د. محمد عزيز عبد الحسن - خاص ترك برس

الرئيس التركي أردوغان وملامح الاستراتيجية العسكرية التركية إزاء الحرب في العراق وسوريا

 تحتاج اليوم القوات المسلحة التركية من رئيسها السيد أردوغان بوصفه رجل دولة قرارا تاريخيا يحدد بمضمونه وضع الاستراتيجية العسكرية التركية فيما يخص استراتيجيتها في محاربة الإرهاب والحرب الدائرة في العراق وسوريا.

وبموجب المادة 92 من الدستور التركي، يجب أن يحظى أي نشر للقوات المسلحة التركية خارج حدود البلاد بموافقة البرلمان. وسبق أن حصلت حكومة "حزب العدالة والتنمية" على تفويض لنشر جنود أتراك في سوريا والعراق، تم تمريره في 3 أيلول/ سبتمبر 2015 وبقي سارياً حتى تشرين الأول/ أكتوبر 2016. ويشير التفويض البرلماني للجيش التركي إلى الآتي:

أولا: "تنفيذ أنشطة وعمليات في إطار التحالف الدولي ضد تنظيم داعش والتنظيمات المماثلة".

ثانيا: تأكيد التفويض على أن حزب العمال الكردستاني كان ولا يزال يشكل  تهديدا للأمن القومي التركي.

ثالثا: إشارة التفويض لأول مرة إلى ثلاثة أمور كما يلي:

الأول: "تستمر الوحدات الإرهابية المسلحة التابعة لـ "حزب العمال الكردستاني" باحتلال أراضٍ في شمال العراق وسوريا.

الثاني: ينتهي التفويض بالإعلان الآتي: "في ظل هذه الظروف، وبهدف اتخاذ الاحتياطات الضرورية لحماية الأمن القومي التركي من أي تهديدات إرهابية وأمنية في إطار القانون الدولي، والقضاء على أي هجمات حالية أو مستقبلية من قبل تنظيمات إرهابية في سوريا والعراق، والاستمرار في حماية أمننا القومي من أي مخاطر محتملة...".

الثالث: تم تفويض القوات المسلحة التركية، عندما تدعو الحاجة لذلك، للقيام بعمليات عابرة للحدود ونشر عناصرها العسكرية في دول أجنبية.

بالإضافة إلى الترحيب بقوات مسلحة أجنبية في صفوفها إذا كانت تعمل للغاية ذاتها، على أن تتخذ الحكومة التركية القرارات المناسبة بشأن حدود هذه العمليات ونطاقها وتوقيتها وحجمها".

وحسب قراءتنا المتواضعة...

فإن رجل الدولة السيد أردوغان، سوف يرسم بقراره التاريخي الخطوط العامة للاستراتيجية العسكرية التركية، والتي سوف تشكل خارطة طريق للقادة العسكرين الأتراك للتحرك بموجبها في كل من العراق وسوريا... ومن أبرز هذه الخطوط المرتكزات الآتية:

أولا: يتضمن القرار وصفا محددا للأهداف السياسية والعسكرية تجاه كل من سوريا والعراق والمليشيات المسلحة الكردية والعربية الفاعلة في إقليم شمال العراق والإدارة الذاتية الكردية في سوريا.

ثانيا: إعطاء الضوء الأخضر للقادة الميدانيين في الجيش التركي بإرسال المزيد من القوات التركية إلى سوريا والعراق في حالة حدوث تهديدات محتملة أو وشيكة الحدوث تهدد الأمن القومي التركي.

وبموجب هذا القرار...

فالجيش التركي ربما  يدفع أو يندفع إلى رفع مستوى قواعد الاشتباك للقوات الخاصة التركية والسماح باستخدام الحوامات الهجومية، على أهداف محددة بالقرب من الحدود التركية مع إمكانية تجاوزها إلى أبعد حد سواء داخل الأراضي العراقية أو السورية... مع توفير القوات المسلحة التركية كل ما يلزم من دعم لوجستي لمناطق العمليات العسكرية التركية الفرعية في سوريا والعراق.

ثالثا: أدرك رجل الدولة السيد أردوغان، من خلال تجربته ومتابعته لسير العمليات العسكرية في العراق وسوريا أن التحالف مع الأكراد في إقليم شمال العراق أو سوريا وبضمانات أمريكية سيكون له جدوى استراتيجية حقيقية... ولكنه مشروط بضمانة أمريكية على الالتزام بالخط الأحمر الذي وضعته القوات المسلحة التركية والذي ينص على أنه لا يمكن لأي قوات كردية عبور غرب الفرات، بضمها قوات حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب؟

فالأولوية من وجهة نظر السيد أردوغان الآن هي القضاء على تنظيم "داعش"، وحماية الحدود التركية واستكمال إجراءات حسم الحرب في سوريا وعزل نظام بشار الأسد بالاتفاق مع جميع الفصائل المعارضة المسلحة السورية العربية والكردية؟

وإصرار السيد اردوغان على هذا الأمر دليل حكمته وقراءته للأحداث بدقة لأنه أدرك الأمور الآتية:

الأول: بسبب الخريطة السياسية والعسكرية المعقدة في سوريا والعراق.

الثاني: بسبب العلاقات الإقليمية والدولية المتوترة في منطقة الشرق الأوسط.

كما أن أغلب المجموعات المسلحة سواء العربية أو الكردية في إقليم شمال العراق أو سوريا، والتي تقاتل اليوم في سوريا والعراق تعتمد بتحركاتها وتوجهاتها على الارتباط بالمخابرات التابعة للدولة المعنية بالشأن السوري والعراقي.

وإن الحرب في العراق وسوريا قد تركت آثارها الفعلية على توازنات القوى الإقليمية سواء الإسرائيلية أو الإيرانية أو الخليجية أو التركية... بالإضافة إلى إفرازاتها الدولية وانعكاساتها على التنافس الروسي والأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وحتى منطقة البلقان...

الثالث: الواقع الجيوسياسي والاستراتيجي في سوريا والعراق يتطلب من الولايات المتحدة الأمريكية والقوات المسلحة التركية محاولة الوصول لبعضهما.

 لكن استمرار خلق تحالف بين الطرفين يتوقف على ركنين أساسيين:

الأول: أنه يجب على الرئيس الأمريكي ترامب أن يقرر ما إذا كان يريد التحرك العسكري وحسم قضايا الإرهاب في العراق وسوريا أم لا.

والأمر الثاني متروك للقوات المسلحة التركية لاغتنام الفرص التكتيكية لمجريات الحرب في العراق وسوريا وأن تقرر ما إذا كانت ستغتنم الفرصة للتعاون مع الإدارة الأمريكية لتصبح عنصرا فاعلا بل قوة محورية لحسم معركة الإرهاب والحرب في العراق وسوريا وبما يخدم مصلحة الأمن القومي التركي...

هذه المقدمات عن دور الرئيس التركي أردوغان في رسم ملامح الاستراتيجية العسكرية التركية إزاء الحرب في العراق وسوريا سوف تجعلنا الآن نطرح التساؤل المشروع عن معركة تحرير تلعفر القادمة، وهل سوف يكون من آثارها وقوع مواجهة محتملة أو مؤجلة بين تركيا وإيران؟

أم أننا سنشهد شراكة مشروطة بين الطرفين؟

وإذا كانت تركيا مع تحرير العراق لجميع أراضيه من داعش فهل يعني ذلك أن تركيا سوف تلتزم الصمت إزاء تحضيرات معركة تلعفر القادمة؟

أم أنها سوف تكون حاضرة بل مؤثرة بالترحيب بالقوات المسلحة العراقية وقوات البيشمركة لإقليم شمال العراق وحتى الترحيب بقوات الحشد الشعبي؟

ولكن بشرط أساسي يتمثل بأن تكون تركيا حاضرة ومؤثرة وفاعلة بشأن حدود هذه المعركة (معركة تلعفر) وأن تحدد لوحدها أو بالتنسيق مع إقليم شمال العراق أو مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. ما هي حدود هذه العمليات العسكرية ونطاقها وتوقيتها وحجمها؟

لماذا؟ لأن هذه المعركة المرتقبة ونتائجها ستؤثر على الأمن القومي التركي من جهة وعلى مستقبل العلاقات التركية العراقية؟ والعلاقات الإيجابية بين تركيا وإقليم شمال العراق؟

وعلى آلية التنسيق الأمريكي التركي بخصوص الفصائل المسلحة الكردية في إقليم شمال العراق وسوريا وحركة تواجدها واندفاعها من جبال قنديل مرورا بالطرف الشمالي من جبل سنجار وانتهاء بالحدود العراقية السورية والعراقية التركية والمثلث العراقي الإيراني التركي من جهة أخرى...

ويتفرع من هذا التساؤل أعلاه الآتي:

إذا كانت معركة تلعفر المقبلة ستترك آثارها على تنوع  وتعدد مفاهيم الاستراتيجيات العسكرية الإقليمية المتنافسة على العراق وسوريا سواء كانت تركية أم إيرانية أم إسرائيلية أم أمريكية أم خليجية أم قوى مسلحة كردية سورية كانت أم عراقية... إلخ.

فمن سوف يرسم ومن سيصنع القرار في الممر الممتد من العراق إلى لبنان عبر سوريا؟

 تركيا أم إسرائيل أم أمريكا أم إيران؟

إن معركة تلعفر ونتائجها سوف تزيد من القيمة الاستراتيجية للممر الممتد من العراق إلى لبنان عبر سوريا من وجهة نظر كل الأتراك والإسرائيليين والأمريكان والإيرانيين؟

لأن أهمية تلعفر بالنسبة لتركيا تكمن في أمرين:

الأول: أهمية استراتيجية

إذ تقع المدينة بالقرب من الحدود العراقية السورية وتبعد عن الحدود التركية بحوالي 38 ميلاً وعن الحدود السورية بحوالي 60 كم.

الثاني: أهمية ديموغرافية فمدينة تلعفر التي يعيش فيها عدد كبير من التركمان تقع على محور حيوي بالنسبة إلى تنظيم "داعش" يربط الرقة معقله في سوريا بمدينة الموصل معقله السابق  في العراق. وقد تمكنت القوات العراقية بعملية عسكرية من استعادتها.

ويعيش في تلعفرالأكثرية التركمانية المطلقة في شمال العراق. وتتميز بموقعها الاستراتيجي والتنوع الإجتماعي والعرقي والمذهبي.

وتركيا مع تحرير تلعفر ولكن إذا تهدد الواقع الديموغرافي باستهداف تركمان السنة وتم تهجيرهم فإن تركيا ستكون مرغمة على القيام بعملية عسكرية داخل الأراضي العراقية كما تدخلت في معركة درع الفرات في سوريا، وإن تركيا مستعدة للذهاب إلى أبعد من ذلك بمواجهة إيران وتحجيم نفوذها ليس في تلعفر بل الموصل أيضا...

تلعفر وقيمتها الاستراتيجية لإيران

فإن إيران تريد أن تجعل منها قاعدة أو محطةً أو جسرًا يربط العراق بسوريا مع حزب الله اللبناني. وأهمية تلعفر كموقع استراتيجي جعلت من الإيرانيين يركزون عليها حتى أكثر من اهتماتهم بالموصل رغم قيمتها وموقعها الاستراتيجي؟

وبعد وصول قوات الحشد الشعبي إلى مطار تلعفر قال الأمين العام لـ"منظمة بدر" المرتبطة بإيران هادي العامري لوكالة رويترز على النحو التالي: "سنتخذ من مطار تلعفر قاعدة للانطلاق لتحرير ما تبقى من الأراضي... وصولاً إلى الحدود السورية وما يتخطاها."

ورافقته تصريحات إيرانية مؤكدة الأهمية الاستراتيجية لمدينة تلعفر وأنها سوف تشكل نقطة وصل لاستكمال ربط العراق بمحور المقاومة الإسلامية الشيعية بقيادة إيران؟ وإن إيران ستعمل كل ما يلزم لتكون من صناع القرار في الممر الممتد من العراق إلى لبنان عبر سوريا.

وتبحث إيران بشكلٍ عام عن خطوط اتصالٍ متكررة من أجل تأمين بدائل استراتيجية وأحيانا توظيف فرص تكتيكية مثل استثمار الدعم اللوجستي والذي تقدمه إيران لقوات الحشد الشعبي (والذي عادة ما يوصف بوسائل الإعلام بوجود الخبراء والمستشاريين الإيرانيين لتقديم ليس الدعم لقوات الحشد الشعبي بل أحيانا للقوات المسلحة العراقية...).

وبعد وصول الحشد الشعبي لمطار تلعفر جرت عدة محاولات لبناء المعبر البري الاستراتيجي والذي يصل العراق بسوريا ثم حزب الله اللبناني. ومبررات إيران تكاد تنطلق من الأسس الآتية:

أولا: يرى الخبراء الإيرانيون أنّ المعبر الجوي سيبقى الاتصال الأكثر ملاءمة والوسيلة الأساسية لنقل القوات والمعدات العسكرية لحزب الله اللبناني من خلال المجال الجوي العراقي أو الإيراني وأحيانا السوري بأضيق الحدود...

ثانيا:  تعد معركة تحرير تلعفر فرصة إيرانية لإنشاء المعبر البري والذي سيربط العراق بسوريا ثم حزب الله اللبناني. وسيمكّن إيران من إرسال الإمدادات اللازمة الأقل إلحاحاً بواسطة الطريق البري الأقل تكلفة.

ثالثا: تنطلق رؤية إيران المستقبلية لتداعيات تحرير تلعفر وإنشاء المعبر البري من ناحية استكمال ركائز الدعم اللوجستي إلى حزب الله اللبناني عبر العراق وسوريا من منطلق تكتيكي يتعلق بتوفير بدائل متاحة واقعية وليس افتراضية، إذ إن هذا المعبر سيزيد من بدائل إيران وخياراتها الاستراتيجية في حالتين:

أولا: إذا اتخذت الولايات المتحدة يوماً ما الخطوة غير المرجحة بإنشاء منطقة حظر جوي فوق سوريا.

ثانيا: إذا أغلقت إسرائيل مطار دمشق أثناء حربٍ مستقبلية مع حزب الله اللبناني وهو احتمال وارد في المدى المنظور القريب.

رابعا: أن إيران لا تملك معبراً حدودياً مع سوريا، لذلك ربما تؤمّن لها تلعفر هذا المعبر كونها تقع على الطريق الرئيسي إلى سوريا على بُعد حوالي أربعين ميلاً غرب الموصل.

 فإذا نجحت قوات الحشد الشعبي فعلياً في الاستحواذ على تلك البلدة، ستتمكن إيران على الأرجح من فتح ممر من محافظة ديالى الحدودية العراقية باتجاه جبال حمرين شمالي شرقي تكريت وصولاً إلى تلعفر على الطريق المؤدي إلى سنجار على الحدود السورية.

أما في الجهة المقابلة من سوريا، فتملك القوات المدعومة من إيران عدة طرق تؤدي إلى لبنان وتمر بالقصير وغيرها من البلدات في منطقة القلمون.

سنجار وتلعفر وبعشيقة ومثلث الصراع التركي الإيراني الأمريكي؟

في سلوك إدارة الصراع وفي فهم وإدراك كل طرف لمصالحه التكتيكية والاستراتيجية في سنجار وتلعفر وبعشيقة. الأمر الذي يجعلنا نطرح التساؤلات الآتية:

هل يمكن من خلال نظرية مثلث الصراع أن نفهم الاستراتيجية العسكرية التركية إزاء الموقع الاستراتيجي لمنطقة تلعفر وسنجار ودوافع استعداد وإمكانية الانسحاب التركي من بعشيقة مقابل الانسحاب الفوري لقوات حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب من سنجار؟

وهل يمكن أن نعتبر طرح فكرة تلعفر وبعشيقة مقابل سنجار وبوساطة إيرانية وبضغوط أمريكية خطوة تكتيكية أم استراتيجية أم خطوة سياسية من جانب تركيا؟

وهل سوف يكون من شروط تركيا على العراق وإيران والولايات المتحدة الأمريكية أن يتم وضع "آلية أمنية مشتركة" رباعية بين الولايات المتحدة الأمريكية ممثلة عن التحالف الدولي وممثل عن إقليم شمال العراق وممثل عن اليزيديين، وبإشراف مباشر من قبل الحكومة العراقية والإيرانية، ومن أبرز مهام هذه اللجنة الرباعية إنشاء مركز قيادة وسيطرة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على أن يتم تحديد نقاط تفتيش ومراقبة لهذه المنطقة الاستراتيجية من سنجار؟

والواقع الجيوستراتيجي لسنجار فرض على القوات المسلحة التركية أن تدرس إمكانية قبول طرح فكرة تلعفرو بعشيقة مقابل سنجار؟

 ليس من باب العجز العسكري التركي عن حسم هذه المعركة بل هناك دوافع وحسابات تركية دقيقة بعيدة المدى لمنطقة سنجار تتمثل بالآتي:

أولا: سنجار بالنسبة لحزب العمال الكردستاني أقرب بكثير إلى روجاڨا. الأمر الذي يتيح لـ "حزب العمال الكردستاني" خطوط اتصال ولوجستيات ممتازة مع الأراضي الخاضعة لسيطرة "وحدات حماية الشعب".

وخاصة الطريق البري لإمدادات حزب العمال الكردستاني شنكال + سنجار + السليمانية + رانيا + قنديل؟

ثانيا: قطع الطريق على حزب العمال الكردستاني من تشكيل قواعد عسكرية ومقرات قيادة سيطرة وتحكم وبنى تحتية في سنجارمن جهة، وقطع خطوط الاتصال والدعم والتنسيق اللوجستي وتبادل المعلومات الاستخبارية بين حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب في شمال سوريا، من جهة أخرى.

إلّا أنّ منطقة سنجار الجبلية توفر لـ "حزب العمال الكردستاني" ميزة الأرض الوعرة الأكثر ملاءمة لتكتيكات الحرب غير النظامية التقليدية التي يخوضها، ضد تركيا.

ثالثا: يوفر الجانب الشمالي من جبل سنجار تحصينيات طبيعية تكاد تكون مشابهة للتحصينات الاستراتيجية لقواعد حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل، وبالتالي أدركت القوات المسلحة التركية أهمية هذا الأمر، وعليه ستحاول بشتى الطرق منع تكوين جبل قنديل ثاني بسنجار يهدد الأمن القومي التركي.

رابعا: إن تركيا غير مستعدة أن تهدد أمنها القومي باستمرار وجود جماعات مسلحة كردية على حدودها مدعومة أمريكيا.

وبنفس الوقت أنه لا يمكن تجاهل المصالح التركية في سوريا ولا تجاهل معاييرها في أمنها القومي، وبأن عدم التنسيق التركي الأمريكي من شأنه أن يضر بمصالح البلدين معاً.

خامسا: تحاول تركيا بخطوتها بالتلويح بالموافقة على تحرير تلعفر من قبل القوات المسلحة العراقية وبضمانات أمريكية وكذلك التلويح بالانسحاب من بعشيقة مقابل سنجار، إيصال رسائل واضحة غير مشفرة لكل من الأطراف الآتية:

الجانب الأمريكي

ترى تركيا أنه بالإمكان قيام الولايات المتحدة الأمريكية بالضغط على الأحزاب الكردية السورية لفك ارتباطها مع حزب العمال الكردستاني، حيث أثبتت تجربة القرى التي انسحبت منها قوات “قسد" أن الولايات المتحدة لديها القدرة للضغط على القوات الكردية.

منفعة مزدوجة للجانبين الأمريكي والإيراني

تحقيق مكاسب سياسية لتعزيز النفوذ الإيراني والأمريكي بالعراق لأن كلًا من الطرفين (إيران وأمريكا) ستمثل دور المنتصر بتحقيق مكسب سياسي يدعم الحكومة العراقية الحالية أو القادمة؟

وإنه وراء تحرير تلعفروالانسحاب التركي من بعشيقة وربما هذا الأمر سيعطى منفعة مزدوجة لكل إقليم شمال العراق والحكومة العراقية ويساعدهم في تقريب وجهات النظر وحل خلافاتهما؟

وقيمة الانسحاب التركي من بعشيقة سوف لن تكون خطوة استراتيجية فحسب بل مكسب سياسي ربما يستخدم في الانتخابات البرلمانية المقبلة؟

وسوف يحدد الأمريكان والإيرانيين وقت ومكان توظيف هذا الانسحاب التركي من بعشيقة سياسيا؟

وتقرير من الذي سوف يستفاد منه الحكومة العراقية الحالية أم الحكومة القادمة؟

إذ ليس من المعقول أن يرضى الإيرانيين بالوساطة لسحب قوات حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب من سنجار دون الحصول على مكاسب تسهم في حماية أمنها القومي من جهة، وضمان خط الإمدادات إلى سوريا وحزب الله عبر الحدود العراقية السورية من خلال السيطرة على تلعفر؟

وربما ستطالب إيران أو تعمل على تعزيز وخلق تواجد لمراكز قوى حليفة لها تنفذ سياساتها على امتداد الرقعة الجغرافية بين حدودها الغربية مع العراق وشواطئ البحر الأبيض المتوسط، والإبقاء على خطوط اتصال مفتوحة من قوى كردية مسلحة أبرزها حزب العمال الكردستاني، طالما ظل هذا الحزب يخدم مصالها القومية من جهة أخرى. وفي المحصلة النهائية يمكن الوصول للنتائج الآتية:

أولا: ستكون الخطوات الأمريكية من أهمّ عوامل صياغة التصرفات الإيرانية في العراق بعد تحرير الموصل وبعد تحرير مدينة تلعفر؟

ثانيا: الولايات المتحدة الأمريكية ستوصل رسائل واضحة غير مشفرة لإيران تتضمن الآتي:

1- أمريكا لوحدها دون سواها من يرسم خطوط العرض الواقعية والافتراضية لوجودها (أي إيران) في العراق وسوريا.

2- إنها لن تسمح بتأسيس حزب الله مجاور لتركيا قياسا على وجود حزب الله اللبناني قرب الحدود مع إسرائيل.

3- إنها لن تسمح بتغيير ديموغرافية تلعفر وسوف تدعم التنوع الاجتماعي فيها.

4- ربما بالضغط على الحكومة العراقية فإن الولايات المتحدة الأمريكية سوف لن تسمح بدخول قوات الحشد الشعبي إلى تلعفر والاستعانة بالقوات المسلحة العراقية.

5- تدرك الولايات المتحدة الأمريكية أن إنشاء المعبر البري في تلعفر يعني عمليا تأسيس محطة للتنسيق اللوجستي ثلاثية الأبعاد إيران وسوريا وحزب الله اللبناني على مقربة من الحدود التركية وهو أمر غير مسموح به لا من تركيا؟ ولا من الولايات المتحدة الأمريكية؟ ولا من إسرائيل؟...

وإن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان كان قد أرسل رسائل واضحة لكل الأطراف المعنية الولايات المتحدة الأمريكية، وإيران، والعراق تضمنت الآتي:  

((إن بلاده تعتزم تعزيز قواتها المنتشرة في بلدة سيلوبي الواقعة على الحدود مع العراق، وإنه سيكون لها "رد مختلف" إذا أشاعت الفصائل المسلحة الشيعية الخوف في مدينة تلعفر العراقية)).

وقد عبر وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو عن مخاوف تركيا بقوله: إن "تقدم الحشد الشعبي نحو مدينة تلعفر في شمال العراق قد يشكل تهديداً لتركيا والمجموعات التركمانية في العراق، ما سيجبر تركيا على اتخاذ التدابير المناسبة".

عن الكاتب

د. محمد عزيز البياتي

أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي في كلية العلوم السياسية بجامعة بغداد


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس