عاكف إمره - صحيفة يني شفق - ترجمة وتحرير ترك برس

بعد أحداث باريس الدامية كانت تصريحات المسؤولين والساسة وعلى رأسهم الإدارة الفرنسية تستحق الانتباه والتسجيل، فظهر المسؤولون الفرنسيين بمظهر يدل على الظلم الذي يُرتكب بحق المدنيين من شعبهم، وأتت التوعدات بالرد على المجزرة التي هزت أرجاء فرنسا.

فبعد الهجمات التي استهدفت باريس صرح الرئيس الفرنسي هولاند بأن "هذا العمل الإرهابي هو إعلان حرب ضدنا"، لكن هذه التصريحات لم تأتي واضحة وبدت مُموهة بعض الشيء، أليست فرنسا في حالة حرب تقودها في الشرق الأوسط منذ زمن؟! حيث كانت جنبًا إلى جنب مع أمريكا في العديد من العمليات العسكرية، كذلك الأمر بالنسبة للتدخل الدولي في ليبيا كانت فرنسا في مقدمة الدول التي شنت الهجمات الجوية، ففرنسا بطبيعة الحال في حالة حرب ساخنة إن لم تكن في وسطها.

هجمات باريس هي عبارة عن معركة انتقلت من الأراضي السورية إلى الأراضي الفرنسية، فالهجمات التي نفذتها فرنسا بالطائرات الحربية على المدنيين السوريين وقتلها الأبرياء والتدخل الإمبريالي في الشرق الأوسط بحجة القضاء على داعش، تريد فرنسا إضافة صبغة شرعية وإضافة مشروعية دولية لقنابلها التي راح ضحيتها مدنيين وتكرار الهجمات والاستمرار بها بحجة أخرى وهي الانتقام لمجزرة باريس.

تصريحات الرئيس الفرنسي هولاند بلا شك كانت تحمل في طياتها هذه المعاني، كذلك المسؤولون الفرنسيون كانت تصريحاتهم جميعها مشابهة وذات وجهين، فإذا أخذنا هذه التصريحات بعين الاعتبار وقمنا بتحليل النتائج المبنية عليها، ستكون الفاتورة الأكبر والتي سيدفعها اللاجئون السوريون في أوروبا، كذلك المسلمون بصفة عامة سيتأثرون بالقوانين والعقوبات التي ستسنها الحكومة الفرنسية والتي ستحد من حرية المسلمين في أوروبا وبالتالي عزلهم عن باقي طبقات المجتمع.

مثال آخر تصريحات وزير الخارجية البولندي الذي قال كلمات لم تُصرح بها باريس ولا لندن من قبل، حيث صرح قائلاً: " يجب علينا تسليح اللاجئين السوريين في أوروبا والدفع بهم إلى خضم المعركة على الأراضي السورية". فلسان الحال يقول أن يبعثوا باللاجئين إلى الموت، وكأن الأجهزة الذكية التي يحملها الشبان السوريون عاري الأقدام أزعجت الوزير البولندي، فبدلًا من أن يتحمل مسؤوليته كرجل سلام يعطي اقتراحات لتجهيز اللاجئين بالعدة والعتاد وإرسالهم للقتال في أوطانهم التي جاؤوا منها. هذه المقترحات تشبه ما فعلته بريطانيا في القرن الماضي اتجاه بورما، فالوزير البولندي ربما لم يتحمل رؤية شاب سوري يلبس "صندل بلاستيكي" وبيده جهاز إلكتروني.

في الطرف الآخر أتت مقترحات عديدة أهمها اقتراح سياسي سويسري بحظر التجول على المسلمين بعد الساعة الثامنة مساءًا، هل هذا دلالة على الحدود والقوانين التهميشية أم دلالة على التخوف العام من الدولة؟ أظن أن تصريحات النائب في البرلمان الدنماركي سورين اسبيرسن التي عملت ضخة كبيرة كانت الأكثر تناولًا في الإعلام حيث صرح قائلًا: "يجب علينا ضرب داعش في عمق معاقله، كان من المفروض علينا عدم التساهل مع منظمة إرهابية، فعناصر هذا التنظيم تختبئ خلف الأطفال والنساء، لكن من اليوم فصاعدًا لن نتساهل سنضربهم بقبضة من حديد، فهؤلاء النساء والأطفال ليسوا أبرياء لأنهم يقدمون الدعم لهذا التنظيم الإرهابي فجميعهم سواسية".

داعش يعمل ويسير على نفس الطريقة، فكانت تصريحات الناطق الرسمي باسم التنظيم بالأمس بأن هذه الهجمات ردًا على الهجمات التي ينفذها التحالف الدولي بقيادة أمريكا وعدد من الدول العظمى، فقد كان قدر فرنسا أن تتذوق من نفس الكأس الذي شرب منه داعش، فلم يُفرق بين بريء وقاتل وجندي وصغير وكبير، يا للعجب كم تتشابه أفكار هذا التنظيم مع أفكار العالم المتحضر فكلاهما يستعمل نفس لغة الرد ونفس لغة الحوار، وكأن مُلقن داعش من باريس، ومُلقن الغرب من تدمر!!!

عن الكاتب

عاكف إمره

كاتب في صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس