ربيع الصعوب - خاص ترك برس

وصف رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو اتفاق الهدنة في سوريا بأنه مليء بالأفخاخ فيما قال إن تركيا لن تكون داخل الاتفاق في حال هدد أمنها القومي.

ولا ترى أنقرة تهديدًا أكبر من تقدم الفصائل الكردية نحو حدودها الجنوبية فيما يعكف مسؤولوها على التحذير من خطر هذه الجماعات على أمن تركيا.

أنقرة تتهم النظام السوري بقتل نصف مليون مواطن وتقول إنه أبعد ما يكون عن الديمقراطية، لكن التهديد الذي زرع قرب خاصرتها الجنوبية باسم "قوات سوريا الديمقراطية" حرك مدافعها التي بدأت بقصف مواقع الفصائل الكردية في شمالي سوريا...  قصف يحمل نبرة التهديد أكثر من التأثير الفعلي على تقدم هذه القوات حيث ترجمت نغمات المدافع تصريحات لبعض المسؤولين الأتراك "لا تقتربوا أكثر".

بنبرة ساخرة يسرد أردوغان مشهدًا جمعه مع رئيس النظام السوري بشار الأسد حين حاول مرارًا وتكرارًا إقناعه بمنح الجنسية السورية للأكراد الذين يقطنون شمالي سوريا بدون فائدة لكن الأكراد اليوم  يحظون بدعم النظام السوري بل ومنحت الجنسية لهم وفق مرسوم رئاسي أعقب انطلاقة الاحتجاجات في سوريا وهو ما فسرته تركيا على أنه استخدام لورقة الأكراد ضدها حيث ترى أن الفصائل الكردية المسلحة في سوريا ماهي إلا امتداد لحزب العمال الكردستاني الذي تخوض الدولة التركية ضده معارك منذ عشرات السنين لرغبته في الانفصال بجنوب شرقي البلاد عن تركيا.

"تركيا خارج اتفاق الهدنة"

لا تخفى نظرة الريبة في تصريحات المسؤولين الأتراك تجاه اتفاق الهدنة في سوريا حيث استبق رئيس الوزراء التركي داود اوغلو بدء سريان الاتفاق بتصريح يضع فيه أمن تركيا القومي خارج إطار الاتفاق قائلا "إن المدافع ستقصف مناطق في سوريا في حال شعرنا بالتهديد".

هذا التصريح سبقه تصريح لصحيفة محلية وصف فيه داود اوغلو اتفاق الهدنة بأنه مليء بالأفخاخ، مشككا بنزاهته وقائلًا إنه يكيل بمكيالين إذ يتشدد ضد المعارضين ويتراخى مع النظام السوري وحلفائه.

"هل أنتم معنا أم ضدنا"

على وقع تصفيق مخاتير تركيا، وهم مسؤولون محليون يجتمعون دوريا مع الرئيس التركي في أنقرة، وجه رجب طيب أردوغان انتقادات حادة للولايات المتحدة بأنها طرف لا يمكن الوثوق به حيث خاطبها بقوله:

"يا أمريكا... هل أنتم معنا أم مع المنظمات الإرهابية... عندما نخبركم بخطر هذه الجماعات توافقوننا بعدها نتفاجئ بتصريحاتكم... كيف لنا أن نثق بكم!".

هذه الانتقادات الموجهة  ضد الغرب والولايات المتحدة ليست الأولى التي يطلقها أردوغان خاصة فيما يتعلق بأمن تركيا وتداعيات الأزمة السورية عليها إلا أن لغة الواقع تبدو مختلفة عن لغة التصريحات فالتعاون الأمريكي التركي في هذا الإطار وثيق، شمل فتح قاعدة إنجيرليك الجوية أمام الطيران الأمريكي لضرب تنظيم داعش إضافة إلى عضوية كل من البلدين في حلف الناتو وعلاقاتهما الاقتصادية القوية إلا أن أولويات أنقرة وهي القريبة من مركز الحدث السوري تختلف جذريا عن أولويات الولايات المتحدة التي تشارك في إدراته من وراء البحار، وقد ألمح الرئيس التركي إلى ذلك بقوله: "يجرّمون تركيا في حال دافعت عن أمنها من خطر يبعد عنها كيلومترات قليلة ويقودون حملات عسكرية مئات آلاف الكيلومترات في العراق وأفغانستان حماية لأمنهم القومي".

وشكل  تقدم قوات الفصائل الكردية تجاه الحدود التركية فرصة لوجود قنوات اتصال جغرافية مباشرة مع حزب العمال الكردستاني فيما تستمر الاستفزازات الموجهة لأنقرة مرة من المبعوث السوري في الأمم المتحدة بشار الجعفري الذي أكد دعم دمشق للفصائل الكردية وأخرى من روسيا الحليفة الكبرى للنظام السوري بافتتاح مكتب تمثيلي لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في موسكو حيث صبغ المكتب بصورة أوجلانية، حيث تصدرت جدرانه صورة عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني الذي ما زال يملك القدرة على التأثير في جنوب شرقي البلاد على الرغم من أنه قابع في سجن داخل جزيرة إمرالي التركية تحت حراسة أمنية مشددة.

"لا يريدون أن يقتنعوا"

واشنطن تنظر إلى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي القوة الضاربة في قوات سوريا الديمقراطية على أنه الفارس ذو الحصان الأبيض الذي سيهزم داعش في سوريا وترفض ربطه بحزب العمال الكردستاني  الذي تصنفه الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية.

غير أن أنقرة تؤكد أن الحزبين الكرديين ليسا إلا جناحين لجسد المشروع الكردي الانفصالي وترى أن بريق حرب داعش خطف أبصار واشنطن ومنعها ممن رؤية هذا الواقع أو أنها لا ترغب في رؤيته أصلا.

ومع ثبات موقف واشنطن الرافض لسماع الصوت التركي فيما يخص الفصائل الكردية في الشمال السوري خصوصا مع وجود إثباتات قالت أنقرة إنها سلمتها لواشنطن بخصوص ارتباط الجماعتين، بدأ طيف من المحللين يرى أن واشنطن تستخدم الفصائل الكردية في شمالي سوريا كسيف ذي حدين تارة في وجه تنظيم داعش في سوريا وتارة أخرى للضغط على تركيا التي لا تخفي قلقها حيال اختلاف واشنطن وموسكو على معظم القضايا الإقليمية واجتماعهم في دعم أعدائها من الفصائل الكردية في الشمال السوري.

عن الكاتب

ربيع الصعوب

محرر، ومقدم تلفزيوني


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس