تشاغري إرهان – صحيفة أكشام – ترجمة وتحرير ترك برس

يبدأ الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" بزيارة رسميّة إلى تركيا للمشاركة في اجتماعات قمّة التّعاون التركي الروسي. وتشكّل المجالات الاقتصادية سواءً السياحة والتّجارة والطّاقة والصّناعة محور المحادثات التي سيجريها الرئيس بوتين مع المسؤولين الأتراك.

ولا شكّ أن غياب الأزمة الأوكرانية والأزمة السورية عن طاولة المباحثات يعدّ من أكبر المفاجأت غير المتوقّعة. فحضور الملفّين السوري والأوكراني لا بدّ منهما، لا سيما أنّ الجميع ينتظر ما سيسفر عنه الاجتماع بين الزّعيمين في هذا الصّدد.

ومنذ بداية الأزمة السورية، كان هناك شرخ كبير بين وجهات نظر البلدين. فبينما اعتبرت القيادة التركية النّظام السوري بأنه فاقد للشّرعية منذ أوائل عام 2011، بادرت الحكومة الروسية إلى توطيد علاقاتها بشكل أقوى مع النّظام السوري ورئيسه بشار الأسد.

كما قامت الحكومة التركية بدعم الحراك السياسي المعارض للنظام السوري والجناح العسكري المتمثّل بالجيش السوري الحر. وبالمقابل قامت الحكومة الروسية بمساندة النّظام الذي ظلّ يصف المعارضة السياسية بالانفصاليّين والمعارضة المسلّحة بالإرهابيّين.

تركيا دعت من جهتها المجتمع الدّولي إلى أخذ التّدابير اللازمة للإطاحة بالنّظام البعثي السوري في جميع المحافل الدّوليّة التي شاركت فيها، بينما عملت روسيا على إحباط كافة محاولات مجلس الأمن فيما يخصّ إصدار قرارٍ بحقّ رئيس النّظام السّوري.

ولم تكتفِ القيادة الروسية بالدّعم السياسي، بل تجاوزت ذلك إلى أن أمدّت النّظام بأحدث الأسلحة والسّفن الحربية.

وهذا الملخّص البسيط الذي قمنا بسرده، يكفي لأن نقول بأن إدارة الدّولتين تنظران من نافذتين مختلفتين للقضيّة السّورية. لكن علينا أن لا ننسى أن المسألة السورية اليوم لم تعد كما كانت عام 2011. فهناك الكثير من الظروف والوقائع الميدانية والسياسية قد تغيّرت. وهذه حقيقة لا يمكن لأحد أن يتجاهلها.

أوّلاً: خلال الفترة الماضية لم تستطع المعارضة السورية بجناحيها العسكري والسياسي لمّ شملها وتوحيد نفسها بشكل منتظم ضدّ النّظام البعثي في سوريا. فعدم التنسيق الحاصل في صفوف المعارضة المسلّحة، أوصل الكتائب المقاتلة إلى خسارة شبه محتّمة. فليس هناك الآن عاصمة أوروبية تعوّل على الجيش الحر من أجل الإطاحة بالنّظام البعثي في سوريا. ولا أستثني من هذا الكلام العاصمة التركية أنقرة.

ثانياً: إنّ تعاظم قوة تنظيم الدّولة الإسلامية وسيطرتها على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، عكس موازين القوى وقلب حسابات الدّول العظمى. فظهور هذا التنظيم في هذه الفترة أدّى إلى نشوء ضغوطات على المناطق الخاضعة لسيطرة بعض الطّوائف كالتركمان والأكراد. كما أدخل ظهور هذا التنظيم مفهوم الإرهاب العالمي للأزمة السورية.

أدّى وجود تنظيم الدّولة الإسلامية في سوريا إلى تغيّر كبير في السياسات الأمريكية تجاه النّظام السوري ورئيسه بشار الأسد. فالإدارة الأمريكية كانت تصرّ على ضرورة الإطاحة بنظام الأسد قبل اشتداد قوة تنظيم داعش. أمّا الأن فقد بدأت تتحفّظ على بعض الخطوات المفترض تنفيذها ضدّ هذا النّظام بداعي أنّ محاربة تنظيم الدّولة أهمّ من الإطاحة بالرئيس الأسد في الوقت الرّاهن.

وما يثير العجب أن دولاً مثل الولايات المتّحدة الأمريكية وإسرائيل وروسيا وإيران والعراق، اتّفقت من دون إعلانٍ ضدّ ما أسموه خطر تنظيم الدّولة الإسلامية.

ثالثاً: وصل عدد اللاجئين السوريّين في تركيا إلى ما يقارب المليونين، وبلغت نفقاتهم خمسة مليارات دولار، وقد أدى هذا الارتفاع إلى إعادة التفكير بسياسة الباب المفتوح التي تتّبعها الحكومة التركية. ففي حال سيطرة القوات النّظامية لمدينة حلب، من المتوقع نزوح ما يقارب المليون لاجئٍ إلى الأراضي التركية. وهذا ما سيجبر الحكومة التركية على أخذ تدابير احتياطية.

وتأتي أهمّية الاتّفاق التركي الروسي، من أجل تفادي كل الاحتمالات السلبية التي تمّ ذكرها. فلو تمكّن الطّرفان منذ بداية الأزمة السورية من العمل سويّةً لحل الأزمة، لما تفاقمت الأوضاع في سوريا إلى هذا الحد.

تعتبر زيارة الرئيس بوتين إلى تركيا نقطة تحوّل في هذا الصّدد. ولكي يتمكّن الطرفان التركي والروسي أن يتبنّيا سياسةً مشتركة حيال الأزمة السّورية، لا بدّ من توفّر أربعة شروطٍ وهي:

1 – على القيادة الروسية أن توقف دعم النّظام عسكريّاً وأن تمنع القوّات السّورية من الاعتداء على المدنيّين.

2 – على تركيا أن تحصر المعارضة السورية بالجناح السياسي فقط وأن تعمل على إنهاء الصّراع الميداني.

3 – على الدّولتين أن تتبنّيا استراتيجية مشتركة من أجل تطهير المنطقة من خطر تنظيم الدّولة الإسلامية.

4 – على القيادتين تشكيل آلية لإعادة اللاجئين إلى مناطقهم وذلك تحت إشراف وضمانةٍ تركيةٍ وروسية.

عن الكاتب

تشاغري إرهان

كاتب في صحيفة أكشام


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس