محمد حسن القدو - خاص ترك برس

يكاد البعض لا يميز بين الموقف الإنساني التركي الأصيل الذي دأبت عليه تركيا في كل أزمانها من تقديم يد العون والمساعدة اللامحدودة في حالة حصول حادث أو كارثة إنسانية أو نكبة تصيب أية من الدول وخصوصا الدول المجاورة، وبين استراتيجيات الدول الأخرى وخصوصا الدول الكبرى التي طالما تستغل الظروف الدولية المستجدة واستخدامها  لصالحها دون أية اعتبار للناحية الإنسانية.

لا تختلف النكبة السورية عن غيرها من النكبات والكوارث التي وقفت فيها تركيا موقفا متميزا منطلقا من نزعة إنسانية اتسم بها الأتراك عبر تاريخهم، والشواهد كثيرة على كلامنا ونحن إذ نذكر بعضها والتي حدثت في الفترة الماضية ومنها على سبيل المثال لا الحصر موقفها المشرف والداعم لجهود الحكومة اليونانية إبان كارثة الزلازل التي ضربت الأراضي اليونانية في وقت كانت فيه العلاقات بينهما توصف بالمتوترة جدا لأن اليونان كانت تبذل في حينها كل ما باستطاعتها في سبيل النيل من تركيا، لكن بمجرد أن حدثت الكارثة تناست تركيا كل خلافاتها معها ووقفت إلى جانبها وكأن شيئا لم يكن بينهما، والشاهد الآخر هو فتح حدودها أمام اللاجئين الأكراد العراقيين - عندما أمر الرئيس الراحل توركوت أوزال بتسخير كافة الإمكانات لاحتضان اللاجئين الأكراد داخل تركيا عام 1991 ولم تبالي إلى أية حساسيات قد تنشأ مستقبلا جراء هذا الإجراء.

هذه المواقف وغيرها تؤكد أن التحركات التركية من الأحداث الجارية في سوريا نابعة من حسها الإنساني وأن سياسة الباب المفتوح التي انتهجتها الحكومة التركية تجاه اللاجئين السوريين هي يجب أن تكتب لها ولا تكون مأخذا عليها، كما يحاول البعض ترويجها وكأن معاناة البعض سلعة رائجة في هذا الزمان.

ولذا يتطرق البعض إلى أن قطع العلاقات التركية مع سوريا ليس في صالح تركيا ناسيا أن الجامعة العربية المعنية بالدرجة الأولى بالشأن السوري قد اتخذت قرارا أنهت فيه مهمة مندوب النظام السوري في الجامعة العربية واستبدلته بمندوب عن المعارضة السورية يكون ممثلا للشعب السوري، وأيضا ليس للمعاناة الإنسانية أية قيمة عند هولاء الطبالين.

لكن تركيا بدلا من التفكير في الربح والخسارة أرادت وبإصرار أن تنشى منطقة آمنة عازلة تحت إشراف الأمم المتحدة غايتها احتواء وحماية اللاجئين السوريين الفاريين من جحيم وحمم النار التي تلقيها عليهم القوات السورية من البر والجو وهذه حقيقة دعوة عملية وواقعية لكن لم تلقَ الأذن الصاغية من الأطراف الدولية في حينها، لكن الآن بدأت الدول الأوربية بتبني هذا الطرح المقدم من تركيا بعدما لاحظت معاناة الاجئين السوريين في الدول الأوروبية إن لم نقل معاناة الأوروبيين من العدد غير المتوقع لهولاء اللاجئين.

أما الحديث عن الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي فلا شك أنه في آخر تخوفات واهتمامات الحكومة التركية لأن باستطاعة تركيا حماية نفسها بكل سهولة من تأثير هذه المنظمات الإرهابية الآتية من وراء الحدود، وعلنا نتذكرمعسكرات حزب العمال الكردستاني في الأراضي السورية إبان حكم حافظ الأسد ونتذكر كيف أن الحزب أنهى نشاطاته بين ليلة وضحاها بمجرد أن حشدت تركيا قواتها على الحدود مع سوريا.

وعلى هذا الأساس نرى أن أمريكا وروسيا تسعيان إلى وقف إطلاق النار والذي يدخل حيز التنفيذ خلال الأيام القليلة القادمة، وبالطبع يلتقيان هذه المرة معا مع اختلاف غايتهما من وقف إطلاق النار، فالمسعى الأمريكي لوقف إطلاق النار سببه عدم استطاعتها التدخل المباشر لحل القضية السورية بسبب تقيد الإدارة الأمريكية من قبل الأعضاء الجمهوريين في الكونجرس بالإضافة إلى الانتخابات الأمريكية القريبة والتي يخشى فيها الديمقراطيون من حدوث ما لا يحمد عقباه أو الاثنين معا، وهذا الموقف يذكرنا بالموقف الأمريكي من قضية الرهائن الأمريكان في إيران عام 1980 عندما تم تقييد مساعي الرئيس كارتر لإطلاق سراحهم حيث تمت عملية إطلاق سراحهم بعد رحيله من البيت الأبيض وجلوس الجمهوري بدلا منه في المكتب البيضوي.

أما المسعى الروسي والذي بدأت أولى علاماته في القبول بوقف إطلاق النار هي التصريحات المتعاقبة للقادة والمسؤولين الروس وتهجمهم على القيادة السورية وكذلك خشيتهم من الحرج الحقيقي بعد التحشدات التركية على الحدود السورية وتهديدها للمقاتلين الأكراد السوريين والذين تم اتهامهم بصورة مباشرة بالضلوع في تفجيرات أنقرة، من أن تقوم أنقرة بملاحقة اعضاء الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري والمدعومة من عدة أطراف  داخل الأراضي السورية.

لذا فإن كل الأصوات التي يحلو لها أن تدين تركيا مرة على موقفها المتشدد من التدخل الروسي ومرة أخرى من تهاونها حيال حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه المسلح، ستظل صامتة أمام الاستعجال الأمريكي والروسي في وقف إطلاق النار في سوريا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس