خلود الخميس - صحيفة العرب القطرية
دول معدودة تعاديها، ولكن لا تمارس العداء المباشر بل ترتبط معها بمصالح تجارية وسياسية مشتركة، ولكن من تحت الطاولات والستر السود تمول المنظمات الإرهابية لضرب عمقها.
تركيا، يتعاونون على إرهابها «فيضيع دمها وثأرها بين الدول».
هكذا أقرأ المشهد الذي ترزح تحته تركيا ولا أقول ترضخ لأنها لا تعرف هذا المصطلح ما دامت تدفعها شرعية الشعب الذي بمثابة مظلة للحكم في سماء عاصفة.
منذ خطاب «ون مينيت» الشهير لرجب طيب أردوغان في دافوس وكان آنذاك رئيساً للوزراء، والعالم يراقب ولادة سلطان مسلم جديد ولكن ببدلة وربطة عنق، ولا أعني السلطان بمفهوم الدراما التركية، جوارٍ وبذخ وتفاهة، بل قيادة وسلطة وحكم، عمل وتفانٍ وإخلاص، وتربية وقيم وسلوك دينيين.
يقلقهم هذا القائد؛ فدينه الإسلام ويتحدر من أصول دولة كانت ذات شوكة حكمت العالم لستة قرون وما يزيد تحت مسمى «الخلافة الإسلامية»، وأرهقت ملوك وأمراء أوروبا وأزعجت الفاتيكان والدولة الصفوية ولم تسقط إلا بخيانة من منافقي الداخل وقبل قرن فقط.
فصعود نجم حاكم محافظ، من هذه الخلفية، ويمارس شعائر الإسلام بل ويفخر بأنه مسلم في كل خطاباته لن يسمح به أولئك من دون إلقاء العراقيل في طريقه، وها هم يضعون أيديهم بأيدي عرب وكرد ويهود وفرس فقط لإطفاء ضوء هذا النجم.
ويصعب بل يستحيل هذا في نظام حكم مستقر، ويستمد قوته من القبول الشعبي والنظام السياسي المؤسسي.
فالبلديات والبرلمان ومؤسسة الرئاسة بعد أردوغان تمارس الاقتراب من الأحداث والتفاصيل اليومية التي لا يفعلها الرئيس في النظام البرلماني، ما يجعل النظام الرئاسي مطبقا حتى قبل إقراره وبهدف التلاحم مع الشعب.
سمعته يجيب عن سؤال في مقابلة حول كثرة الأحاديث التي يوجهها للشعب: من سيمنعني من مخاطبة الشعب التركي الذي اختارني رئيساً لأخدمه؟! سؤال منطقي لم يستطع المذيع أن يجيب عنه.
ومن السذاجة أن نحاسب تركيا على علاقاتها مع إسرائيل وإيران وأميركا وأوروبا ووووو، واعتبارها بناءً عليه شريكاً في سلوكيات تلك الدول تجاه العرب والمسلمين. فتركيا تنتهج البراغماتية، وبوجود دستور علماني، يسعى البرلمان الحالي لتغييره بالتوافق مع الكتل البرلمانية الأخرى، من المستحيل أن تفرض أجندتها على الدول بمقابل العلاقات. لا تدار الدول العظمى بهذه العقليات، فهذا سلوك دول تمارس منهجية أطفال يلعبون في الحارة. في الإدارة: إن لم تكن معي فأنت ضدي، ولكن العلاقات السياسية لا تخضع للثبات، وتحكمها المصالح المشتركة وتقارب وجهات النظر وليس تطابقها في بعض الملفات، وقد يحدث اختلاف في ملفات أخرى.
تلك هي السياسة، ما دامت لا تحكمها ثوابت الشريعة الإسلامية ستبقى متغيرة وتخضع للنفعية.
تركيا دولة تمتلك مواصفات الدول العظمى من مساحة وسكان واقتصاد ونظام سياسي، وما عليها في ظل هذه المؤامرة ضدها إلا أن تنتقل إلى تنفيذ أكبر مخاوف المجتمع الدولي وتعلن «الإسلام دين الدولة».
طبقة عريضة من ناخبي حزب العدالة والتنمية لم تختره بسبب التزامه بالقيم الإسلامية، بل لما حققه على مستوى الاقتصاد والعدالة الاجتماعية ورفع الدخول والخدمات الصحية والإسكان وغيرهم، ولكن أليس كل إنجاز للحزب بسبب تطبيق تلك القيم ذات المرجعية الإسلامية التي جعلتهم أمناء وأقوياء؟
الدولة علمانية نعم، والصراع أكبر من حسابات الساسة، ولكن تمام النصر الإلهي مشروط بنصر الدين عند التمكين، فمن يهز جذع تركيا؟!
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس