إسماعيل ياشا - أخبار تركيا

أحداث الشغب الأخيرة التي شهدتها تركيا خلال مظاهرات خرجت بحجة الاحتجاج على محاصرة مدينة عين العرب “كوباني” من قبل تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” المعروف إعلاميا بــ”داعش”، ومقتل عدد من أنصار حزب “هدى” الكردي المقرب من تنظيم “حزب الله التركي” في تلك الأحداث أدّت إلى احتدام النقاش حول عملية السلام الداخلي ومستقبل المصالحة مع حزب العمال الكردستاني.

حزب “هدى” الكردي بعد هجوم عناصر حزب العمال الكردستاني على مقراته ومقتل عدد من أنصاره ناشد الحكومة التركية بأن تشمل عملية السلام الداخلي جميع الأكراد وأن لا تكتفي الحكومة بالمصالحة مع حزب العمال الكردستاني فقط بل وتستمع أيضا إلى الأحزاب والجماعات الكردية أخرى. وهذه المناشدة أيَّدتها منظمات للمجتمع المدني وجماعات إسلامية تنشط في المناطق ذات الأغلبية الكردية.

وسائل الإعلام العالمية حين تتحدث عن أي موضوع متعلق بحزب العمال الكردستاني تستخدم غالبا عبارة “الأكراد”، وإن كان معظم قادة الحزب وعناصره من الأكراد فإن هذا الاستخدام بشكل مقصود أو غير مقصود يوحي بأن حزب العمال الكردستاني يمثل كافة الأكراد، وهذا غير صحيح ولا يعكس الواقع، لأن الأكراد فيهم من يؤيد حزب العمال الكردستاني وفيهم من يعارضه بشدة، وفيهم الإسلاميون والعلمانيون والقوميون والديمقراطيون والشيوعيون كما أن فيهم الصوفيين والسلفيين والإخوان وغير ذلك من الجماعات والتيارات الإسلامية. وبالتالي، لا يصح على الإطلاق اختزال الأكراد كلهم في حزب العمال الكردستاني وتوجهاته وسياساته.

الأمر نفسه ينطبق على أكراد سوريا، وعلى الرغم من اللغة السائدة في وسائل الإعلام لا يمكن القول بأن حزب الاتحاد الديمقراطي بقيادة صالح مسلم يمثل أكراد سوريا كلهم، بل هناك خلافات عميقة بين مختلف التيارات والأحزاب والجماعات الكردية. وإلى وقت قريب، كان حزب الاتحاد الديمقراطي يرفض بشدة دخول قوات البشمركة إلى مدينة عين العرب “كوباني”، بل أكثر من ذلك كان أنصار حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي يشتمون قوات البشمركة ويتهكمون عليها ويتهمونها بالجبن والهروب من قتال تنظيم “داعش”.

وأما كردستان العراق فالصورة هناك أكثر وضوحا بفضل ما يتمتع به الإقليم من الديمقراطية والمؤسسات، ولذلك علاقات أنقرة مع أربيل هذه الأيام على ما يرام. وكإحدى ثمار هذه العلاقات فتحت تركيا ممرا لقوات البشمركة حتى تصل إلى مدينة عين العرب “كوباني”. وبعد إرسال تلك القوات إلى عين العرب “كوباني”، تقدم رئيس وزراء كردستان العراق نيجيرفان بارزاني بالشكر إلى تركيا، كما قال رئيس الإقليم مسعود بارزاني: “لولا موافقة تركيا ومساعدتها لما كان من الممكن أن تذهب قوات البشمركة إلى كوباني.”

حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية الأخيرة حصل على نسب أعلى من النسب التي حصل عليها حزب الشعوب الديمقراطي، الذراع السياسي لحزب العمال الكردستاني، في بعض المحافظات ذات الأغلبية الكردية وفي بعضها الأخرى حل في المرتبة الثانية وحصل على نسب لا بأس بها. وهذا أكبر دليل على أن الأكراد ليسوا على قلب رجل واحد كما أنهم ليسوا تماما في جعبة حزب العمال الكردستاني. بل هناك اختلافات في وجهات النظر والمواقف حتى في داخل حزب الشعوب الديمقراطي نفسه.

النائب ألطان طان اعترف بأن دعوة حزب الشعوب الديمقراطي أنصاره إلى الشوارع دون أن يفكر في عواقبها كانت خاطئة وأن أنصار حزبه هم الذين هاجموا أولا على مؤيدي حزب “هدى” الكردي خلال المظاهرات التي خرجت بحجة نصرة عين العرب “كوباني”، كما اعترف بأن حزبه أخطأ في موقفه من الانقلاب العسكري في مصر وقال إن الحزب كان عليه أن ينظِّم على الأقل مظاهرة واحدة للتنديد بالانقلاب العسكري.

المصالحة مع حزب العمال الكردستاني لإنهاء الصراع المسلح خطوة بالاتجاه الصحيح إلا أن عملية السلام الداخلي وحل المشكلة الكردية أشمل من هذه الخطوة. وبالتالي، فإن الحكومة يجب أن تستمع إلى جميع الأكراد بالتوازي مع جهود المصالحة مع حزب العمال الكردستاني، وأن لا تسمح لبعض قادة الحزب المقيمين في جبال قنديل باختطاف مصير الأكراد وبإفساد عملية السلام الداخلي، بإيعاز من القوى الإقليمية والدولية المعادية لتركيا بسبب موقفها من الثورة السورية وتطلعات شعوب المنطقة.

عن الكاتب

إسماعيل ياشا

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس