علي الصاوي - خاص ترك برس

في الحقبة الأتاتوركية وعندما اشتد حبل الخناق على الدعاة وتغريب كل ما هو إسلامي، وقف أحد الدعاة الأتراك أمام القاضي بسبب رفضه استبدال العمامة ببرنيطة الخواجة الأجنبي التي فرضها أتاتورك على الدعاة أنذاك، وبينما الجو العام مرتبك ومربك في ذات الوقت، وغالب من رفضوا هذا الإجراء يقبعون خلف السجون، رفع القاضي عقيرته مستهزءا أثناء محاكمته لأحد الدعاة وقال: "ما أتفهكم يا علماء الدين تفعلون كل هذا الضجيج من أجل أننا استبدلنا قماش بقماش"؟ فرد عليه الشيخ بقوله: "أيها القاضي أنت تحكم عليّ الأن وخلفك عَلم تركيا، فهل تجرؤ أن تحكم علىّ وخلفك عَلم بريطانيا، وهذا قماش وهذا قماش؟" فبُهت القاضي ولم يخرّ جوابا وحكم على الشيخ بالإعدام.

 هكذا كانت تعالج الأمور في تركيا إبان الحقبة الأتاتوركية وبزوغ نجم العلمانية في البلاد، اعتقال وقتل واستهزاء برموز الدين، لذلك لم أتفاجأ للحملة التي شنتها المعارضة العلمانية في تركيا على رئيس الشؤون الدينية "علي أرباش" بعد الخطبة التي جهر فيها بكلام إلهي قطعي الثبوت والدلالة يحرم الخمر والزنا والشذوذ والعلاقات الغير شرعية، مشيرا لخطورتها على المجتمع وتقطيع أواصره.

كلمات أصابت أحبار العلمانية وقساوسة التغريب بحرقة شديدة في بطون أفكارهم، لما يتنافى مع مبادئهم ونمط حياتهم، فلم تهدأ تلك الفئة حتى هاجمت كل من نقابة المحامين وجمعية حقوق الإنسان رئيس الشؤون الدينية "علي أرباش" ووصفته بأنه يحرّض على الكراهية والعداء. 

بالرغم من النهضة التي وصلت إليها تركيا بفضل حزب العدالة والتنمية وتجاوب معظم أفراد الشعب مع خططه وأهدافه للنهوض بالدولة من وحل الفقر والتخلص من وطأة الديون، إلا أن ما زالت هناك فئة لا تريد استمرار هذه النهضة ولا حتى المساهمة في دعمها، بل كل ما يشغلها هو إرث الماضي بما فيه من عوج واضمحلال لن يضيف للحاضر شيء، ولن يعيد الماضي مرة أخرى، فإذا كانت جذور الأفكار العلمانية في تركيا عمرها مائة عام، فإن جذور الأفكار والمبادئ الإسلامية عمرها ألف عام، تلك التي يلبي الشعب التركي نداءها بداخله طيلة سنوات الاستبداد والعنصرية العلمانية بأفكارها السلبية التي تعادي الدين وتسخر من تعاليمه، ولا تهتم بالبُنى التحتية للمجتمع، ولا تلقى بالا لحال المواطن، يحن الأتراك إلى أفكار تعبر عن هويتهم الحقيقية والتي بفضلها صارت لهم دولة، وليست أفكارا مستعارة من دساتير الغرب تفصل الأجيال عن تاريخها وتمسخ هوياتها. 

ومن الغريب أن يكون للشذوذ قانون يدافع عنه تحت ستار الحرية، فإذا كانت هذه هي الحرية فما تعريف الفوضى إذن؟ وهل من الحرية انتهاك بكارة الفطرة الإنسانية بفعل مشين تعف الحيوانات عن ممارسته، والهجوم على كل من يرفضه بدعوى نشر الكراهية والعداء، فلو فرضنا جدلا أن ما قاله أرباش في خطبة الجمعة يحض على الكراهية، فإن الذين يدافعون عن الشذوذ ويروجون له يهدمون المجتمع، وينتهكون كرامة الإنسان ويضربون بالسنن الكونية عرض الحائط، ويهبطون بجلال الدين والإنسانية إلى مستوى مهين لا يستوعبه وصف ولا يحيط به لفظ. 

لقد تطرق المفكر الفرنسي ومؤلف كتاب روح القوانين "مونتسكيو" إلى معضلة هذا الزمان وهي ممارسة الحرية، فقال: "يجب صون الحرية من الابتذال، وإن ممارسة الحرية من قِبل أكثر الشعوب تمسكا بها، يحملني على الاعتقاد بوجود أحوال ينبغى أن يُوضع فيها غطاء يستر الحرية". وليس هناك حرية أحوج للسِتر من تلك التي تبيح الشذوذ والمخادنة وانتهاك كرامة الإنسان، إن المجتمعات السوية لا تستطيع أن تنسلخ من جذورها وإن تكالبت عليها ذئاب الأرض بمخالبها الفكرية ونعارتها الفوضوية، فنداء الجذور غالب، لكن أكثر الناس يكابرون.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس