وليام إنجدال - نيو إيسترن أوت لوك - ترجمة وتحرير ترك برس 

ثمة تحول  بنيوي يجري حاليا لا في المجر فحسب، بل في جميع أنحاء البلقان بأكملها. ويشمل هذا التحول تركيا وروسيا بوتين. تظهر الخطوط العريضة لجغرافيا سياسية جديدة في منطقة البلقان، وهي تفتح خطوط صدع ضخمة داخل الاتحاد الأوروبي بين حلف الأطلسي المتشدد، ودول الاتحاد الأوروبي البراغماتية الأكثر حرصا على التنمية الاقتصادية وصحة بلدانها وسلامتها أكثر من الدفاع عن إفلاس الولايات المتحدة القوى العظمى المتراجعة.

توجه رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، إلى تركيا في زيارة عمل مهمة لا من أجل مجرد التقاط الصور، لإجراء محادثات تجارية واقتصادية. وأحضر معه نصف حكومته وحوالي 70 رجل أعمال لبحث مجالات زيادة التعاون الاقتصادي الثنائي. وأجرى أوربان لقاءات خاصة مع الرئيس التركي أردوغان، ورئيس الوزراء بن علي يلدريم.

محور الطاقة لجنوب شرق أوروبا

كانت القضية المركزية التي نوقشت في أنقرة، على الرغم من أنها لم تحظ باهتمام إعلامي، هي احتمال استيراد الغاز الروسي من خلال خط أنابيب الغاز السيل التركي.

ومع إصدار مشروع قانون العقوبات الأمريكي الجديد المشكوك فيه قانونيا الذي يستهدف الشركات الأوروبية التي تستثمر في خط أنابيب الغاز الروسي الألماني نورث ستريم الثاني، الذي سيتجاوز أوكرانيا، فإن روسيا تسرع من أولوياتها لاستكمال بناء خط أنابيب الغاز التركي من محطة ضخ الغاز التي بنيت بالفعل بالقرب من أنابا في جنوب روسيا، وتمر تحت البحر الأسود إلى تركيا ومنها إلى الحدود البلغارية وربما اليونانية.

وإلى جانب العقوبات الأخيرة التي فرضها الكونغرس الأمريكي الغاضب، وتستهدف إيران وكوريا الشمالية، تُعاقب الشركات الألمانية والنمساوية التي تستثمر في خط أنابيب نورث ستريم الثاني لتزويد شمال أوروبا بالغاز من سان بطرسبرج، حيث تدعي هذه الشركات أنه لا يحق قانونا بموجب القانون الدولي، للرئيس الأمريكي أن يفرض عقوبات على شركات خارج ولايته القضائية الإقليمية التي يطلق عليها قانونا حدود.

وقد أدى إعلان العقوبات الجديدة التي تستهدف نورد ستريم 2 إلى دفع روسيا إلى تسريع خطتها لمشروع السيل التركي. وأقامت شركة ألسياس السويسرية ببناء قرابة  15 ميلا من خط الأنابيب تحت البحر الأسود منذ مايو. ومن المقرر افتتاح أول خطين متوازيين في مارس 2018، والثاني في عام 1919. وتقدر السعة السنوية لكل خط بـ15.75 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي أو ما مجموعه 32 مليار متر مكعب لكليهما.

هنا تصبح الأمور مثيرة للاهتمام.

دول البلقان تنضم إلى السيل التركي

فى مطلع شهر يوليو أعلن رئيس الوزراء البلغاري المنتخب حديثا، بويكو بوريسوف، أنه يعتزم التوقيع على اتفاقية لنقل الغاز من خط أنابيب السيل التركي، كما وقع اتفاقا مع جارته غير العضو في الاتحاد الأوروبي التي لا يرجح أن تصبح عضوا  فيه بسبب علاقاتها القوية مع روسيا من بين أمور أخرى. ووفقا للاتفاق الجديد ستحصل صربيا فى النهاية على 10 مليارات متر مكعب من غاز السيل التركي.

وفي 29 حزيران/ يونيو، تولى رئيس الوزراء الكسندر فوتشيتش منصب الرئيس الصربي، وتولت آنا برنابيتش منصب رئيس للوزراء. وقالت للبرلمان إنها ستسعى إلى "سياسة خارجية متوازنة" وان حكومتها ستسعى إلى إقامة علاقات طيبة مع روسيا والصين. وكان وزير الدفاع الجديد في صربيا الكسندر فولين، قد عارضته واشنطن بشدة بسبب توجهه المعروف الموالي لروسيا. التقى الكسندر فوتشيتش نفسه فلاديمير بوتين قبل أسبوع من انتخابه رئيسا، وأكد مجددا العلاقات الوثيقة التي تجمع بين روسيا وصربيا.

وفي 5 يوليو/ تموز، وقعت الحكومة المجرية أيضا اتفاقا للحصول على الغاز من السيل التركي. وفي وقت سابق من هذا العام، زار الرئيس الروسي بوتين بودابست، حيث ناقش مع رئيس الوزراء أوربان مشاركة المجر في السيل التركي، إلى جانب مناقشة بناء محطات نووية روسية في المجر.

أوضح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال مؤتمر الطاقة العالمي الذي عقد يومي 9 و11 يوليو/ تموز في إسطنبول، أن تركيا تهدف إلى أن تصبح مركزا للطاقة بين الشرق والغرب والشمال والجنوب. وباختصار، فإن جميع عناصر عملية إعادة تنظيم رئيسية جديدة تجمع بين دول البلقان وروسيا وتركيا.

السيل التركي

في ديسمبر/ كانون الأول 2014، بعد أن ضغطت المفوضية الأوروبية في بروكسل، بدعم من واشنطن، على الحكومة البلغارية لإلغاء الاتفاق على مرور خط أنابيب التيار الجنوبي عبر أراضيها إلى ميناء بورغاس البلغاري، أعلن الرئيس الروسي بوتين أن مشروع التيار الجنوبي قد مات. وفي الوقت نفسه بدأت روسيا مفاوضات مع تركيا بشأن البديل التركي.

ولتجنب القوانين العقابية للاتحاد الأوروبي، سينتهي خط أنابيب الغاز التركي الذي يمر عبر تركيا عند الحدود التركية البلغارية، وربما ينتهي الخط الثاني في لولي بورغاز في منطقة مرمرة التركية، على مقربة من الحدود التركية مع اليونان. ومن هناك سيكون على الدول المشترية التعاقد على خطوط الأنابيب الخاصة بها وبنائها لاستخدام السيل  التركي، حيث يمنع قانون الاتحاد الأوروبي غازبروم من بناء وتشغيل أنابيب الغاز الخاصة بها داخل الاتحاد الأوروبي.

التحول إلى البلطيق

في فبراير/ شباط 2017 وخلال زيارة الرئيس الروسي بوتين إلى بودابست، وقعت المجر عقدا بقيمة 17 مليار دولار مع مجموعة روس أتوم، وهي شركة الطاقة النووية الحكومية الروسية لبناء مفاعلين في محطة باكس للطاقة النووية، وهي المحطة النووية الوحيدة في البلاد. تمتلك روسيا أيضا حصة 51٪ في مشروع لبناء محطات الطاقة النووية في التشيك مع شركة ŠKODA JS التشيكية. وتعد خطة الطاقة الوطنية التشيكية الأخيرة الكهرباء النووية وسيلة آمنة تتوافق مع أهداف الاتحاد الأوروبي  لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون مثلما يفعل المجر.

اختارت الحكومة التركية أيضا  روس أتوم الروسية لبناء أول محطة للطاقة النووية في تركيا، وهي محطة أك كويو النووية، مع أربعة مفاعلات بالقرب من البحر المتوسط فى جنوب تركيا. ويجري بناء الوحدة الأولى التي تبلغ تكلفتها 20 بليون دولار من قبل اتحاد روسي تركي مع مجموعة البناء التركية، جينجيز - كاليون - كولين وسيبدأ العمل في عام 2023.

وبعد أن جمدت الولايات المتحدة ومعظم دول أوروبا الغربية الاستثمار في تكنولوجيا الطاقة النووية وفقدت القوى العاملة المدربة المؤهلة، تبرز وروسيا بوصفها الرائدة عالميا في مجال تصدير التكنولوجيا النووية بحصة أكثر من 60٪ في السوق العالمية.

لم تحصل شركة "أريفا" الفرنسية أكبر منتج لمحطات الطاقة النووية في أوروبا على عقد أجنبي منذ عام 2007. وفي الولايات المتحدة الأمريكية مرت شركة "وستنغهاوس" أكبر مزود للطاقة النووية في الولايات المتحدة تاريخيا، بأوقات عصيبة من أجل العودة إلى المضمار. وقد بيعت مجموعة شركات الطاقة النووية في بيتسبرغ، وصارت مملوكة لشركة توشيبا اليابانية. تجدر الإشارة إلى أن مجموعة وستنغهاوس النووية التى تعاقدت مؤخرا على صفقة لتوريد أربعة مصانع محلية جديدة فى الولايات المتحدة وهي الأولى من نوعها منذ ثلاثين عاما، تعاني من تجاوزات فى التكاليف ودعاوى قضائية، واضطرت وستنغهاوس إليكتريك إلى إعلان الإفلاس. وعلى النقيض من ذلك، فإن روسيا لديها عقود لبناء 34 مفاعلا في 13 بلدا، تقدر قيمتها الإجمالية بـ300 بليون دولار.

إن أهمية صفقات الغاز الطبيعي والكهرباء النووية التي تعقدها روسيا مع المجر وجمهورية التشيك وصربيا وبلغاريا وتركيا تخلق رعبا واشنطن، وتحرر منطقة البلطيق من خيبة الأمل من الاتحاد الأوروبي المفلس سياسيا ومن ألمانيا التي لم تعد تعرف ماذا تفعل.

ومن الجدير بالملاحظة في هذا السياق آخر تأكيد من الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لشراء أنظمة الدفاع المضاد الروسية المتقدمة S-400  بقيمة 2.4 مليار دولار، على الرغم من الجهود الشرسة التي بذلتها إدارة ترامب والناتو لوقف الصفقة. ويرى الخبراء العسكريون أن أنظمة  S-400 المتقدمة هي أكثر أنظمة القذائف الدفاعية الجوية بعيدة المدى قدرة على الإطلاق على كوكب الأرض، وهو نظام أفضل بكثير  من نظام باتريوت الأمريكي الذي تريد واشنطن أن تشتريه تركيا.

إن حقيقة أن عدة دول في البلقان تعمل بوضوح على تطوير علاقاتها الاقتصادية مع روسيا ومع تركيا، تؤكد حقيقة عدم وجود وحدة أوروبية وليس الاتحاد  الأوروبي الموعود. كما أدى القرار الغبي الذي أصدرته المفوضية الأوروبية بمقاضاة المجر وجمهورية التشيك وبولندا أمام محكمة الاتحاد الأوروبي لرفضها  الحصص الإجبارية للاجئين التي وضعها الاتحاد إلى توسيع الفجوة بين الاتحاد الأوروبي شرقا وغربا.

إن المؤسسات السياسية من القمة إلى القاعدة مثل الاتحاد الأوروبي اليوم  وجميع مؤسساته المناهضة للديمقراطية، مثل مفوضية الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي التي تتصدى للحقوق السيادية الوطنية ما يجعلها شديدة الشبه بالعلاقات السادية والمازوخية، غير قابلة للحياة بطبيعتها.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس