د. زهير حنيضل - خاص ترك برس

لقد أوغلت السنين في السوريين إيلاما، فتعددت آلامهم وتنوعت أصناف معناتاهم، حتى باتت المعاناة ضيفًا ثقيلًا على بيت كل سوري حيثما كان، تفرّق السوريون فباتت العائلة الواحدة مقسومة على بلدين أو ثلاثة بلدان، يفصل أبناءها عن بعضهم البعض حدود وقوانين صارمة، جعلت مسألة اللقاء شبه مستحيلة.

بالنظر للدول المجاورة التي هاجر إليها السوريون، نرى أن لتركيا النصيب الأكبر من حيث الأعداد، ولا يقتصر الأمر على كونها الأقرب فحسب، فهناك عوائل كثيرة نزحت إلى تركيا من درعا ودمشق وحمص مفضلةً تركيا على بقية دول الجوار، وما ذلك إلا لحسن الضيافة الذي قدمته الحكومة التركية لأشقائها السوريين.

ندرك المخاوف الأمنية للداخل التركي، إلا أن هذه المخاوف كبّلت المهاجر السوري بقيود فوق طاقته، جعلته يدفع ثمن حالةٍ أمنيّةٍ لا يد له فيها، إنما صنعتها مخابرات نظام الأسد الفاشي وذراعيه "داعش والعمال والكردستاني"، فهي تريد ملاحقة السوريين حيثما حلوا وارتحلوا، لتجعل منهم عبئًا على الدول الّتي تستضيفهم حتى بات السوريون في سجن كبير.

أمران ملحان للسوريين في تركيا

الأول

مشكلة إذن السفر للتنقل بين الولايات التركية، وهنا أقول وبكل بساطة:

إن العنصر المخرب المدسوس من قبل مخابرات نظام الأسد أو داعش أو العمال الكردستاني سواء لا يحتاج لإذن سفر، لأنه و بكل بساطة لا تنقصه الإمكانية المادية للحصول على إقامة تخوله التنقل بكل أريحية، بينما يعاني المهاجر السوري الذي بالكاد يستطيع تأمين قوت يومه الأمرّين في سبيل لقمة العيش وهو غير قادر على تحمل تكاليف الحصول على الإقامة في تركيا، وهو مجبر على أن يبقى حاملًا لبطاقة الحماية المؤقتة فحسب، ومن هنا فالمتضرر من قانون "إذن السفر" هم البسطاء الذين يتنقلون من ولاية لأخرى سعيًا وراء الرزق، خاصة وأن عددًا كبيرًا من السوريين هم أيادي عاملة تعمل بشكل موسمي وتتنقل من مكان لآخر.

الثاني

مشكلة الحصول على تأشيرة دخول إلى تركيا، وهنا لا أعني السوريين المقيمين في سورية، إنما أعني السوريين في دول أخرى الذين يعانون مريرًا جراء التشديدات التي فرضت السنة الماضية على مسألة الحصول على تأشيرة دخول إلى تركيا، ينسحب التفسير ذاته تقريبًا فيما يخص إذن السفر الداخلي بين ولايات تركيا على مسألة التأشيرة الخارجية، فمن يحمل إقامة سياحية في تركيا يستطيع السفر منها وإليها دون مشاكل، بينما لا يستطيع المواطن السوري العادي المقيم في أوروبا أو في دول عربية أخرى - وأغلبهم مهاجرون - الحصول على تأشيرة مهما حاول، مما تسبب بضررٍ كبير على السوريين الذين يمكلون أقارب في تركيا فقد انقطعت صلة الرحم بينهم، ولم يعودوا قادرين على زيارة أقاربهم بسبب التعديلات التي طالت مسألة الحصول على التأشيرة للدخول إلى تركيا.

وانطلاقًا من المثل العربي الذي يقول: إذا أردتَ أن تُطاعَ فاطلب المستطاع، أتوجه إلى الحكومة التركية باسم مئات الألوف من السوريين، ممن تقطعت بهم الأوصال ولم يعودوا قادرين على صلة أرحامهم بسبب وجودهم في أصقاع العالم، أولئك الذين افتقدوا لصلة الرحم في أوج حاجتهم إليها، الذين باتت أعيادهم عبارة عن رسائل إلكترونية ومعايدات على مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك الأمر من هم داخل تركيا في سجن "إذن السفر" والذين يكافحون في سبيل تأمين قوت عيالهم.

فكم من أمّ سوريّة تبكي شوقًا لرؤية أبنائها، وكم من أبٍ سوري يذوب انتظارًا لرؤية أبنائه وأحفاده في أحلك الظروف التي يمر بها السوريون الذين رفضوا الظلم وثاروا على العصابة القمعية الأسدية في سورية؛ فوجدوا في تركيا خير الملاذ ونعم الجار والأخ.

لولا ثقتي المطلقة بتجاوب الحكومة التركية ما كنت لأفكر بأن أكتب مقالي هذا، إلا أني أدرك حق اليقين أن الحكومة التركية التي فتحت أبوابها لما يزيد عن ثلاثة ملايين سوري لن تتوانى عن فعل ما بدوره يقود لزرع الفرحة في قلوب إخوانهم السوريين الذي يشاطرونهم التاريخ ووحدة المصير.

تركيا دولة مؤسساتية، تحترم القانون الذي يمثل فيها السلطة العليا، و نحن إذ نخاطب الحكومة التركية؛ إنّما نخاطبها انطلاقًا من روح القانون الذي يخولها إنهاء معاناة مئات الألوف من السوريين بما لا يتعارض وقانون البلاد وأمنها القومي.

عن الكاتب

د. زهير حنيضل

طبيب و أديب و معارض سوري مستقل


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس