جلال سلمي - خاص ترك برس

تأمل الكثير من الترك والعرب وأصحاب الضمائر أن تقوم تركيا بتحريك أساطيلها البحرية وأسرابها الجوية وأرتالها البرية لضرب النظام السوري وصده عن حلب التي تعرضت لأبشع جرائم العصر خلال الأسبوع الماضي.

هذا وعلى الرغم من تحريك أردوغان لجيشه عبر فيديو مفبرك، إلا أن الحقيقة أظهرت أن تركيا دعت من جديد إلى توحيد الجهود الدولية والإقليمية لإقامة المنطقة الآمنة والقضاء على نظام الأسد "المستبد"، عقب جرائم حلب التي قام بها الأخير.

التعويل على التدخل العسكري في تركيا هو شعور عاطفي لا يمت للواقع بأي صلة، ليس لأن تركيا دول خاذلة أو متواطئة، بل هي نعم المثال الجيد في المعاضدة، ولكن المنظور التاريخي للتحرك العسكري التركي خارج الحدود القومية يوحي بأن تركيا لم تشارك في مهمات تدخل عسكري من أجل الإنسانية إلا تحت ظلال الأحلاف الدولية أو الإقليمية المرتكزة على قرارات دولية صادرة عن مجلس الأمن أو إحدى الدول العُظمى التي تعتمد في قرارات تدخلها على المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تسمح للدول بالاتحاد للدفاع عن أنفسها أو إجراء تحرك عسكري ضد أي نظام أو جهة تهدد الأمن الداخلي.

وقبل الضلوع في ذكر الأسباب التي تجعل تركيا حريصة على الانضمام لهذه التحالفات لإجراء تدخل عسكري ضد نظام جائر، لا بُد من ذكر بعض الأمثلة على التدخلات العسكرية للجيش التركي خارج حدوده القومية عبر التاريخ:

ـ إرسال كتيبة عسكرية بتاريخ 17 أيلول/ سبتمبر 1950 من ميناء الإسكندرون نحو ميناء بوسان الكورية للمشاركة في الحرب الكورية التي اندلعت بقرار من الأمم المتحدة.

ـ إرسال سرب من الطائرات للمشاركة في صد صربيا عن جرائمها المرتكبة ضد المسلمين في كوسوفو والبوسنة والهرسك، وذلك في عام 1999.

ـ وكمثال تاريخي قريب؛ مباركة تركيا لتدخل الناتو ضد القذافي عام 2011، ودعمها لقوات الناتو لوجستيًا.

أما فيما يتعلق بالأسباب التي تكبح تركيا عن القيام بتدخل عسكري بمفردها فهي:

ـ الحصار العسكري والاقتصادي الذي فرض عليها عقب تدخلها العسكري في قبرص عام 1974، لإنقاذ القبارصة الأتراك، والذي استمر لما يقارب الستة أعوام مكلفًا تركيا تكاليفًا باهظة، وقد فُرض الحصار عليها على الرغم من اعتمادها على اتفاقية الضمان الموقعة بتاريخ 11 شباط/ فبراير 1959 بينها وبين اليونان وإنجلترا والموافق عليها من قبل الأمم المتحدة، وعلى الرغم من إعلانها الاعتماد على المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، لإجراء تدخل عسكري يساهم في إيقاف الجرائم العنصرية المرتكبة، إلا أن جميع هذه الحجج القانونية وحتى تقاربها الوثيق مع الولايات المتحدة الأمريكية والناتو لم يشفع لها في تجنب الحصار، وفُرض عليها الحصار الخانق من قبل الدول التي كانت ترى فيها الصديق، وهذا ما يخشاه قادة تركيا الحاليين الذين عاصروا ذلك الحصار ووقائعه الأليمة.

ـ عدم وجود قدرة اقتصادية كافية لإجراء التدخل العسكري؛ فقدت تركيا نتيجة لحالة عدم الاستقرار الموجودة في دول الشرق الأوسط ما يقارب 40% من حجم صادراتها، وانخفض معدل نموها السنوي إلى ما دون ال 5%، بعدما كان نادرًا ما ينخفض عن ال 6% منذ عام 2002. تأتي هذه الخسائر الباهظة في ظل حذر تركيا من التدخل العسكري، فكيف إن غامرت وتدخلت عسكريًا؟ يمكن أن يؤدي ذلك إلى تدهور ضخم في الاقتصاد التركي ولا يمكن لتركيا المخاطرة في ذلك، وتردد أروقة المؤسسات الحكومية التركية عبارة "روسيا بقدرها لم تستطع الصمود في سوريا سوى أشهر فكيف تركيا؟".

القيادة التركية تريد إجراء تدخل عسكري وهي تمتلك القدر الكافي من العزيمة والإرادة ولكنها بحاجة ماسة إلى تحالف دولي أو إقليمي قوي وغطاء قانوني دولي يجنباها العواقب الوخيمة التي يمكن أن تظهر للسطح عقب ذلك التدخل.

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس