مصطفى واجد آغا أوغلو - خاص ترك برس

يحتفل معظم المسلمون في الثاني عشر من ربيع الأول من كل عامٍ بذكرى مولد منقذ البشرية والرسول المبعث للإنسانية سيدنا محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم - بل وأكثر من ذلك معظم المحتفلين بهذه الذكرى المباركة يجعلون من هذا اليوم المبارك عيداً للمسلمين، ولا شك ولا ضير في ذلك فنحن أمة هذا الرجل الملهم وكيف لا نجعل من يوم ميلاده عيداً لنا.

بسم الله الرحمن الرحيم

"لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ".

وكذلك قال: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ".

وتختلف ماهية وكيفية الاحتفال بين المسلمين حسب الأمكنة والأمصار والثقافات والعادات وما إلى ذلك بعض الشئ، ورغما على هذا فلا يوجد إختلاف جوهري حيث أن الغاية والمقصود واحد وهو إستذكار وحب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد صحبتُ أصدقاء من البلقان وأفريقيا وآسيا الوسطى وغيرها، أكدوا كلهم أن الاحتفال بذكرى المولد النبوي يكمن في توزيع الحلوى والعصائر وبعض الأطعمة وترتيب جلسات في المساجد والمراكز وإلقاء خطب ومواعظ عن حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسيرته المباركة وما شابه ذلك، وكل هذا موجود في بلدنا أيضا، إذن الإحتفال بالمولد النبوي على العموم مشابه ومطابق  بين المسلمين رغم إختلاف ألوانهم وأعراقهم وأقطارهم، وهذه نقطة مهمة وإيجابية حيث تجمعنا وتوحدنا هذه الذكرى المباركة ونحن أحوج إلى ذلك.

الاحتفال بالمولد النبوي بالطبع شئ جميل وأمر حسن، وتوزيع الأطعمة والأشربة لا شك أمر كريم يُشكر عليه .. ولكن هل كل هذا يكفي للاحتفال بمولد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالطبع: كلا.

المولد النبوي الشريف: عبارة عن وسيلة اإتباع المنهج المحمدي. لو لم نكن من متبعي المنهج المحمدي، فما قيمة الاحتفال برمزية ذلك اليوم، فلنكن محمدي المنهج ولنحتفل بذلك اليوم. نعم .. يجب اتباع المنهج المحمدي في المحاور الأربعة التالية:

1. محمدي المنهج في العقائد: فلنكن محمديا في العقيدة والإيمان أولا وهذه أساس الدين، فعن أبي هريرة -  رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان).

2. محمدي المنهج في العبادات: فلنكن محمديا في العبادات وهذه من الأمور المهمة في الدين حيث تأتي بعد الإيمان، قالت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - استفقت ليلة من الليالي فبحثت عن الرسول صلى الله عليه وسلم فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد، وهما منصوبتان وهو يقول: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.

وأيضا عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ : أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم -  كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقالت عائشة: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: (أفلا أكون عبداً شكوراً).

والعبادات ليست محصورة فقط في الصلاة والزكاة والصوم وغيرها، نحن هنا ننقل مثالاً واحداً للتعبير عن العبادة المحمدية.

3. محمدي المنهج في المعاملات: وهذه ربما أهم من العبادات من جوانب أخرى، حيث العبادة بينك وبين ربك، ربما يعفو عنك رغم تقصيرك وإهمالك، ولكن المعاملات ليست هكذا.

المعاملات بينك وبين إنسان آخر سواءً كان مسلما أو غير مسلم فهما سواء في الأمور الدنيوية والمعاملات. حقوق الوالدين وعيادة المريض والتجارة والشراكة وعدم أكل مال اليتيم والحياة الأسرية وحقوق الجار والأقارب والأصدقاء والتعامل مع المراجعين في الدوائر الحكومية والتعامل مع التلاميذ في المدارس .. وغيرها، كلها من قسم المعاملات.

وفي هذا المجال أيضا هناك أحايث كثيرة ولكن من باب الرمزية نذكر منها:

فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تناجشوا ولا تدابروا، ولا يَبِع أحدُكم على بيع بعض، وكونوا عبادَ الله إخوانا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقِره، التقوى ها هنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات. بحَسْب امرئ من الشرِّ أن يحقِر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمُه ومالُه وعِرضُه."

وفي رواية أن جنازة مرت على النبي - صلى الله عليه وسلم- قام لها واقفا، فقيل له يا رسول الله انها جنازة يهودي ،فقال: - صلى الله عليه وسلم - : (أليست نفسا)؟

هكذا علمنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن نتعامل مع الناس على أساس أنهم "إنسان/بشر" فلا نظلمهم ولا نحتقرهم ولا نغتصب أموالهم وأعراضهم، فلنكن محمديا في المعاملات.

4. محمدي المنهج في الأخلاق: أخلاقنا الشخصية بحاجة أن تكون محمدياً، حيث وصف الله تعالى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الكتاب المجيد قائلاً: (وإنك لعلى خلق عظيم) ما أعظم وصف من هذا ..

حيث كان شديد حسن الأخلاق مع أصحابه وآل بيته ومع الصغار والكبار ومع غير المسلمين وكذلك كان حسن الأخلاق مع أعدائه ومع المبغضين له، فعنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق). فمكارم وحسن الأخلاق مصدر كل شئ في الحياة وفي تعاملنا مع الآخرين، فربما حسن خلقك سيكون سببا لهداية أحدهم.

ختاماً .. أهنئكم جميعا وأهنئ جميع الإنسانية والمسلمين في بقاع الأرض بمناسبة ذكرى المولد النبوي الغراء الذي يوافق هذه الليلة (الإثنين على الثلاثاء) داعيا المولى القدير أن تكون هذه المناسبة العظيمة وسيلة للسلام والأمن والأمان وأن يجعلني الله وإياكم من متبعي النهج المحمدي، وكل عام وأنتم بالف خير.

عن الكاتب

مصطفى واجد آغا أوغلو

طالب دكتوراه في مدينة بورصة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس