ترك برس

نقل حفيد حامي المدينة المنورة فخر الدين باشا، "زكي تورك قان" عن جده فخر الدين باشا أنه كان يحتفظ طوال حياته بعلبة مغطاة بالجلد، وقال نقلا عن جده: "إن ما بداخل هذه العلبة هو أكبر إرث لعائلتهم".

وقال تورك قان إن "هذه العلبة هي الشيء الوحيد الذي ورثه عن جده فخر الدين باشا".

توجد في داخل العلبة قطعة من القماش وفرشاة، حيث كان فخر الدين باشا ينظف قبر الرسول ﷺ بنفسه، وكان يخفي المواد التي استخدمها في التنظيف في هذه العلبة، واحتفظ به طوال حياته مورثا إياه لأحفاده.

فقد وصل فخر الدين باشا إلى المدينة المنورة في 31 أيار/ حزيران 1916، حيث رسم ملحمة إنسانية بقيت في التاريخ العثماني، منذ اليوم الأول من وصوله للمدينة المنورة حتى فراقه لها

كان في كل صباح ينزع بزته العسكرية، ويلبس ملابس بيضاء كالكفن، ويعتمر عمامة بيضاء ثم يقوم بمسح وتنظيف الضريح وما حوله.

فخر الدين باشا

أطلق عليه لقب نمر الصحراء، فقد دافع عن المدينة المنورة وبقي وحده وسط بحر من الصحراء واﻷعداء الذين كانوا يتلقون الدعم من اﻹنجليز ويهجمون على المدينة ويطالبونه بالاستسلام.

طالبته الحكومة العثمانية لاحقا باخلاء المدينة المنورة، لكنه رفض ذلك وأرسل رسالة توسل إلى أنور باشا، وقال: "لماذا نخلي المدينة؟ أمن أجل أنهم فجروا خط الحجاز؟ أمهلوني مدة فقد أستطيع التفاهم مع القبائل العربية".

وأمام إلحاحه ، رضي أنور باشا ولكنه لم يتمكن أن يمده بالجنود والتموين. وبعد توقيع معاهدة موندروس في تشرين الأول/ أكتوبر 1918، طلبت الحكومة العتمانية من فخر الدين باشا،الانسحاب من المدينة وتسليمها إلى قوات الحلفاء، رفض ذلك الطلب وحبس الضابط حامل الرسالة وأرسل رسالة إلى الصدر الأعظم قال فيها:

"إن مدينة رسول الله ﷺ لا تشبه أي مدينة أخرى، لذا فلا تكفي أوامر الصدر الأعظم في هذا الشأن، بل عليه أن يستلم أمرا من الخليفة نفسه".

وفي الحقيقة كان فخر الدين يفتش عن عذر لرفض الانسحاب، فقد صدر أمر من الخليفة نفسه إلى فخر الدين، فلم يقبل بالتسليم، وأرسل جوابا قال فيه:

"إن الخليفة بعد اﻵن أسير في يد الحلفاء"، وبدأ الطعام يقل في المدينة وتفشت الأمراض بين الجنود وأهالي المدينة. جمع فخر الدين باشا ضباطه للاستشارة، في الصحن الشريف عند الروضة عند صلاة الظهر، وارتقى المنبر ملتفا بالعلم العثماني، وقال لضباطه:

"لن نستسلم أبدا... ولن نسلم مدينة رسول اللهﷺ لا للإنجليز ولا لحلفائهم". وبعد أن اشتدت وطأة الجوع والمرض على الجيش العثماني وسكان المدينة وقلّت الذخيرة، وافق اأخيرا على تفاوض ضباطه بشروط منه على الاستسلام.

بعد أن تم الاتفاق على شروطه ونقلت أغراضه إلى عربة مهيئة، بقي الضباط في انتظار خروجه لساعات ولم يخرج، بل جاءهم أمر منه بإعادة أغراضه إلى بناية صغيرة ملحقة بالمسجد النبوي.

فقد هيأ فخر الدين باشا لنفسه هذا المكان، ﻷنه لم يكن يريد الابتعاد عن قبر رسول الله، ذهب إليه ضباطه ووجدوه متهالكا على فراش بسيط في تلك البناية، ولم يكن يريد الخروج قائلا لهم "اذهبوا أنتم أما أنا فسأبقى هنا".

احتار الضباط في ذلك، وقرروا أن يأخذوه قسرا،اقتربوا منه وحملوه قسرا إلى الخيمة المعدة له.

كان ذلك في يوم 10 كانون الثاني/ يناير، وفي اليوم الثاني اصطف الجنود العثمانيون أمام المسجد النبوي، كان كل جندي يدخل و يزور ضريح الرسول، حتى سكان المدينة و قوات البدو.

عندما نقل فخر الدين باشا إلى الخيمة المعدة له، كان هناك اﻵلاف من قوات البدو يحيطون بالخيمة ويشتاقون لرؤية هذا البطل الأسطوري وما ان ظهر حتى ارتجت الصحراء بنداء:

"فخر الدين باشا...فخر الدين باشا".

 

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!