عبد الله مراد أُوغلو - صحيفة يني شفق - ترجمة وتحرير ترك برس

يهدف نظام الكازينوهات عادة إلى تحقيق الربح، ويكون قدر المقامرين بدءًا من لحظة دخولهم إلى نظام الكازينو أن يخسروا كل شيء وخزينة الكازينو هي الرابحة. ربح المقامرين بعض الأوقات يكون جزءًا لا يتجزأ من لائحات تسيير نظام الكازينو. بالطبع هدفها تشجيع المقامرين على اللعب من خلال هدايا أو أرباح قليلة لجعلهم يستمرون في اللعب وبالتالي تشويقهم للمغامرة أكثر. بطبيعة الحال هذه الهدايا هي من أموال المقامرين الآخرين الذين خسروا سابقًا، وأيضًا الرابحون في هذا الوقت مكتوب عليهم خسارة هذه الأموال لاحقًا لصالح مقامرين آخرين وهكذا تستمر العجلة بالدوران.  

الشرق الأوسط وما يحيط به من جغرافيا واسعة أصبح ساحة لعب للقوى العظمى. هذه الساحة منذ بداية القرن العشرين وبعد التدخلات القائمة على إعادة هيكلة طبيعة المنطقة عسكريًا وسياسيًا وثقافيًا واقتصاديًا أصبح يُطلق عليها "اللعبة الكبرى". حيث تمتد حدود هذه اللعبة من جنوب السودان إلى السهوب الكزاخستانية، ومن البلقان إلى جبال الهندو كوش، ومن بحر قزوين إلى البحر الأحمر، ومن المحيط الهاديء حتى المحيط الهندي. ظاهريًّا وبسبب الاكتشاف الجديد لحقول الغاز الطبيعي في المنطقة، يتبين لنا أن مركز اللعبة الكبرى سيكون "شرق البحر المتوسط".

القوى العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية محطتها الرئيسية في الشرق الأوسط هي إسرائيل. فالشرق الأوسط تمت إعادة تصميمه من جديد حتى تكون إسرائيل المستفيدة رقم واحد دائمًا وعلى جميع الأحوال. وبالنظر للأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط لم يأخذ أي نظام منهم مشروعيته عن طريق أصوات شعوبهم، بل هناك قوى تقف خلفهم تساندهم بالرغم من شعوب المنطقة. هذه الأنظمة وما بينها من اتفاقيات ومعاهدات مبنية على التناقضات. فلا توجد أي دولة من دول المنطقة لديها القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية الكافية والقادرة على جمع شعوب المنطقة. ولكن في الناحية الأخرى لم تكسب إسرائيل أي حرب دخلتها منذ العام 1950 بقوتها الذاتية لوحدها.

في الحرب التي دارت بين إيران والعراق كانت تصب جميع جهود القوى العظمى وعلى رأسها أمريكا بأن لا تخرج أي دولة من الدولتين كاسبة. فكلما كانت كفة الميزان تصب لصالح طرف تقوم هذه القوى بشكل خفي أو علني بدعم الطرف الآخر حتى تستمر الحرب متوازنة بين الطرفين. فعلى مدى ثماني سنوات من الحرب قدمت كل من العراق وإيران خسائر مادية وبشرية فادحة، وازدادت الاختلافات العرقية والمذهبية وانقسم الشعب إلى سنة وشيعة وعرب وأكراد، ولم يكن النصر حليف أي طرف في هذه الحرب. ومع الاحتلال الأمريكي للعراق أيضًا الذي زاد الطين بلّة زادت معه هذه التباينات.

كذلك الأمر بالنسبة للحرب الأهلية في العراق وسوريا، فلن تكون هناك غلبة لأي طرف من الأطراف المتصارعة على الآخر. قامت روسيا بدعم بشار الأسد عسكريًا بشكل مباشر ولكن هذا لا يضمن انتصار الأسد. وعلى غرار التدخل الروسي ستقوم القوى العظمى الأخرى بدعم الأطراف المناهضة للأسد حتى تبقى كفتي الميزان متوازنة ولا تصبح روسيا صاحبة الكلمة العليا في المنطقة بغض النظر عن الضحايا التي ستسقط. "فرّق تسُد" هو المبدأ المعمول به حاليًا للحد من تجمع شعوب المنطقة حول كلمة واحدة وقيام حضارة إسلامية مركزها تلك الجغرافيا.

أما عن العناصر والقوى الأصلية في المنطقة فموقعها في هذه اللعبة الكبرى هو "آتٍ وذاهب" فقط. فلن تقوم روسيا أو أمريكيا بجعل هذه القوى ذات قوة وسيادة في هذه اللعبة على حساب إسرائيل، ولن تكون لهذه العناصر التي تعمل تحت إمرة القوى العظمى دور سوى بما تمليه عليهم الإدارة الأمريكية والروسية. فالتاريخ علمنا دائمًا أن نستفيد من الأخطاء؛ فلتتذكر قوى المنطقة الخسائر التي سببها انهيار الإمبراطورية العثمانية للمنطقة، فالتاريخ لا يعد بمستقبل سعيد للذين يُلدغون من نفس الجحر.

عن الكاتب

عبد الله مراد أوغلو

كاتب في صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس