلب عليها مهمة سهلة. 

عن الكاتب

علي تويغان

السفير التركي السابق في كندا


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس