د. الزبير خلف الله - المركز العربي التركي للتفكير الحضاري

أعلن البارحة رئيس الجمهورية التركية المنتخب رجب طيب أردوغان في اجتماع لحزبه أن وزير الخارجية أحمد داوود اوغلو هو الشخصية التي تم الاتفاق عليها لرئاسة حزب العدالة والتنمية، ومن ثم تولي رئاسة الوزارء في المرحلة القادمة . وقد أوضح أردوغان أن اختيار داوود أوغلو خليفة له جاء بناء على مشاورات واسعة اجريت بين قواعد حزب العدالة والتنمية ، ووفق المعايير المعمول بها في الحزب منذ تأسيسه، كما أوضح أردوغان أن داوود أوغلو حظي بإجماع كبير من قبل كوادر الحزب وذلك لأدائه المتميز في وزارة الخارجية وعلى النجاحات الكبيرة التي حققها في السياسة الخارجية التركية. وقال: سيصاب بخيبة أمل كل من يأمل أن يحل الشقاق، والنفاق، والفتنة، في حزب "العدالة والتنمية"، كما أصيبوا بها من قبل، ولن تتحقق أمانيهم بحدوث ذلك بعد المؤتمر العام لحزب العدالة والتنمية.

يذكر أن اسم داوود أغلو برز بقوة إلى الساحة السياسية التركية كمرشح لرئاسة حزب العدالة والتنمية وذلك بعد الانتخابات الرئاسية التي التي فاز فيها رئيس الوزراء ورئيس حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان بنسبة 51.8%. وسيتم الإعلان عن  هذا الخبر بشكل رسمي في المؤتمر الاستثنائي الكبير لحزب العدالة والتنمية يوم الإربعاء القادم الموافق لـ 27 اغسطس 2014 ليتم تسليم رئاسة الحزب الى البروفيسور أحمد داوود أغلو في يوم 28 اغسطس في نفس اليوم الذي سيقدم فيه أردوغان استقالته من رئاسة حزب العدالة والتنمية ومن رئاسة الوزراء ليتسلم رئاسة الجمهورية من رئيس الجمهورية المنتهية ولايته عبد الله غل. وبهذا يكون حزب العدالة قد تمكن من القيام بعملية انتقال للسلطة بشكل سلس وديمقراطي يحافظ على أمن تركيا واستقرارها، ويعطي ديناميكية جديدة داخل حزب العدالة والتنمية الذي تولى أردوغان رئاسته لمدة 12 عاما. وهكذا يبرز داوود أوغلو كشخصية جديدة ليقود حزب العدالة والتنمية في معركته السياسية القادمة وفي محطة الانتخابات التشريعية المزمع القيام بها في شهر ماي من سنة 2015 والتي يريد حزب العدالة والتنمية ان يفوز بالأغلبية فيها .

 ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه لماذا اختير داوود أوغلو لخلافة أردوغان على غيره من قيادات الحزب ؟

يجيب عن هذا السؤال أردوغان بنفسه في كلمته التي ألقاها داخل حزب العدالة والتنمية أنه تم اختيار داوود أوغلو للنجاحات والاداء اللذين تميز بهما خلال توليه لوزارة الخارجية حيث قال أردوغان : إن  العزم، والحزم، اللذين أظهرههما "داوود أوغلو"، في مكافحة "الكيان الموازي"، أسهما  بشكل جلي في ترشيحه لرئاسة الحزب و لرئاسة الوزراء.  ومن هنا يتضح أن اختيار داوود أوغلو يعود الى هدفين أساسيين: الأول هو القدرة على إدراة ملفات الجبهة الداخلية التي تشهد صراعا حاميا مع جماعة فتح الله غولن ، وسعي أردوغان وإصراره على تصفيتها تصفية كاملة باعتبارها أصبحت تمثل كيانا موازيا يهدد كيان للدولة واقتناع داوود أوغلو بضرورة تصفية هذه الجماعة التي أشار اليها اردوغان في خطابه بالكيان الموازي لما تمثله من تهديد كبير للجبهة الداخلية وللمشروع الوطني التركي الصاعد، كذلك قدرة داوود أوغلو على المضي قدما في إرساء مشروع المصالحة الوطنية التي نجح أردوغان في وضع أسسها، وتحتاج الى شخصية مرنة وحازمة في الان نفسه لإنجاحها مساراتها وتحقيق سلام داخلي بين كل شرائح الشعب التركي وهو ماصرح به أردوغان بأنه سيكون سندا لرئيس الوزراء الجديد قائلا : أنا مقتنع بأن الحكومة بقيادة "داود أوغلو"، ستواصل عملها بنفس التصميم، والإرادة، وسأقف كوني رئيساً للجمهورية، بجانب السيد "داود أوغلو"، في مكافحة الكيان الموازي، وفي مسيرة السلام الداخلي .

 أما الهدف الثاني فهو الجبهة الخارجية التي خبرها داوود أوغلو جيدا ومن منطلق تخصصه الأكاديمي وكخبير في العلاقات الدولية والاستراتيجية وقدرته على رسم تصور استراتيجي جديد لتركيا خلال المرحلة القادمة، والدور الذي يمكن أن تلعبه تركيا في المستقبل على المستوى الإقليمي والدولي خصوصا أن تركيا تتعرض إلى تهديدات كبيرة جراء الأوضاع المتفجرة داخل منطقة الشرق الاوسط الأمر الذي يحتاج فيه الى شخصية تؤمن بمشروع حضاري يؤهل تركيا الى أن تصبح من الدول الكبار في العالم، ويصبح لها تأثير فعال على الساحة الإقليمية والدولية، والقدرة على التفاعل مع قضايا التحرر العالمي لا سيما  القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، والثورة السورية، والمسألة العراقية، والأوضاع المصرية والليبية وتكوين تحالف دولي جديد مضاد للحلف الغربي الصهيوني الخليجي. اختيار داوود أوغلو صاحب نظرية صفر مشاكل والمؤمن بالعمق الاستراتجي والحضاري لتركيا يحدث دينامية جديدة لمشروع تركيا الذي يحلم به أردوغان ومعه داوود أوغلو وكثير من قيادات حزب العدالة والتنمية. كما ان هذا الاختيار يبعث برسالة الى الداخل التركي بأن تركيا قادمة على مرحلة جديدة تحتاج الى شخصية متمكنة في إدراة مشاكلها الداخلية بعيدا عن كل تصادم بين مؤسسة الرئاسة ومؤسة رئاسة الوزراء، كما يبعث برسالة خارجية الى أهمية تركيا مستقبلا، وسعيها لكي تكون لاعبا مهما في العالم والحفاظ على عمقها الاستراتجي سواء على المستوى الإقليمي أو على المستوى الدولي. إن انتخاب أردوغان لرئاسة الجمهورية واختيار داوود اغلو لرئاسة حزب العدالة والتنمية ورئاسة الوزراء يوحي بأن تركيا مقبلة على مرحلة جديدة سيتم فيها صياغة ورسم رؤية سياسية واستراتجية جديدة داخليا وخارجيا للمشروع الحضاري التركي الذي يؤمن به كلا الرجلين . مما يجعلنا نطرح التساؤل التالي:  سينجح أحمد داوود أغلو في إدارة المعركة الداخلية خصوصا في الانتخابات التشريعية القادمة أم لا؟ وهل سينجح أوغلو في فرض كاريزما خاصة به تحل محل  قوة  تأثير شخصية أردوغان الكاريزماتية.؟ وهل قادر على ان يمارس مهامه دونما يكون خاضعا لهيمنة رئاسة الجمهورية وقيودها؟

عن الكاتب

د. زبير خلف الله

كاتب - المركز العربي التركي للتفكير الحضاري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس