
ترك برس
تناول مقال تحليلي للكاتب والخبير التركي يحيى بستان، التحول المفاجئ في العلاقة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعد فترة من التباعد والتوتر السياسي بين الطرفين، خاصة في ملفات غزة وسوريا وإيران.
ورصد المقال الذي نشرته صحيفة يني شفق تصاعد الضغوط من اللوبي الإسرائيلي في واشنطن لدفع ترامب نحو موقف أكثر تشددًا تجاه إيران، في ظل مفاوضات نووية حساسة وتوتر إقليمي متزايد.
وأبرز الكاتب السياقات الجيوسياسية المحيطة بالمنطقة، مثل نية الولايات المتحدة الانسحاب التدريجي من الشرق الأوسط، ومحاولات إسرائيل استباق هذا الانسحاب بتكثيف تحركاتها العسكرية والسياسية.
في هذا السياق، يسلّط الكاتب الضوء على المكالمة الهاتفية الطويلة بين ترامب ونتنياهو كمفصل محتمل في إعادة ترتيب الأولويات بين الحليفين. وفيما يلي نص المقال:
وصلت العلاقة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى نقطة الانهيار، حيث اختلف الاثنان حول استراتيجيات التعامل مع غزة، وكان الخلاف تكتيكيًا أكثر منه استراتيجيًا. أما في سوريا، فقد انحاز البلدان إلى معسكرين مختلفين. ولعلنا نتذكر كيف وبّخ ترامب نتنياهو في المكتب البيضاوي قائلاً له: "كن عقلانيا". وحتى فيما يخص الملف الإيراني، لم يكن ترامب يستجيب لمطالب نتنياهو بالكامل، بل اتخذ مسافة واضحة منه. ففي الشهر الماضي، استثنى ترامب تل أبيب من جدول زيارته الإقليمية، وألغى زيارة وزير الدفاع الأمريكي هيغسث إلى إسرائيل.
كما سرّب البيت الأبيض إلى الصحافة الأمريكية معلومات تفيد بأن "ترامب لن يلتقي نتنياهو بعد الآن". وفي تصريح بتاريخ 29 أيار/مايو، أجاب الرئيس الأمريكي عن أسئلة تتعلق بنتنياهو وإيران قائلاً: "لقد حذرته بشكل واضح من اتخاذ أي خطوة من شأنها أن تعرقل العملية" . كما عقد ترامب اتفاقًا مع الحوثيين دون استشارة إسرائيل، وقام بإبعاد الشخصيات المتطرفة المؤيدة لإسرائيل في فريقه. فقال مستشار الأمن القومي مايك والتز ونائبه (1 مايو).
لكن هذا المشهد يشهد تغيراً الآن. ففي غزة وإيران يتقارب ترامب من نتنياهو، وفي سوريا يتقارب نتنياهو من ترامب.
تعليق مفاوضات الرياض
نتنياهو على عجلة من أمره، فترامب يسعى لإنشاء بنية إقليمية لتركيز جهوده على الصين. وفي هذا الإطار أبلغت الولايات المتحدة الأطراف بأنها ستنسحب من سوريا بنهاية العام (ستقلص عدد قواعدها من 9 إلى 1، وستبقى فقط في قاعدة التنف على الحدود العراقية السورية). وقد أُعلن سابقًا أن وجود التحالف الدولي ضد داعش في العراق سينتهي في عام 2026. . ولهذا، تسعى إسرائيل إلى التحرك قبل تقليص الوجود الأمريكي في المنطقة، وتهدف إلى ضم غزة والضفة الغربية وضرب إيران.
تفاصيل تركية خلف الكواليس
أما ترامب فلم يكن يرغب في الانخراط بحرب جديدة تربطه مجدداً بالمنطقة. وفي هذا السياق، أجرت الولايات المتحدة خمس جولات من المفاوضات النووية مع إيران. وقد أبدت واشنطن قبولها بامتلاك إيران تكنولوجيا نووية مدنية، لكنها ترفض أن تقوم طهران بتخصيب اليورانيوم، أو على الأقل تطالب بأن يكون التخصيب في مستويات منخفضة. ونتيجة لهذا التوجه، نشب خلاف مع السعودية أيضاً. فخلال زيارة ترامب إلى الخليج في 13 أيار/مايو، كانت الرياض تأمل بتوقيع اتفاق تعاون نووي مدني، لكنها خرجت بخيبة أمل، بعدما جمّد ترامب المفاوضات النووية مع السعودية إلى حين اتضاح مسار التفاهم مع إيران. وهذا يدل من جانب على اعتقاد الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت بإمكانية التوصل إلى اتفاق مع طهران. وقد ذكرت وسائل الإعلام الأمريكية أن الولايات المتحدة كانت تدرس فكرة إنشاء تحالف إقليمي لتخصيب اليورانيوم يضم إيران والسعودية والإمارات وقطر وتركيا – وهي فكرة سنعود لتفصيلها في الأيام القادمة.
ضغوط مكثفة من اللوبي الإسرائيلي
إيران لا ترحب بهذا العرض. فقد أوضح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي موقف طهران قائلاً: "إيران لن تقبل حرمانها من حقوقها الطبيعية". ومن المتوقع أن تُعقد جولة سادسة من المفاوضات النووية في الأيام القادمة (يوم الأحد)، على أن يلتقي المبعوث الأمريكي الخاص ويتكوف بعراقجي في سلطنة عُمان، وأن هناك من يشكك في إمكانية انعقاد هذا اللقاء، إذ يخضع ويتكوف لضغوط شديدة من التيارات المؤيدة لإسرائيل المحيطة بترامب،
ويبدو أن اللوبي الإسرائيلي في واشنطن يمارس ضغوطًا كبيرة على ترامب. وقد ورد تقرير مفصل حول هذا الأمر في صحيفة بوليتيكو. إذ تسعى إسرائيل لإجبار ترامب على الانسحاب من المفاوضات النووية مع إيران، وإعطاء الضوء الأخضر لهجوم إسرائيلي محتمل، بل ودعمه إن أمكن. وفي سبيل تحقيق ذلك، يستخدمون كل الوسائل المتاحة، بما في ذلك أصدقاء ترامب المقربين. وعلى الرغم من أن الاستخبارات الأمريكية تُخبر ترامب بعكس ذلك، إلا أن الشخصيات المقربة من إسرائيل تدعي أن إيران قد تتمكن من امتلاك السلاح النووي قريبًا.
مكالمة مفاجئة مدتها 50 دقيقة تُحدث تحولاً كبيرا
وفي التاسع من يونيو الجاري، أجرى ترامب مكالمة هاتفية مفاجئة مع نتنياهو استغرقت خمسين دقيقة. ورغم صعوبة ربطها مباشرة بالتطورات الميدانية، فإن توقيت هذه المكالمة تزامن مع توترات داخلية يواجهها ترامب، من بينها خلافه مع إيلون ماسك وأحداث الفوضى في شوارع لوس أنجلوس.
وقد تلت هذه المكالمة تحركًا جادًا. فقد أعلن قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال كوريلا، أنه قدم للرئيس ترامب مجموعة واسعة من الخيارات العسكرية للتعامل مع إيران (10 يونيو/حزيران). وفي اليوم ذاته، صرح ترامب بأن "إيران باتت أكثر عدوانية بكثير في المفاوضات النووية". ومن جهتها أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قراراً يفيد بأن إيران انتهكت التزاماتها. وأصدرت الولايات المتحدة أوامر بإجلاء موظفيها الدبلوماسيين من سفاراتها في العراق والبحرين والكويت، كما دعت مواطنيها إلى تجنب السفر إلى المنطقة.
حرب نفسية أم استعداد للمواجهة؟
جاء هذا التصعيد بعد تهديدات مباشرة من إيران بأنها سترد على أي ضربة عسكرية محتملة باستهداف القواعد الأمريكية في المنطقة. وأكد وزير الدفاع الإيراني نصير زاده هذا الموقف بوضوح في الحادي عشر من يونيو.
وترى طهران أن هذه التصعيدات هي شكل من أشكال الحرب النفسية التي تسبق الجولة السادسة من المفاوضات، في محاولة لرفع سقف المطالب، مما يوحي بأنها أقرب إلى حرب أعصاب منها إلى مواجهة عسكرية مباشرة. إلا أن ما قد تغفل عنه طهران هو أن إسرائيل سبق لها أن شنت ضربات على إيران دون أن تتلقى أي رد، وهو ما شجّع تل أبيب على المضي قدماً. كما أن قطع صلة إيران بسوريا ولبنان يمنح إسرائيل جرأة إضافية. ويرغب نتنياهو في تنفيذ الضربة قبل انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة. لكن العقبة الوحيدة أمامه حالياً هي ترامب. ويبقى السؤال المطروح: إلى أي مدى سيصمد الرئيس الأمريكي أمام الضغط اللوبي الإسرائيلي؟ الوضع لا يزال على المحك، ولكن أخشى أن المؤشرات توحي بأن ميزان التصعيد قد يتجه من الحرب النفسية إلى صراع ساخن.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!