سليم الحكيمي - خاص ترك برس

التوتر بين إيران والسعودية كأحد مظاهر التصدع الجيوسياسي المتفاقم،  يعود بنا إلى الهواجس الأولى من العلاقات بين البلدين إثر اندلاع الثورة الإيرانية، مرت العلاقات بين البلدين بثلاث مراحل  لم تعرف صفاء الودّ . كانت المرحلة الأولى فترة  الانتظار أيام الثورة، من كانون الثاني/ يناير  1979 إلى كانون الأول/ ديسمبر 1982 لم تكن فيها  للسعودية سياسة فعلية تجاه إيران، وكان مسؤولوها يمتنعون عن الإدلاء بوجهات نظرهم الصريحة تجاه الثورة، مركزين جهدهم على دراسة القضايا الخلافية الإيرانية وسعوا  للحيلولة دون تصدير الثورة  إلى  العرب بشكل سري.

فتم تأسيس مجلس التعاون الخليجي بمساعي من السعودية ليضم 6 دول خليجية هي: السعودية وقطر والبحرين وعمان والإمارات والكويت،  لإقامة سد دفاعي في مواجهة نفوذ الثورة  الإيرانية في المنطقة.ثم جاءت مرحلة السياسة السعودية المزدوجة تجاه إيران من 1982 – 1986 حيث طغى  فيه الجانب السياسي الإيجابي للسياسة السعودية تجاه إيران في السماح للحجاج الإيرانيين بممارسة مراسم البراءة من المشركين، وسعت في الوساطة لحل الأزمة العراقية الإيرانية، عقب ذلك اتخذت السعودية سياسة جديدة فاتجهت إلى الدعم الكامل للعراق، إذ باعته يوميًا  280 ألف برميل نفط في المنطقة المحايدة (بين العراق والسعودية), وقد تعهدت بدفع جزء من قيمة مشتريات الأسلحة العراقية فمهدت لمرحلة قطع العلاقات (من أواخر 1986 حتى 1998).

وقد توترت علاقات الدولتين بعد قيام القوات الأمنية السعودية في (30 تموز/ يوليو 1988) بقتل 400 حاج إيراني، واعتبر الإمام الخميني وقتها إسلام السعودية إسلام على الطريقة الأمريكية. ما يحدث الآن يستدعي نزاعات الامس التي لا تترمَّد إلا لكي تتجدَّد بتعقيد أكثر : ويعد اليمن واحدا من مناطق الصراع الإقليمي، كأحد  بلدان محط الخلاف.

فتصريحات المرشد الأعلى علي خامنئي، ورئيس الجمهورية حسن روحاني، وغيرهما من قادة الحرس الثوري والبرلمانيين، الذين أدلوا بتصريحات عن "انتصار الثورة الإسلامية" في اليمن، وعن وصول إيران إلى سواحل البحر الأحمر ومضيق باب المندب، عدا عن سقوط العاصمة العربية الرابعة (صنعاء) في يد طهران، أحست الرياض أن النفوذ الإيراني بدأ يمتد حول خواصرها الجنوبية في اليمن والشرقية في العراق، حيث سلحت إيران، ومولت ودربت جماعات شيعية، الحوثيين في اليمن، ومجاميع الحشد الشعبي في العراق، المكون من عدد من الفصائل الشيعية، وفي مقدمتها فيلق بدر.

أضاف الاتفاق النووي الغربي الإيراني ملحا على جرح، قراته إيران  على أنه تعبير عن ضعف أمريكي وغربي و ضوءًا أخضر لإطلاق يدها في المنطقة، وبالتالي  المزيد من التصادم مع الدول الخليجية التي ترى  طهران التهديد الاستراتيجي الأكبر لها في المنطقة، والذي يستلزم المزيد من الإنفاق العسكري. فقد أعلنت  وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" حديثا، أن  السعودية ترغب في  شراء 600 صاروخ بتريوت اعتراضي  بقيمة 5 مليارات دولار. وهذا الأمر يكشف  عن التخوفات الخليجية من السلوك الإيراني بعد الاتفاق النووي.  في ظل استمرار  المفردات الطائفية، سواء في الخطاب السياسي الإيراني أو بعض الدول الخليجية. فمثل هذه المفردات انتشرت في المنطقة كثيرًا بعد الغزو الأمريكي للعراق في 2003 وتنامي النفوذ الإيراني داخل العراق وما ارتبط به من دعم للطائفة الشيعية هناك، ليتم بذلك الترويج للاستقطاب الشيعي-السني في كافة أنحاء المنطقة، وفي الوقت ذاته زادت حدة العداء بين إيران وعدد من الدول الخليجية.

والأمر المثير للقلق في هذا السياق أن هذه المفردات لا تزال حاضرة في الخطاب السياسي الإيراني بقوة وهي ما يشرع للمخاوف الخليجية حقيقة. ومنها ما ورد في  خطبة المرشد الأعلى للثورة  "علي خامنئي" في عيد الفطر الماضي بعد التوقيع على الاتفاق النووي. كما أن عدم تسوية الملفين السوري واليمني، والاستمرار في حالة الحرب في كلا الدولتين، ينتقص من احتمالات التقارب الحقيقية بين إيران والدول الخليجية، فجزء أساسي من أسباب الصراع بين الخليج وإيران خلال السنوات الماضية ارتبط بالدعم المتعارض من جانب الطرفين لأطراف الصراعات الإقليمية المندلعة في أعقاب ثورات الربيع العربي. وبالتالي فإن الإصرار على تبني النهج ذاته، والاعتماد على الحروب بالوكالة، سيعني أن فرص التهدئة المستقبلية بين إيران والخليج شبه مستحيلة. إذ تقف الرياض وطهران على طرفي نقيض في أزمات الشرق الأوسط، لا سيما في الدول المختلطة مذهبيا ففي سوريا، تدعم طهران نظام الرئيس السوري بشار الأسد مقابل دعم سعودي لمعارضيه، وفي اليمن تقود المملكة تحالفا عربيا ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران. وفي لبنان، تساند السعودية خصوم حزب الله الشيعي حليف إيران والذي يقاتل في سوريا إلى جانب النظام، بينما تدعو في العراق لعدم “تهميش” العرب السُّنة، في وجه التــأييد الإيراني للأحزاب والفصائل الشيعية.

وهو ما يبين ان مواطن النزال بينهما عديدة ولكن الايجابي ان القيادة السعودية، لن تكون مساومة مع السياسة الإيرانية مستقبلا بعد أن استيقنت من أنها صارت محاصرة بسبب سياسية خارجية خاطئة سبقت الملك سلمان بن عبد العزيز الذي شرع في تصحيحها منذ مجيئه. وسيكون للسعوديين موقف قاس تجاه الإيرانيين وتصلب في سوريا، و العراق، لبنان واليمن، لأنهم  صاروا مستيقنين  أن تحدي إيران أُرجئ إلى وقت طويل .

تحالف سُّني وكسر الهلال الطّائفي

خلافا للحكومة، و قف أردوغان  بجانب السعودية في الخلاف، بعد أن توترت علاقة تركيا  مع  إيران حين اختارت طهران أن تقف مع روسيا في أزمة الطائرة ولم تقف مع الحق.  إذ شنّ أردوغان هجوما غير مسبوق على إيران، واصفًا إعدام الشيخ نمر النمر بأنه شأن سعودي داخلي، وأن إيران التي تشارك بقتل 400 ألف مدني سوري لا يحق لها الاعتراض على إعدام شخص واحد،إذ صرح قائلا: "ينتقدون إعدام فرد ويعدمون هم العشرات، ويدعمون بشار الأسد في قتله أربعمائة ألف سوري، ويصمت العالم كله عن إعدام الرئيس الشرعي مرسي". رغم أن العلاقات بين تركيا وإيران  قوية وتاريخية، حيث تربطهما جملة من العلاقات التجارية والسياسية، فقد زار رئيس الشؤون الدينية "محمد غورماز" الأسبوع الماضي طهران في مؤتمر الوحدة الإسلامية.

ولكن زيارة أردوغان للسعودية تبين تنامي العلاقات بين البلدين، حيث امضى الملك سلمان وأردوغان على إنشاء مجلس للتعاون الاستراتيجي بين البلدين، للتعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية وقعت إثرها السعودية عددًا من الاتفاقيات، أهمها اتفاقية شراء عربات مدرعة ومعدات عسكرية من تركيا بقيمة  2.5 مليار دولار وقد  تصل إلى 10 مليارات دولار . الوقت ليس مناسبا بالنسبة للإيرانيين لتفجير الأوضاع في الخليج لا سيما مع اقتراب الرفع التدريجي للعقوبات المفروضة على طهران نتيجة الاتفاق حول برنامجها النووي الذي تم التوصل إليه مع الدول الكبرى في تموز/ يوليو الماضي، وما سيعنيه ذلك من إفادتها من أرصدة مالية مجمدة، والسماح  بتصدير نفطها.

والتنافر بين  السعودية وإيران، الذي تختلط فيه العوامل السياسية بالبعد المذهبي،سيؤدي  إلى زيادة التوترات الأمنية بين السنة والشيعة في دول عدة، خاصة  في العراق الذي شهد حربا مذهــبية دموية بين العامين 2006 و2008. والجدير بالاهتمام أنه لأول مرة في عاصفة الحزم  ينشأ تحالف عربي بقيادة عسكرية عربية وبتخطيط عسكري مشترك، و بتكتل خليجي عربي واضح، وهو تحالف لم تفرضه ردة الفعل وإنما إرادة الفعل، التي تدعو للتفاؤل.

تركيا التي بنت سياستها على سياسة "تصفير المشاكل"  فرض عليها الواقع الاقليمي والموقف الدولي من الصّراعات خصوما وهذه ضريبة الموقف والجغرافيا أيضا اللذان يقتضيان  خصوما وأصدقاء بالاضافة إلى الثمن الباهظ الذي تدفعه ضريبة هويتها الفكرية والسياسية كدولة مسلمة حتى وإن كانت علمانية التوجّه، وثمن المواقف المتوافقة مع ضمير الأمة العربية الإسلامية لبعض زعاماتها التاريخيين. كل من تركيا المنضوية منذ زمن العلمانية تحت "الناتو"،والسعودية المنبهرة دهرا بقوة الغالب الأمريكي والتي مشت تحت ظله طويلا دفعا ثمن رهن قرار الاستقلاليّة والدّفاع الاستراتيجي بيد "العم سام" ولكن حان وقت افترقت فيه الغايات والاستراتيجيّات في اليمن وسوريا.

حاليًا، يوجد محوران متصارعان في البيت الخليجي، محور يريد تركيا بجانب السعودية، والآخر لا يريد رؤيتها كذلك  وهي الإمارات العربية المتحدة، مستبعداً أن تكون لعلاقة تركيا مع إيران دور في ضعف المشاركة التركية بالمناورات. و تركيا اليوم عملت على الموازنة بين علاقاتها المتنامية في الفترة الأخيرة مع السعودية، وبين علاقاتها القديمة مع إيران،  التي تحرص بشكل دام على إبقاء خط رجعة معها، وهي تريد في نفس الوقت التعاون مع السعودية ولكن ليس على حساب علاقاتها مع طهران. و التضارب الذي رافق المشاركة التركية  الرمزيّة في مناورات رعد الشمال الاخيرة  بقيادة المملكة  السعودية التي شاركت فيها 20 دولة  يكشف حساسيّة التّحالف السعودي التركي، حيث أكّدت تركيا أنها  لن تشارك في مناورات "رعد الشمال"، المرتقبة بقيادة السعودية، معتبرةً أن ورود هذه الادّعاءات في فترة حساسة تمر بها المنطقة من شأنه أن يلحق الضرر بتركيا.

واقتصر الحضور التركي على ضابطين من الجيش سيمثلان تركيا التي تشارك بصفة "مراقب" في المناورات. عضوية تركيا في الحلف الأطلسي ثابتة غير أنها لا تجد من الحلف  ضمانات كافية في سياق تدهور علاقاتها مع روسيا. وهي إلى غاية اليوم تفشل مساعيها بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. والتحالف الثنائي السُني  بين تركيا والسعودية صار تحالفا هاما قد يقلب موازين القوى في المنطقة وهو ما فعله على أرض القتال في سوريا بدعمه للمعارضة المعتدلة  لوقف التدهور في المنطقة، وهو أولوية  مطلقة يقودها الملك سلمان وأردوغان في عالم متغير تمثل فيه الأحلاف الثنائية قدرة هامة على تغيير موازين القوى الإقليمية بعد أن توضح أن النظام الدولي صار قابلا للاختراق.

عن الكاتب

سليم الحكيمي

صحفي تونسي متخصص في الشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس