محمود حاكم محمد - خاص ترك برس

رغم أن الحكومة حزب العدالة والتنمية تعمل بجد لمنع اجراء محاولة انقلاب ثانية، منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة التي جرت في 15 يوليو/ تموز الماضي (إحداها عملية القبض على نواب حزب الشعوب الديمقراطي حيث كانت بهدف منع القيام بمحاولة انقلاب أخرى)، إلا أن هنالك أيدي في خفاء تحاول حياكة انقلاب عسكري ثاني في تركيا على أسلوب انقلاب 12 سبتمبر/ أيلول 1980.

ولإدراك الخطة التي يتم تنفيذها حاليًا علينا أولًا تحليل الأحداث التي جرت ومهدت لوقوع انقلاب 12 سبتمبر.

قامت الدول الغربية عبر خطط مدروسة بتقسيم الشعب التركي يومها إلى فئات أبرزها اليمين واليسار التركي وزرع قياديين تابعين لها في تلك الفئات. بعد ذلك تم الانتقال إلى مرحلة خلق النزاع بينها وتنميته. الخطوة التي تلتها كانت تهريب الأسلحة إلى تركيا وتوزيعها على أفراد من كلا الفئتين (اليمينيين واليساريين) تم تدريبهم مسبقا على استخدامها وبهذا تم الوصول إلى المراحل الرئيسية من الخطة.

والمراحل الرئيسية من الخطة كانت كالتالي:-

- قتل قياديين وأفراد بارزين من كلا الفئتين لجعل نار الفتنة أكبر.

- قيام كل فئة بإغلاق بعض الشوارع الفرعية في المدن الكبرى ومنع قوات الأمن وأي مواطن لا ينتمي إليهم من الدخول.

- القيام بأعمل شعب وكأن البلاد تعيش حرب أهلية لنشر الخوف والذعر بين المواطنين.

وأخيرًا قام كنعان إيفرين رئيس هيئة الأركان يومها بإجراء انقلاب عسكري مستغلًا إلى جانب الأحداث المذكورة أعلاه الوضع السياسي في البلاد حيث أن البرلمان التركي لم يستطع انتخاب رئيسا للجمهورية منذ 6 أبريل/ نيسان 1980 حتى قيام الانقلاب، تحت شعار حماية العلمانية ومبدأ أتاتورك وإعادة الأمان وطمأنينة للبلاد.

تعيش تركيا اليوم أحداث مشابهة لما للأحداث المشابهة التي مهدت لانقلاب 12 سبتمبر/ أيلول قد تكون (برأي الشخصي) سببًا لمحاولة انقلابية جديدة، كدليل على ذلك، حتى لا يعتقد البعض أنني أبالغ في حديثي وأن الأمر مجرد توقعات لا أساس لها:

- قيام جماعات ينتمون إلى ما يسمى بـ "بيوت الشعب" التابعة لحزب الشعب الجمهورية بعمليات الإرهاب الاجتماعي عبر إلقاء خطابات في المقاهي والشوارع ومحطات قطار الأنفاق إلخ، لمختلف المدن التركية، تتضمن ما يلي:

- اتهام حكومة حزب العدالة والتنمية بدعم داعش التي قامت بعمليات إرهابية في مختلف مدن البلاد مشيرين أن الشعب سئم من ذلك وأنهم لن يسكتوا بعد الآن على ما يجري في البلاد وأنهم لن يسمحوا للرجعيين (أي الإسلاميين) الوصول إلى أهدافهم وأنهم سيقومون بحماية العلمانية.

- تحميل الأتراك الإسلاميين، انفجار الملهى الليلي "رينا" الذي وقع ليلة رأس السنة الميلادية الأخيرة عبر قولهم "إن الإسلاميين الذين يرفضون احتفالات رأس السنة هم وراء هجوم رينا"، بهدف تقسيم الشعب إلى فئات إسلاميين وعلمانيين (غير إسلامي).

- اتهام حكومة الحزب الحاكم بظلم الأقليات مثل العلويين والأكراد وعدم مراعات حقوقهم بهدف انشاء نزاع سُنّي – علوي، تركي – كردي في البلاد.

- تأكيد زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو، وعددت مرات "أنه لن يتم الإنتقال النظام الرئاسي دون إراقة الدماء".

- قيام أيكوت أردوغدو النائب عن حزب الشعب الجمهوري بنشر تغريدة ذكر فيها "أن البلاد قد تشهد اغتيالات وأن الجوامع وبيوت الجمع العلوية قد تتعرض لاعتداءات خلال فترة الاستفتاء على الدستور الجديد" بهدف إشعال نار الفتنة مذهبية وإلقاء الذعر في قلوب المواطنين.

هذا على المستوى السياسي أما على المستوى العسكري، أود الإشارة إلى أن العديد من القادة العسكريين لم يعلون موقفهم تجاه محاولة الانقلاب الفاشلة حتى نجاة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من محاولة الإغتيال وعدم معرفة مكان تواجده (إضافة إلى الإتفاق المجرى بين حركة غولن ووسائل الإعلام وهذه قصة أخرى) وتوجيه ندائه للشعب التركي بالخروج إلى الشوارع مواجهة الإنقلابيين. بمعنى أنهم كانوا راضين عن ما يجري وينتظرون خبر اغتيال أردوغان ليعلنوا موقفهم (حسب رأي الشخصي). وكدليل على ذلك أنه لم يتم إخراج حتى دبابة واحدة لتواجه دبابات الإنقلابيين في حين أن وظيفة  الجيش هو حماية البلاد من أي اعتداء سواء داخلي أو خارجي. وبعد نداء أردوغان لم يعد هنالك داعٍ لذلك حيث أن الشعب قام بمواجهة الدبابات التي خرجت إلى الشوارع والإمساك بالإنقلابيين الذين يقودونها.

من جهة أخرى يعتبر الانقلاب فرصة للقادة العسكريين للقيام برفع رتبهم من ناحية وفرصة لإختلاس أموال الدولة حيث أنه لا يمكن لأي جهة حكومية أو سياسية بمحاسبة العساكر الانقلابيين في حال نجحهم في إجراء الانقلاب.

كما تجدر الإشارة عن استياء بعض القادة العسكريين بشأن تقليص صلاحيات هيئة الأركان العامة والجيش مما قد يجعلهم يقومون بدعم محاولة إنقلابية جديدة في حال توافر الأجواء المناسبة بهدف استرجاع صلاحياتهم.

كـيـف سـيـتـم تـطـبـيـق الـخـطـة؟

تـشـويـش الأفـكـار

في الواقع لقد تم فعلًا البدء بتطبيق الخطة عبر الهجمات الإرهابية الأخيرة وقيام الأفراد المنتمون لبيوت الشعب بتشويش أفكار فئات من الشعب التركي من خلال اتهام الحكومة بدعم داعش، وجعلهم يعتقدون (يؤمنون) أن الشعب مقسم فئات معارض للحكومة (علمانيين، علوي، كردي) – موالي للحكومة (إسلاميين، سُنّي، تركي) كخطوة أولى.

ضـرب الـفـئـات بـبـعـضـهـا

الخطوة التالية ستتمثل بتشكل فئة أو فئات موالية للحكومة يقودها أشخاص ولاؤهم الفعلي للغرب، تقوم بمهاجمة معارضة الحكومة لإشعال فتيل النزاع ومن ثم يتم الانتقال إلى مرحلة استخدام الأسلحة واغتيال بعض القيادات من كلا الطرفين إلى جانب اتهام قوات الأمن (الشرطة) بدعم الفئة المناصرة للحكومة وبهذا تزداد نار الفتنة وربما مهاجمتها أيضا من قبل المعارضين.

انـتـشـار أعـمـال الـشـغـب وجـعـل الـشـعـب يـعـتـقـد بـأن الـبـلاد تـعـيـش حـربًا أهـلـيـة

القيام بمهاجمة الجوامع وبيوت الجمع العلوية والاعتداء عليها بهدف إشعال نار الفتنة مذهبية والطائفية (كما جرى في العراق) وإلقاء الذعر في قلوب المواطنين.

الـتـدخـل الـعـسـكـري

وأخيرًا قيام الجيش بالتدخل (بصفته المنقذ) وإطاحة الحكومة بانقلاب عسكري بحجة إعادة الأمن السلام إلى البلاد وإعادة الديمقراطية التي سلبت عبر النظام الرئاسي الدكتاتوري.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو على علم بهذه الخطة؟ الأمر الذي جعله يؤكد بأنه لن يتم الانتقال إلى النظام الرئاسي دون إراقة الدماء؟

عن الكاتب

محمود حاكم محمد

باحث في الشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس