محمود أوفور - صحيفة أقشام - ترجمة وتحرير ترك برس

تسبب الانفجار الذي وقع في أنقرة يوم السبت الماضي بمقتل ما يزيد عن 90 شخصا، وإصابة المئات الآخرين، هذه الحادثة التي أحزنتنا كثيرا، وهزت الوسط التركي، يجب أن يقابلها كل إنسان صاحب قلب وعقل، بإدانتها، وبوصفها بأنها عمل إرهابي، لأنّ هذا الهجوم ليس موجها لحزب لوحده، وإنما موجه نحو المجتمع التركي بأسره، ويستهدف تركيا.

لماذا تركيا تحديدا؟

السبب واضح جدا، وذلك لأنّ تركيا تعيش مرحلة تحول تاريخية سواء على صعيدها الداخلي أو على صعيد تأثيرها في المنطقة، ولأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، ولهذا أصبحت تركيا هدفا للعديد من العمليات الداخلية والخارجية خلال السنوات القليلة الماضية.

حاولت العديد من الأطراف خلال العامين الماضيين تحديدا، تحويل تركيا إلى ساحة فوضى كالذي يحدث في العراق وفي سوريا، وحاولوا مرارا وتكرارا لإشعال فتيل حرب طائفية وعرقية في تركيا، وكانت مجزرة سوروج التي حصلت قبل انتخابات 7 حزيران/ يونيو جزءًا لا يتجزأ من هذه المحاولات، وأيضا إعلان اتحاد المجتمعات الكردي المتطرف عن انتهاء وقف إطلاق النار وبدء "الحرب الشعبية" برغم فوز حزب الشعوب الديمقراطي بثمانين مقعدا في البرلمان، كان من ضمن نفس المخططات.

فشلت تلك المحاولات جميعها، التي حاولوا من خلالها جعل تركيا تنشغل بشأنها الداخلي، وإيجاد حالة من الفوضى داخل المجتمع التركي، وجاء توقيت مجزرة أنقرة في وقت حساس جدا، ويحمل دلالات هامة، ففي الوقت الذي تعيش فيه سوريا تطورات خطيرة، وفي الوقت الذي تدخلت فيه روسيا عسكريا في سوريا، وفي الوقت الذي تتجه فيه تركيا نحو انتخابات هي الأهم في تاريخ الجمهورية، أثناء كل ذلك حدثت مجزرة أنقرة.

ولذلك على الجميع التوقف والتفكير قليلا، وخصوصا الأحزاب السياسية المرشحة لقيادة إدارة البلاد، لأنه يقع عليهم مسؤولية أكبر من الآخرين، فوقوف أحزاب مدنية صامتة في وجه الارهاب هو أمرٌ لا يمكن تفسيره، مع حقهم الكامل في انتقاد الاجراءات التي تتخذها الدولة ضد الارهاب وضعفها إن وجد.

ليس من الأخلاق السياسية الإعلان عن حزب منافس بأنه حزب "قاتل"، وانظروا إلى ما قاله رئيس حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرطاش في تصريحاته الأخيرة التي قال فيها: "هل هناك احتمال أنْ لا تعلم الدولة بهذا الانفجار وهي التي تتابعنا ليل نهار؟ نحن نعيش في دولة تطبق سياسة المافيا وسياسة القتلة والمجرمين".

لا يوجد أي تفسير منطقي بالإمكان استيعابه لتصريحات صلاح الدين دمثرطاش هذه التي جاءت بعد مرور دقائق فقط على وقوع المجزرة الدموية المروعة في أنقرة، أنا لم أصدق للوهلة الأولى أنه قال ذلك، لكن دميرطاش يُصر على ارتكابه نفس الخطأ التاريخي.

إذا لم تتحد الأحزاب السياسية اليوم فمتى تتحد؟

هذا الهجوم لم يكن هجوما ضد حزب الشعوب الديمقراطي أو منظماته المدنية، وإنما كان هجوما ضد كل الأحزاب السياسية التركية وضد تركيا بأسرها، ولهذا يجب على جميع الأحزاب السياسية أنْ تتخذ موقفا موحدا واضحا ضد الارهاب، فإذا لم تتحد الأحزاب اليوم متى ستتحد؟

وقد كانت تصريحات كمال كلجدار أوغلو إيجابية في هذا الجانب، حيث قال: "أوجه ندائي بكل وضوح، ماذا تريدون أن تفعلوا؟ تريدون الوقوف في وجه الإرهاب؟ وإنهاء الإرهاب؟ علينا جميعا أن نجلس سويا ونتعاون في هذا الموضوع. يجب على جميع الأحزاب أنْ تفعل ما يجب عليها القيام به حتى لا تبكي الأمهات، علينا الوقوف سويا بكل ثبات في وجه الارهاب".

وقد وجه عمر تشيليك متحدثا باسم حزب العدالة والتنمية نفس النداء، حينما صرح: "نوجه نداءنا إلى كل الأحزاب السياسية كي نشكل موقفا مشتركا ضد الارهاب، فهذه الوظيفة تاريخية".

نعم، إذا لم تأخذ الأحزاب السياسية اليوم موقفا مشتركا فمتى ستتحد؟

عن الكاتب

محمود أوفور

كاتب في جريدة صباح


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس