د. علي بكراكي - خاص ترك برس

قالوا إن الأول من تشرين الثاني هو يوم مجيد... ففيه ألغيت السلطنة العثمانية عام 1922 وفيه أيضًا ستسقط سلطنة أردوغان كما طاب لهم أن يسموها... فكان نفس التاريخ في العام 2015 موعدًا ليسجل التاريخ فوزًا ساحقًا لقيادة حزب العدالة والتنمية لإكمال مسيرة النهضة في تركيا وليقول الشعب كلمته الفصل في وجه كل من حرض وحشد وجمع جمعه ليسحق هذا الركب... قال الشعب نعم للعدالة والتنمية في تركيا وكلا لجميع المصطادين في الماء العكر...

قالوا سنطفئ المصباح الذي اتخذه حزب العدالة والتنمية شعارًا لمسيرته، فأبى الشعب إلا ان يجعل هذا المصباح فوق رؤوس الجميع في عرس انتخابي ديموقراطي أعد له الكل واستعدت له كل القوى بكل ما أوتيت من حيلة ووسيلة... فجاءت نتيجة الإنتخابات كما أرادها الشعب وليس كما تمنوها هم...

نصف الشعب التركي قال نعم للإستقرار، نعم لنهضة الإقتصاد، نعم لمكافحة الإرهاب، نعم للوحدة بين جميع أطياف الشعب الذي يعيش فوق الأراضي التركية... هم أرادوا تصويرها صراعًا إثنيًا بين الأتراك والأكراد، فقال الشعب كلمته بوضوح، أن لا مشكلة إثنية أو عرقية في تركيا، وأن التركي والكردي والعربي والشركسي والكرجي واللاز هم إخوة يتقاسمون المسار والمصير في هذا الوطن... لقد قالت كل هذه الأطياف كلمة واحدة، ووجهت رسالتها بوضوح إلى العالم بأسره... نحن في تركيا كالجسد الواحد، لا فرق بيننا في الحقوق والواجبات، كلنا مواطنون نحب الأرض التي نعيش فيها معًا، ونتقاسم خيراتها معًا، ونشارك في بنائها معًا...

قالوا إن فوز العدالة والتنمية هي نهاية للديموقراطية في تركيا، وعودة إلى التخلف والرجعية... ولكن الشعب استعمل حقه الديموقراطي، فشارك بنسبة تخطت التسعة والثمانين في المئة ليقول أنه لم ير التقدمية الحقيقية إلا عندما تسلم أردوغان دفة قيادة البلاد ليوصلها إلى مصاف الدول المتقدمة في الصناعة والزراعة والصحة والتعليم...

قالوا إن حرية الصحافة والإعلان قد قيدها الحزب الحاكم ومنعها من الكلام، ولكن الشعب رأى الفوكس نيوز والسي أن أن التركية وتلفزيون الشعب (خلق) وغيرها من المحطات والصحف التي تنعت الرئيس بأبشع الصفات لا تتوقف عن الصدور ولا يمنع توزيعها أحد... لقد سخرت المعارضة كل امكانياتها في القوة السادسة لقهر حزب العدالة والتنمية ولكن الشعب لم يصدق إلا ما رأته عيناه من بناء وعمل دؤوب للوصول بالبلاد إلى بر الأمان...

لقد وجه الشعب التركي رسائل متعددة إلى الداخل والخارج على حد سواء... فلقد أظهرت نتائج الإنتخابات أن الشعب بكل أطيافه هو مع وحدة الأراضي التركية ومع استمرار اللحمة والتكافل بين جميع أبناء الوطن، وأنه يبغض الإرهاب، ويقف مع حكومته وجيشه في مواجهة كل من تسول له نفسه بالتعدي على تركيا... لقد أظهر الشعب ميله نحو متابعة المسيرة مع حزب العدالة والتنمية وعدم رغبته في الدخول إلى المجهول أو في تجارب سياسية او اقتصادية قد تكلفه الكثير في زمن كثرت فيه الحروب والويلات وانتشر فيه القتل والظلم في كل بلاد الجوار القريب منها والبعيد. لقد أظهر الأتراك مجددًا تعلقهم بصورة الزعيم القوي والرجل القادر على قول كلمته أينما حل وذهب. إن الزمن وإن تبدل إلا أن ذاكرة الأتراك لا تزال تدغدغها صورة القائد الفذ الذي يصول ويجول ويواجه ولا يخاف. هكذا خسر الحزب القومي مليونا ناخب، وهكذا ضاع مليون آخر من يد حزب الشعوب الديموقراطي لمصلحة العدالة والتنمية في الإنتخابات الأخيرة.

لقد أظهر الشعب بغضه لسياسة التعالي التي يمارسها اليساريون على المجتمع بازدرائهم لمعتقدات الناس وعدم احترامهم لانتمائهم القومي والديني، كما أنه فضل الإبتعاد عن لغة الإقصاء ونهج الحدة التي سار عليها الحزب القومي الذي لم يستطع تطوير أدائه السياسي منذ فترة طويلة من الزمن، ورفض الشعب كذلك أن يتورط في دعم حزب الشعوب الديموقراطي بعد أن سقط قناعه الجميل ليظهر عمق ارتباطه بالإنفصاليين الذين عاثوا في البلاد قتلًا وتفجيرًا وإفسادًا. لقد اختار الشعب الوسطية والديناميكية والإستقرار الذي يتحكم به عقل سليم ورؤية واقعية للحاضر وتعلق بالتاريخ والمقدسات.

أما على الصعيد الخارجي، فمنهم من قرأ في هذا الفوز انتصار لمشروع النهضة الاسلامية، ومنهم من رأى فيه غلبة لكل الشعوب التي تناضل من أجل الحرية، ومنهم من اعتبره نصر للقضية الفسلطينية... أما داود أوغلو فلقد أعلنها هذه المرة من قونية، ومن أمام التكية المولوية حيث يرقد مولانا جلال الدين الرومي... لقد ربحت تركيا، وربحت ديموقراطيتها، وانتصرت إرادة الشعب الذي أحب العيش المشترك مع أهله وجيرانه... لا خاسر اليوم... الكل فائزون... الكل فائزون!

عن الكاتب

د. علي بكراكي

رئيس الملتقى اللبناني التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس