ميخائيل هيرتسوج وسونير كاجابتاي - مجلة غلوباليست - ترجمة وتحرير ترك برس

تحرز الجهود التي تبذلها إسرائيل وتركيا لتحسين العلاقات الثنائية المتوترة بينهما تقدما. منذ أسبوعين  وفي أعقاب جولة أخرى من المباحثات، أعلنت وزارة الخارجية التركية أن التوصل لاتفاق بشأن استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع تل أبيب يتوقع أن أن يكون قريبا.

وفي وقت سابق اجتمع وزيرا الطاقة في البلدين بعيدا عن الأعين خلال قمة الأمن النووي الأخيرة التي عقدت في واشنطن، في أول لقاء على المستوى الوزاري منذ عام 2010 عندما حاول أسطول صغير من السفن التركية كسر الحصار البحري الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس، ما أدى إلى وقوع مواجهة عنيفة.

ومثلما تقدمت محادثات المصالحة خلال الأشهر الأخيرة، فإن الأجواء بين الحكومتين تحسنت بصورة ملحوظة.

بعد الهجوم الإرهابي الذي نفذه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في إسطنبول في ال19 من آذار/ مارس، والذي أودى بحياة ثلاثة سياح إسرائيليين، أرسل الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو رسائل تعزية إلى الرئيس الإسرائيلي ورئيس حكومته.

وفي المقابل اتصل الرئيس الإسرائيلي رؤوبين ريفلين هاتفيا بالرئيس أردوغان، في أول محادثة هاتفية على المستوى الرئاسي بين البلدين خلال ست سنوات. كما أشادت تل أبيب علنا بالطريقة التي تعاملت بها أنقرة مع إخلاء الضحايا الإسرائيليين.

ومع ذلك فإن التحديات التي تواجه التوصل إلى اتفاق دائم تتجاوز عالم الإيماءات الدبلوماسية المبشرة.

ازدياد الرغبة في المصالحة

حتى وقت قريب سارت مباحثات المصالحة ببطئ  لعدة سنوات صعودا وهبوطا. كان الجانبان قريبين من التوصل لاتفاق لتطبيع العلاقات في عامي 2011 و2013، لكن أيا منهما لم يكن مضطرا لاتخاذ خطوة إضافية لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق.

تزايد الاهتمام التركي باستعادة العلاقات على مدى الأشهر القليلة الماضية. وحصلت إسرائيل على تقدير أفضل من الجانب التركي لفوائد المصالحة مع فاعل إقليمي في بيئة مضطربة.

وقد نقل أردوغان رغبته في في تطبيع العلاقات عبر بضع قنوات، بمن في ذلك نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي زار أنقرة في 21 كانون الثاني/ يناير الماضي، وزار تل أبيب في الثامن من آذار/ مارس.

وبالإضافة إلى ذلك حظى رؤساء المنظمات اليهودية الكبرى باجتماعين مغلقين مع أردوغان في أنقرة في التاسع من شباط/ فبراير الماضي، وفي واشنطن في الثلاثين من آذار.

كما عقد أردوغان اجتماعا للحكومة يوم 22 شباط لمناقشة عملية المصالحة، وذكرت صحيفة حرييت التركية أن نبرة النقاش كانت إيجابية ومتفائلة.

وفي الآونة الأخيرة، وخلال خطاب ألقاه في 31 آذار أمام معهد بروكينجز في واشنطن، أمضى أردوغان وقتا طويلا في مناقشة المصالحة مع إسرائيل أطول من أي موضوع إقليمي آخر، وتوقع أن تنتهي مفاوضات المصالحة بالنجاح.

زاد اهتمام تركيا بالتقارب مع إسرائيل بعد أن انهارت سياستها الإقليمية تحت وطأة الاضطرابات المستمرة لاسيما في سوريا، حيث أخفقت أنقرة في تحقيق هدفها بالإطاحة بنظام الأسد.

وثمة عامل مهيمن آخر كان انفجار أزمة العلاقات مع روسيا، بعد نشر موسكو قوات لدعم الأسد في أيلول/ سبتمبر الماضي، ثم إسقاط تركيا لطائرة روسية بعدها بشهرين.

وفي مواجهة هذه التحديات، والتهديدات المتزايدة من قبل تنظيم الدولة الإسلامية، أدركت أنقرة ما الذي يمكن أن تربحه من تحسين العلاقات مع فاعل إقليمي مستقر مثل إسرائيل التي تشارك تركيا الاستياء من المحور المؤيد للأسد.

وعلى الرغم من الخلاف السياسي بينهما بشأن القضية الفلسطينية، فإن إسرائيل تحمل مفتاح الدور التركي في قطاع غزة، وهو دور له مغزى بالنسبة لحكومة أردوغان لأسباب سنناقشها بإسهاب فيما بعد.

من المرجح أن تقود المصالح المشتركة بين البلدين المتعلقة بالطاقة جهود المصالحة، فإسرائيل تريد أن تجنى فوائد اقتصادية وسياسية من تصدير الغاز الطبيعي في حقولها البحرية إلى تركيا.

ستزود أي صفقة من هذا القبيل أنقرة بالغاز الرخيص، وستمنحها فرصة إعادة تصدير بعضه إلى أوروبا، وتنويع واردتها من الطاقة بعيدا عن روسيا التي تزود تركيا حاليا بـ55% من احتياجتها من الغاز.

ومن الجدير بالذكر أن الأزمة السياسية بين تركيا وإسرائيل لم تقوض العلاقات التجارية التي استمرت في النمو، حيث تواصل العمل باتفاق التجارة الحرة الذي وقع في عقد التسعينيات.

تحديات أمام التوصل لاتفاق المصالحة

اتفقت إسرائيل وتركيا على الشروط الأساس لتطبيع العلاقات بينهما في عام 2011، لكن بعض هذه الشروط لا يزال ينتظر قرارا، على الرغم من التقدم الذي أحرز مؤخرا.

في آذار من عام 2013 اتصل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو هاتفيا بالرئيس أردوغان للاعتذار عن "أخطاء العملية" الإسرائيلية التي أسفرت عن سقوط ضحايا أتراك كانوا على متن السفينة في عام 2010 (على الرغم من أن إسرائيل ترفض الاعتذار عن إيقاف السفينة وتعد ذلك عملا مشروعا دفاعا عن النفس).

وبعد ذلك وافقت إسرائيل على دفع تعويضات لعائلات الضحايا الأتراك بمجرد التوصل إلى اتفاق نهائي عبر إنشاء صندوق دولي خاص قيل إن مجموعه 20 مليون دولار تقريبا.

في المقابل وافقت تركيا على سحب أو إيقاف جميع لوائح الاتهام الموجهة إلى الإسرائيليين المتورطين في الحادث أو اتخاذ إجراءات أخرى عامة أو خاصة ضدهم. وقد أقر الرئيس أردوغان علنا بأن هذه المسألة قد سويت تقريبا.

لكن حجر العثرة الرئيس هو استمرار الطلب التركي بأن يشمل الاتفاق رفع الحصار الإسرائيلي عن غزة. وهذا هو الخلاف السياسي الرئيس بين الجانبين، والذي كان سببا في حادثة أسطول الحرية.

وترفض إسرائيل وجود حصار لافتة إلى أن مئات الشاحنات تعبر يوميا من إسرائيل إلى قطاع غزة تحمل المواد الغذائية والدواء ومواد البناء.

ولذلك ركز المفاوضون على الطلب التركي بإزالة العقبات التي تحول دون تنفيذ مشروعات الإسكان والعمار والبنية التحتية.

كما طلبت أنقرة رسو سفينة لتوليد الطاقة للمساعدة في حل النقص الحاد للكهرباء في القطاع.

موقف إسرائيل

بالنسبة لإسرائيل تعد هذه المطالب حساسة للغاية من الناحية السياسة والأمنية. وتركيا من أشد المؤيدين للحركات الإقليمية المتحالفة مع جماعة الإخوان المسلمين، وتسعى إلى تمكين حماس في غزة  والتي يدعو ميثاقها الرسمي علنا إلى تدمير إسرائيل.

على مدى السنوات الثماني الماضية دخلت إسرائيل في ثلاث جولات من القتال مع حماس وغيرها من الجماعات المسلحة في غزة بعد إطلاق الصورايخ وغير ذلك من الاستفزازات.

أما اليوم فإن إسرائيل لديها مصلحة واضحة في إعادة إعمار القطاع، وتقديم تيسيرات لتلك الجهود، وتعتقد أن ذلك يمكن أن يقلل خطر تفجر جولة جديدة من العنف.

ومع ذلك تضع إسرائيل في حسبانها الجهود المضنية التي تبذلها حماس لإعادة التسلح، بما في ذلك تحويل المساعدات الإنسانية.

ولذلك تصر إسرائيل على أن جميع المساعدات الخارجية لا بد أن يرافقها إطار صلب من الترتيبات الأمنية، وذلك إن أمكن التوصل إلى هدنة طويلة الأمد بمشاركة السلطة الفلسطينية.

وثمة عقبة أخرى لا تقل أهمية في سبيل تطبيع العلاقات، وهي العداء الشديد بين الرئيس أردوغان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

حاولت أنقرة فرض عقوبات في مجلس الأمن على حكومة السيسي بعدما أطاحت بحكومة محمد مرسي المدعوم من تركيا في عام 2013.

وفي المقابل لعبت مصر على ورقة قبرص، فبنت علاقات حميمة مع القبارصة اليونانيين، وأجرت معهم مناورات عسكرية عام 2015 بمشاركة إسرائيل واليونان.

الارتباط المصري الإسرائيلي

وفي الوقت نفسه فإن العلاقات المصرية الإسرائيلية في أفضل حالاتها منذ عقود ( وإن كانت غالبا خفية عن الأنظار). وقد أوضح السيسي لتل أبيب أن جهود تطبيع علاقاتها مع أنقرة يجب أن لا يكون على حساب مصالح القاهرة.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن مصر، وكذلك إسرائيل، لديها تحفظات جدية بشان طموحات تركيا في غزة المجاورة لمصر التي تنظر إلى حماس بوصفها عدوا بسبب انتمائها لجماعة الإخوان المسلمين، وتعاونها مع أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية في شبه جزيرة سيناء.

وقد وصل الأمر إلى ان اتهمت حكومة السيسي حماس ونشطاء في الإخوان المسلمين وتركيا بالتورط في اغتيال النائب العام المصري هشام بركات في القاهرة العام الماضي.

وعلى الرغم من أن مصر أطلقت مؤخرا محادثات مصالحة مع حماس، فإن مصر ليس لديها النية في رؤية حماس تسيطر على السلطة، كما انها لا تريد أن تتولى تركيا دورا قياديا في غزة. وتولي إسرائيل أهمية كبيرة لآراء القاهرة في هاتين المسألتين.

وهذه الاعتبارات مجتمعة جعلت إسرائيل غير متحمسة لطموحات تركيا الكبيرة في غزة.

وللتأكيد فإن إسرائيل مستعدة للسماح لأنقرة بتوسيع استثماراتها الكبيرة في غزة في الإسكان والبنية التحتية والصحة والتعليم. وقبل بضعة أسابيع ،على سبيل المثال، أعلنت وكالة التعاون والتنمية التركية "تيكا" خططا لبناء 320 وحدة سكنية في القطاع.

لكن إسرائيل لن تخاطر بتقديم أي تنازلات تهدد أمنها أو علاقاتها مع مصر، ولن تمنح تركيا دورا مميزا في غزة.

ويبقى أن نرى كيف ستوفق أنقرة بين هذا الموقف وبين مطلبها بأن ترفع إسرائيل الحصار عن غزة "  حسبما كرر المتحدث باسم الرئاسة التركية في الحادي عشر من نيسان/ أبريل.

من جانبها تطلب تل أبيب من تركيا إغلاق مقار حماس في إسطنبول التي  تؤكد المخابرات الإسرائيلية أنها تقود عمليات العنف في الضفة الغربية في السنوات الأخيرة.

في العام الماضي طلبت تركيا من صالح العروري مدير مكتب حماس والشخصية البارزة في الحركة مغادرة أراضيها، لكنه عاد لزيارة تركيا مرة أخرى، واستمر المكتب في العمل.

من الصعب أن توافق إسرائيل على المصالحة دون حظر هذه الأنشطة على الأقل، وستصر على طرد قيادة حماس من تركيا.

بعد الطاقة

تدعم واشنطن تصدير الغاز الإسرائيلي إلى تركيا ومن خلال تركيا إلى دول أخرى، لأن في كليهما مصلحة واشنطن، ويعد عاملا محفزا لتطبيع العلاقات.

خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل أوضح وزير الطاقة الأمريكي إرنست مونيز كيف يمكن لهذا الاتفاق أن يساعد في تنويع إمدادات الغاز الأوربية بعيدا عن روسيا. لكن هذا الخيار لا يخلو من التحديات.

ولعدم تأكدها من علاقاتها مع تركيا، عززت إسرائيل علاقاتها مع قبرص اليونانية ومع اليونان خلال السنوات الأخيرة، بما في ذلك التعاون في مجال الطاقة المكتشفة حديثا.

في الثامن والعشرين من يناير اجتمع قادة الدول الثلاث في نيقوسيا، وأعلنوا تشكيل لجنة ثلاثية لبحث إمكانية مد خط الغاز الطبيعي الذي يربط الحقول الإسرائيلية والقبرصية عبر اليونان إلى أوروبا.

ومن الناحية العملية فإن هذا الخيار غير واقعي بسبب الصعوبات الطبوغرافية.

لكن مد خط أنابيب الغاز من إسرائيل إلى تركيا يجب أن يمر عبر المياه القبرصية، الأمر الذي يتطلب الاتفاق بين البلدين، كما يتطلب ايضا توحيد قبرص، وربما يتحقق ذلك بوساطة أمريكية. وفي الوقت الحالي لا تقيم أنقرة علاقات دبلوماسية مع قبرص اليونانية.

وفي غضون ذلك عطلت التحديات التنظيمية المحلية إمكانات الغاز الإسرائيلية. وسيتعين على تل أبيب أن تزن بعناية حساسيات روسيا المحتملة من تصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر تركيا، حتى إن كان بكميات متواضعة.

الخاتمة

على الرغم من أن مفاوضات التطبيع تبدو جدية، وأقرب من أي وقت مضى إلى التوصل إلى نتيجة، فإن هناك تحديات كبيرة وخلافات سياسية لا تزال قائمة ما يخلق انطباعا في أنقرة بأن إسرائيل أقل حماسا للتوصل إلى اتفاق. ولذلك فإنه حتى لو تم التوصل إلى هذا الاتفاق فإنه لن يعيد  التقارب الثنائي الذي شهده عقد التسعينيات.

ومع ذلك فإن أي جهود تبذلها الولايات المتحدة  للتشجيع على التوصل، على الأقل، إلى التطبيع سوف تساعد في تقارب أهم حليفين لأمريكا في الشرق الأوسط. وهذا بدوره سيعزز من خيارات السياسة الأمريكية بالنسبة للإدارة القادمة في منطقة مضطربة.


* ميخائيل هيرتسوغ هو زميل في معهد واشنطن والمدير السابق لمكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، وسونير كاغابتاي هو مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!