جلال سلمي - خاص ترك برس

في البداية، عملت الدولتان على رسم تعاونهما طبقًا لأولوية "مواجهة القطب الآخر"، ولكن عند تقاسم التورتة طفت على السطح عدة خلافات أظهرت شقاقهما حول مآلات حل الأزمة السورية. إنهما إيران وروسيا اللتان تحاولا حل الأزمة السورية كل وفقًا لمصلحته.

ـ مـؤشـرات الـتـنـافـس الإيـرانـي ـ الـروسـي:

مؤشرات عدة طفت على السطح رافعةً الستار عن وجود تنافس روسي إيران حول سوريا، وربما أهم هذه المؤشرات هي:

ـ إعلان إيران غير المسبوق عن عدد ضحاياها في سوريا، ولوحظ ذلك عقب التدخل العسكري الروسي المباشر، وإلى جانب ذلك، عمدت إيران إلى رفع عدد جنودها وميليشياتها الشيعية الفاعلة في سوريا بشكل مطّرد عقب التدخل المذكور.

ـ إظهار إيران رغبة شديدة لتمديد الحرب وكسب الوقت، على العكس من روسيا التي تهدف إلى تعجيل عملية إنهائها لإيقاف حالة الاستنزاف "غير المفيدة" لمصالحها السياسية والاقتصادية الاستراتيجية التي ترمي للحصول على دور تأثيري فعال ومضاد للقطب الأمريكي المحتكر للساحة الدولية، فاستمرار الحرب دون نتائج يسبب لها الخسائر السياسية والاقتصادية السلبية التي تؤثر على هدفها في إشمال الدول والشعوب، أما إيران فتهدف لكسب المزيد من الوقت حتى تستطيع توسيع نطاق سيطرتها الميدانية عبر ميليشياتها الشيعية، وبالتالي تشكيل ضغط على روسيا والأطراف الأخرى لاتخاذ طموحها في سوريا، ولو بشكل جزئي.

ـ الخلاف على التحرك التركي في شمال سوريا، حيث أصبحت تركيا مسيطرة على مساحات واسعة من المناطق السورية، فروسيا ترى ذلك التحرك لصالحها كونه يعرقل تحقيق ما ترنو إليه من مد خط نقل الغاز الطبيعي نحو الاتحاد الأوروبي عبر سوريا، فتمديد إيران ذلك الخط يعني أن هناك منافس جديد وقوي للغاز الروسي سيطفو على السطح، وهذا أمر لا يمكن أن تقبل به روسيا.

ـ محاولة روسيا تخفيف حدة اصطدامها مع الشعب عبر تسهيل عمليات إخلاء حلب، على حساب الميليشيات الشيعية التابعة لإيران، والتي ظهرت بمظهر المتغطرس والمعادي.

ـ إخلاء حلب عبر اتفاق تركي روسي تجاهل إيران، ومنع المليشيات الشيعية من دخول الأحياء التي خرج منها الثوار.

ـ تأسيس روسيا "الفيلق الخامس" لترسيخ نفوذها الأمني في سوريا، وفي المقابل أسست إيران قوات الدفاع الوطني برواتب وامتيازات أكبر.

ـ اعتبار روسيا الانتصارات في سوريا انتصارات تؤهلها للتفوق على القطب الأمريكي الأحادي في العالم، بينما ترى إيران تلك الانتصارات انتصارات "مذهبية" ضد ندها الأول في المنطقة "المملكة العربية السعودية"، واستسقاء ذلك ممكن من خلال تتبع الخطابات التي تعقب كل انتصار.

ـ الخلاف على وجود حزب الله، إذ ترمي روسيا إلى إرساء اتفاقاتها السياسية مع دول لا مع كيانات، لتكون أكثر ضمانًا، لهذا السبب تعارض وجود حزب الله الذي يمثل يد إيران الطويلة في سوريا، والتي ترتكز عليه في كثير من الأحيان لعرقلة بعض التحركات، وإلى جانب ذلك، ترتبط روسيا بعدة تنسيقات سياسية وعسكرية مع إسرائيل، ومن مصلحتها عدم إخافة إسرائيل من اعتبار حزب الله جزءًا من الحل وبالتالي حصوله على اعتبار دولي شرعي، درءًا لامتعاض إسرائيل من ذلك ونكصها لهذه التنسيقات.

ـ رغبة روسيا في ترسيخ دورها التأثيري في الأزمة السورية ومن ثم في الشرق الأوسط عبر محاولة ضم المعارضة السياسية والعسكرية لعملية الحل، بخلاف إيران التي ترفض انضمامها لأي عملية حل، بذريعة أنها "جماعات إرهابية".

ـ الـتـنـافـس الإيـرانـي ـ الـروسـي وتـركـيـا:

بالرغم من المؤشرات الظاهرة بين الطرفين، إلا أن الحديث عن حدوث انشقاق تام بينهما، وبالتالي حدوث تقارب أوسع بين تركيا وروسيا يعد عبثًا من ضرب الخيال، فذلك السيناريو صعب التحقق لعدة أسباب:

ـ بالرُغم من وجود بعض الخلافات، إلا أن روسيا ترى أن إيران معادية للقطب الغربي وصاحبة نفوذ واسع في سوريا، ومقارنة بتركيا تعتبر روسيا إيران أهم وأقرب لها من تركيا التي حاول الجانب الروسي استغلالها من خلال السماح لها بتنفيذ عملية "درع الفرات" بشكل محدود، في تشكيل أداة ضغط على حليفه الإيراني، وكسب حلقة وصل بينه وبين المعارضة، بينما تركيا أرادت الضغط على القطب الغربي، الأمر الذي تعلمه روسيا ويدفعها لتصنف تركيا على أنها "متعاون تكتيكي".

ـ نظرة روسيا إلى تركيا على أنها منافس جيوسياسي تاريخي يمثل الركيزة الأساسية للغرب في منطقة الشرق الأوسط، فلا يجمع الطرفان إلا علاقات اقتصادية جيدة، أما القضايا السياسية فعادةً يختلف الطرفان في تقييمها، وقد ظهر ذلك جليًّا في تعبير تركيا عن انزعاجها من الحرب الروسية على جورجيا عام 2008، ومن ثم في دعم الثورة السورية ضد النظام المدعوم من قبل روسيا، ولا يمكن تقييم التقارب الحاصل بين الطرفين بعد أزمة محتدمة على أنه استراتيجي، بل هو تقاربٌ، كما تم تفسيره في الأعلى، مبنيٌ على رغبة الطرفين في إحداث تقارب لتبادل الفائدة لا أكثر ولا أقل.

ـ وعي تركيا بالسمة "الاستنزافية" للتحالف مع روسيا، فتركيا رغبت من خلال التقارب المشهود موازنة تحالفاتها العسكرية مع القطب الغربي عامةً والولايات المتحدة خاصةً، وتعلم أنها خسرت سيطرتها على عدد كبير من فصائل المعارضة، واضطرت لتقديم التنازلات في مواقفها تجاه الثورة السورية كاقتراب روسيا من حدودها القومية المحاذية لمدينة حلب السورية وتشكيلها خطرًا استراتيجيًا على أمنها القومي، وتقارب روسيا أيضًا من قوات الحماية الكردية، ومطالبتها بالاعتراف بمنطقة آمنة خاصة بهم، بغية أن يصبح لديهم مناطق نفوذ بارزة تعزز من تقاربهم إليها على حساب الولايات المتحدة، وكان ذلك فقط مقابل الحيلولة دون سيطرة قوات الحماية الكردية على بقعة جغرافية صغيرة متاخمة للحدود التركية، وفي استعادة تركيا للتعاون الأمريكي حسب ما يبدو مع تسلم ترامب الذي بدا وأعضاء إدارته على أنهم مساندون للتعاون مع الدول القوية إقليميًا، مقاليد الحكم في الولايات المتحدة، قد تميل لتخفيف التعاون مع روسيا، ويكاد القصف الروسي "الخاطئ" للقوات التركية يحمل في طياته تحذيرًا روسيًا للميل التركي نحو رفع وتيرة التعاون مع القيادة الأمريكية على حساب الطرف الروسي.

في العموم، تجمع روسيا وإيران عددٌ من المسائل الاستراتيجية الهامة، وعلى رأسها تحدي القطب الغربي وبناء مجتمع دولي متعدد الأقطاب، وإن كانت تركيا تهدف إلى إحراز ذات الهدف، فإن الوسائل التي ترغب في اتباعها لتحقيقه تختلف عن الوسائل المتبعة من قبل روسيا، وهذه هي نقطة الخلاف الأساسية التي تجعل الحديث عن تقارب تركي ـ روسي استراتيجي على حساب إيران أمرًا صعبًا.

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس