جلال سلمي - خاص ترك برس

1

أصبحت تركيا في الآونة الأخيرة بحاجة إلى كسب علاقات دبلوماسية متينة مع الأقطاب السياسية التي تُوصف وتُعرف بقوة تأثيرها في منطقة الشرق الأوسط، لأن القيادة التركية باتت ترى أن نتائج السياسة الدبلوماسية الاتحادية أقوى من تلك النابعة عن السياسة التنازعية القطبية.

انطلقت الحكومة التركية الحالية عام 2002، على أساس "تصفير المشاكل" وإنشاء علاقات حيوية متينة مع عدد كبير من الدول في المنطقة، وخاصة الدول الكبرى من حيث القوة مثل السعودية وإيران وإسرائيل.

واستمرت هذه السياسة كعنصر أساسي يميز السياسة الخارجية التركية إلى أن انطلقت ثورات الربيع العربي عام 2011، وهنا بدأت سياسة الاستقطاب تجر جميع الدول بما فيهم تركيا الحريصة على سياسة الحياد، وأصبح هناك قطبين أساسيين في المنطقة: القطب الأول القطب الداعم للثورات، والقطب الثاني القطب المقوض لتلك الثورات.

وقد تجتمع دول المنطقة في القطب الأول تارة وفي القطب الثاني تارة أخرى ولكن بأهداف مختلفة، بمعنى يمكن أن تكون إيران وتركيا والمملكة العربية السعودية وغيرهما دولًا داعمة للثورات ولكن كل حسب معاييره، فمثلًا تدعم إيران الثورة البحرينية، بينما تشجب الثورة السورية وتعدها مؤمرة دولية، والسعودية كذلك انقلبت على الثورة المصرية وشجبت الثورة البحرينية ولكنها تدعم الآن الثورتين اليمنية والسورية، بينما يبدو أن تركيا ترغب في دعم جميع الثورات المطالبة بالحرية بالاعتماد على معيار نشر الديمقراطية "العلمانية" البعيدة عن المذهبية وليس بمعناها التقليدي المحارب للدين والمشاعر والطقوس الدينية بشكل مطلق.

2

قبل انطلاق ثورات الربيع العربي لم يكن هناك صفوف استقطابية بارزة في المنطقة، فقبل ثورات الربيع العربي لم يُكشف النقاب عن مشروع إيران التوسعي ولا مشروع تركيا الداعم للثورات ولا عن مشروع السعودية في محاربة بعض الأقطاب "الشيعية" أو الأقطاب التابعة لإيران، مثل ما يحدث الآن في اليمن علنًا وفي سوريا ضمنيًا.

وصلت المنطقة إلى حالة احتدام شديدة، ومع مرور الأيام يظهر أن هذا الاحتدام في حالة انتقال من شديد إلى أشد، الأمر الذي جعل القيادة التركية تعيش حالة قلق شديد من إمكانية نشوب حرب ساخنة مباشرة في المنطقة بين إيران والسعودية، لذا عقب اندلاع الأزمة بين الطرفين، على الفور بادرت في تبني موقف الداعي إلى سياسة العقلانية وضبط النفس والابتعاد عن المشادة الكلامية.

3

وكبادرة لسعي تركيا التوافق مع إيران دبلوماسيًا بعيدًا عن المذهبية والطائفية، حرصت تركيا دونًا عن غيرها من الدول الأخرى على المشاركة في "مؤتمر الوحدة الإسلامية" الذي تم عقده في طهران بتاريخ 27 كانون الأول/ ديسمبر 2015، وأرادت تركيا تنشيط الدبلوماسية الدينية مع إيران لأنها تعي مدى إيلاء إيران الأهمية القصوى للدين.

وقد كان المسعى الأساسي لتركيا من خلال تنشيط هذه الدبلوماسية والدبلوماسية الاقتصادية هو إيجاد سبل توافق اتحادية مع إيران، تمكنها من التوصل إلى نقاط اتفاق مشتركة بما يخص المنطقة والتطورات الجارية بها.

4

وعلى صعيد آخر، تحاول تركيا ممارسة دبلوماسية واقعية براغماتية واضحة مع "إسرائيل"، لأن القيادة التركية أوضحت على لسان رئيس الجمهورية "رجب طيب أردوغان" أنها بحاجة إلى التوافق مع "إسرائيل" في الفترة الحالية التي تشهد فيها المنطقة الكثير من التحديات المُعقدة والمتشابكة.

واستنادًا إلى تصريحات أردوغان، نستنتج أن تركيا الآن تعيش في حال لا تحمد عليه، لا سيما بعد ظهور العديد من شواهد العزلة السياسية عليها، إذ تدهورت علاقتها مع روسيا ومن ثم إيران والعراق، وليس هناك تقدم جاد في علاقتها مع السعودية كما تُبرز وسائل الإعلام، وكما أن عدم جدية الولايات المُتحدة الأمريكية في التعاون مع تركيا وخططها، جعلها تبحث عن شريك حيوي يساندها في امدادها بالغاز ويكون ذو قدرة واسعة على إحداث العديد من التغيرات في المنطقة، ولم ترى القيادة التركية سوى "إسرائيل" هي العنوان الأساسي للتعاون وإيجاد دروب مشتركة لإعادة بلورة الأمن والاستقرار في المنطقة، خاصة من خلال الضغط الذي يمكن أن تشكله إسرائيل على القيادة الأمريكية.

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس