د. علي حسين باكير  - عربي 21

عقدت كل من مصر وتركيا الأسبوع الماضي جولة ثانية من المحادثات الاستكشافية بينهما في العاصمة التركية أنقرة. قاد الوفد المصري نائب وزير الخارجية حمدي لوزة فيما قاد الوفد التركي نظيره سادات أونال. ناقش الطرفان خلال اليوم الأوّل من الاجتماع قضايا ترتبط بالعلاقات الثنائية حصراً، فيما تم تخصيص اليوم الثاني لمناقشة المسائل المتعلقة بقضايا إقليمية ذات اهتمام مشترك من بينها مسألة شرق المتوسط وليبيا وفلسطين وسوريا وغيرها من القضايا ذات الصلة.

وفقاً للبيان الصادر عن وزارة الخارجية التركية والمرتبط بالمحادثات، فإنّ الطرفين يهدفان إلى تحقيق تقدّم على مستوى العلاقات الثنائية وتطبيع العلاقات بينهما بناءً على الفائدة المشتركة. ويمكن تفسير هذه العبارة على أنّها سعي لرفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بينهما خلال المرحلة الأولى، على أن يتم الاتفاق على المواضيع التي تشكّل مصلحة مشتركة، وهو ما يفهم منه أيضاً إعطاء الأولوية للملفات التي من الممكن لها أن تشكّل أرضية مشتركة أو أن تحقق مصالح مشتركة للطرفين. 

تأتي هذه المباحثات بعدما كانت بعض وسائل الإعلام الخليجية قد روّجت سابقاً لادّعاءات تفيد بوقفها. المفارقة أنّها جاءت كذلك بعد التقدّم الذي حصل في جهود تطبيع العلاقات بين تركيا والإمارات إثر الزيارة التي قام بها طحنون بن زايد إلى أنقرة والمكالمة الهاتفية التي تلتها بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد. بعض المعلومات أشارت إلى أن الطرفين اقترحا تحديد جدول زمني لتنفيذ القضايا التي تمّ الاتفاق عليها.

بعض المتفائلين يشير إلى أنّ الخلاف شرق البحر المتوسط كان القضية الأولى على اعتبار أنّ هناك مصلحة مصريّة خالصة في الترسيم مع تركيا، وفي المقابل فإنّ أي ترسيم بحري مع أنقرة سيصبّ في مصلحة الأخيرة في مواجهة اليونان. ومع أنّ مثل هذا الكلام صائب، إلا أنّ اتفاقات ترسيم الحدود تتطلّب وقتاً في العادة ولا تتم بهذه السرعة إلا إذا كان هناك قرار سياسي بتجاوز الأمور البروتوكولية واللوجستية. 

فضلاً عن ذلك، فإنّ نص الاتفاق المصري ـ اليوناني يفرض على الطرفين إبلاغ أي منهما للآخر في حال انخراطه في أي نوع من الاتفاقيات التي قد تؤثّر على الاتفاق الموقع بينهما. لذلك، فإن سيناريو الاتفاق المصري ـ التركي يفترض إدخال اليونان بشكل أو بآخر وهو الأمر الذي ترفضه اليونان، علماً أنّ الجانب التركي بدأ يضغط مؤخراً باتجاه عقد مؤتمر يجمع كل دول شرق المتوسط لبحث المشاكل العالقة، إذا ما استطاعت مصر الدفع بهذا الاتجاه فقد يكون مكسباً للجميع.  

لكن، من الواضح أيضاً أنّ هناك من يحاول في مصر أن يوازن انفتاحه على تركيا بتأكيده على علاقة أقوى مع قبرص واليونان، وهذا ما يفهم من خلال اللقاءات المصرية مع كل من قبرص واليونان مؤخراً. صحيح أنّ نيقوسيا وأثينا قلقتان بشأن المباحثات بين القاهرة وأنقرة، لكن الصحيح أيضاً أنّ هناك من يريد توظيف العلاقة معها للحصول على أكبر قدر من المكاسب. 

وفي إطار تحقيق توازن مشابه ولتحييد استخدام اليونان وقبرص كورقة ضد تركيا، تسعى الأخيرة إلى تقوية علاقاتها مع أثيوبيا مع اقتراحها في نفس الوقت القيام بوساطة بين الخرطوم وأديس أبابا. في نهاية الشهر الماضي، التقى رئيس وزراء أثيوبيا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة ووقّع الجانب الأثيوبي العديد من الاتفاقيات مع تركيا من بينها اتفاق تعاون عسكري واقتصادي ومالي.

وليس بعيداً عن شرق المتوسط، فإن لمصر وتركيا مصلحة مشتركة في تحقيق الأمن والاستقرار في ليبيا وتفعيل التعاون بينهما في عدد من القطاعات الاقتصادية لاسيما الإنشاءات والاستيراد والتصدير والطاقة وغيرها من القطاعات في ما يعود بالنفع عليهما وعلى الجانب الليبي معاً. ولعل الانتخابات المفترضة في كانون الأول (ديسمبر) المقبل قد تغيّر من التوقّعات بشأن موقع ودور كل منهما في ليبيا وقد تزيد من إمكانية التعاون أو ربما تقضي على هذه الفكرة تماماً تبعاً للنتائج التي قد تتمخّض عنها الانتخابات إن حصلت.

أيّاً يكن التقييم مستقبلاً، فإنه من الممكن اعتبار زيارة الوفد المصري بحد ذاتها إلى أنقرة تطوّراً إيجابياً وخطوة إضافية في الاتجاه الصحيح. رفع التمثيل الدبلوماسي والتأكيد على المضي قدماً في الملفّات التي تشكّل أرضية مشتركة لبناء مصالح متبادلة ستحتل الأولوية في أي مباحثات مقبلة بالتأكيد. 

تبادل السفراء من شأنه أن يعطي مؤشراً على جدّية المحادثات بسبب وجود احتمال أن يكون أحد الأطراف (في هذه الحالة مصر) يستخدم المفاوضات لأغراض أخرى ذات طابع تكتيكي بدليل البيان الذي صدر قبل أيام فقط في ٨ أيلول (سبتمبر) الجاري عن اجتماع مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري وفيه إدانة لتركيا ولما أسماه التدخلات التركية في شؤون الدول العربية، وهو بيان يلقي بظلال الشك والريبة على مدى جدّية بعض الجهود المبذولة للتقارب مع تركيا لاسيما تلك المرتبطة بمصر والمملكة العربية السعودية.
 

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس