ترك برس

لم تنته الحرب في سوريا، بل تستمر، ملقية بالضرر بأرواح وأموال الآلاف من الناس. إضافةً إلى أنها أصبحت مصدر الهجرة والإرهاب وعدم الاستقرار، علاوة عن تحولها إلى مصدر قلق بالنسبة إلى المنطقة بأسرها.

لا يمكن أن نبدي عكس هذا الرأي عند تقييم المسألة من منظور السياسة وموازين القوى. لذلك يجب على كل من يُجري الحسابات في خصوص الحرب السورية ألا يتوقع أنها قد تنتهي على المدى القريب. ويجب ألا يفكّر بالطرف الذي فاز أو خسر قبل الوصول إلى خط النهاية. يجب ألا يستسلم ويعتبر أنه قد انتهى أو خسر بسبب إمتلاك حزب الاتحاد الديمقراطي لأسلحة جديدة. يجب ألا يعدّ نفسه منتصرا نتيجة نجاح عملية درع الفرات. بالتأكيد إن كل خطوة متّخذة في هذا الصدد هي التي ستحدّد المنتصر والخاسر في نهاية المطاف، لكن هذه الحرب ستستزف جهوداً كبيرة إلى أن تنتهي. ستتغير الأوضاع وتتغير الأطراف باستمرار. لذلك فإن من يبذل جهوده بإحكام أكثر سيكون الفائز في نهاية هذه الحرب. إن هذه الحرب ليست مثل سباق المائة متر، بل أشبه بسباق طويل يحتاج إلى التقدم المحكم وعدم بذل كامل الجهد منذ البداية، بل توفير بعض الجهود لما بعد.

إننا نواجه حرب استنزاف للقوة والطاقة.  إنها حرب استنزاف تخاض من قبل الوكلاء، إذ إنها ستستمر إلى أن تنفذ قوة وطاقة أحد الأطراف. كانت الحرب العالمية الأولى على هذا الشكل أيضاً. قامت جميع الأطراف باستنزاف قوة أعدائها يوماً بعد يوم، إلا أن الجبهات كانت هادئة ولا تشهد أي حركات أو هجمات ملحوظة. كانت جميع الأطراف قادرة على إعادة تحقيق التوازن في اليوم التالي من إخلال توازنها من قبل طرف آخر. لم يدفع تكرار هذه المأساة بالأطراف إلى  فقدان الأمل أو الاستسلام. لم يهتموا للخسائر لأن نسبتها كانت كبيرة، مما أدى إلى نفاذ قوتهم على المدى البطيء. هل كانت الدولة العثمانية، النمسا وهنغاريا الدول الوحيدة التي انهارت في نهاية الحرب؟ لم تتمكن فرنسا وبريطانيا من الإستقامة مرة أخرى بعد هذه الحرب، وانهارت إمبراطورياتها الاستعمارية القديمة على المدى البطيء.

استمرت هذه الحرب لخمس سنوات، بينما كانوا يتوقعون انتهاءها خلال ثلاثة أشهر. إذ تسببت هذه الحرب في خسائر اقتصادية كبيرة، إلى جانب فقدان الملايين من المواطنين أرواحهم نتيجة الحرب.

هذه السيناريو تكرر نفسها في سوريا الآن، ولكن على نطاق أصغر. تقوم الأطراف باستنزاف بعضها. والعامل الأكبر في هذه الأحداث هي القوى الخارجية. إذ إن أمريكا وروسيا تزعزع التوازن في المنطقة وتسبب الجمود في إيجاد الحل، وذلك طمعاً بالديناميكيات الموجودة في سوريا.

تدخلت روسيا في مجرى الأحداث السورية بسبب مخاوفها، لكنها فقدت مسارها بسبب طمعها فيما بعد. بينما تدخلت أمريكا قاصدةً توليد الجمود في إيجاد الحل، أما الآن فإنها تتقدم نحو فقدان المسار في عهد الرئيس الأمريكي الجديد ترامب.

تزعم أمريكا أنها تستمر في ممارسة سياستها القديمة. في حين أنها تدعم حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا بحجة تطهير الرقة من داعش. ماذا سيحصل بعد تطهير الرقة؟ ليس لدى أمريكا سياسة قادرة على الإجابة عن هذا السؤال، مما يدل على انحراف أمريكا عن هدفها وفقدانها للمسار الصحيح. نرى أن طريقة ممارسة السياسة قد فقدت مسارها أيضاً في عهد الرئيس الجديد ترامب. أسقطت أمريكا طائرة حربية تابعة للنظام السوري قبل أيام عدة. وتتم مناقشة أسباب هذا الحدث لدى الرأي العام الأمريكي. لنعتبر أن أمريكا قامت بقصف مناطق النظام السوري عندما استخدم الأسلحة الكيميائية، ما الذي تغير الآن؟ لا يمكن لأمريكا الإجابة عن هذا السؤال، كما أن قيادة القوات المركزية الأمريكية ذاتها لم تستطع إعطاء جواب واضح للسؤال نفسه.

 هل تذكرت أمريكا حجة الدفاع عن النفس بعد مرور 6 أعوام؟ بالطبع لا، ولكن تقدم حرب الاستنزاف في إطارها الخاص دفع أمريكا إلى تبني مخاوف وأهداف الأطراف الموجودة في سوريا، ثم إدارتها على النحو الذي يخدم مصالحها.

أصبحت روسيا تشعر بالقلق تجاه أمريكا بعد أن كانت تشعر به تجاه تركيا، وذلك بسبب الزيادة الملحوظة في قوة العلاقات القائمة بين أمريكا وحزب الاتحاد الديمقراطي.

إنهم يقومون بحملات طيران اعتراض ضد أمريكا، في حين يبدأ الطرف الآخر بالشعور بالقلق تجاه تقدّم روسيا بعد خروج تركيا من مجرى الأحداث.

إن الأطراف تتغير مع تغير الموازين. وتبدأ المنافسات الكلاسيكية الأساسية. لذلك علينا توقع بدء صراع بين أمريكا وروسيا خلال الأيام القادمة، وهذا دليل على عدم وصولنا إلى خط النهاية بعد. يمكن لتركيا أن تنتظر انتهاء الصراع السائد بين باقي الأطراف لمعرفة النتائج النهائية واتخاذ الخطوات اللازمة حينها.

عن الكاتب

حسن بصري يالتشين

كاتب في صحيفة تقويم


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس