علي الصاوي - خاص ترك برس

عندما يجور عليك الزمان ويطمع فيك القاصي والداني، وتهون في أعين الجميع فلا تلجأ إلى الانتقام للتنفيس عن غضبك، بل استدعى تاريخك المشرف وسيرتك الأدبية الحسنة وذكّر هؤلاء بأنفسهم وما كانوا عليه، قبل أن يَمنّ الله عليهم وتنعهم بلادهم بالأمان ورفاهية العيش، وما أحوجنا كعرب لاستدعاء تاريخنا العظيم ومآثرنا الطيبة وكرم أخلاقنا مع الآخر لمواجهة من يمارسون العنصرية علينا من الأتراك أتباع حزب الشعب الجمهوري المتخلّف سياسيا والساقط انتخابيا، ليعلم هذا الجيل المغرّر به والمعلّب بالكراهية أن العرب كانوا يوما ما جزءا من تاريخ بلدهم، وسواعد بناء عمّرتها وساهمت في رقيّها بلا مقابل يذكر.

 اسألوا الأجداد عن معركة جناق قلعة التى امتزج فيها دماء العرب والترك معا، ولولا دعمهم المتفاني لكان الصليب يرفرف في سماء إسطنبول الآن، اسالوهم عن العمالة المهرة التى جلبها السلطان العثماني من مصر لتبنى إسطنبول وتنحت في الصخر لتكون بهذا الجمال الذي تتفاخرون به أمام العالم. 

إرث حضاري وتاريخي عمره مئات السنين بين العرب والترك تجهله الأجيال الجديدة في تركيا، فكان لهذا الجهل تداعيات خطيرة على المهاجرين السوريين بشكل خاص والعرب بشكل عام، تجلّى مؤخرا في أحداث أنقرة عقب طعن شاب سوري شاب تركي في مشاجرة بينهما، فخرج بعض المخربين والعنصرين لتكسير ممتلكاتهم وقذف منازلهم بالحجارة، وقبل تلك الحادثة طُردت عائلة عراقية من شقتها بمدينة بولو من قبل إدارة المبنى الذي تسكن فيه بلا أى ذنب سوى استجابة لتحريض رئيس بلديتها الحاقد على الوجود العربي في المدينة، والذي توعّد برفع أسعار الخدمات على المهاجرين العرب في المدينة إلى عشرة أضعاف. 
صورة مصغره لما قد يحدث بعد ذلك في ظل وجود حزب الشعب الجمهوري الفاشل الذي يحرّض على السوريين ويقلّب عليهم أتباعه، لتحقيق أى مكسب انتخابي يداري به عورته السياسية التى كشفها فشله وعجزه في إقناع الناخب التركي للتصويت له في الانتخابات الرئاسية، فكان السوريون هم ورقته الأخيرة لمداعبة أنصاره من جديد.

نسى هؤلاء دور السوريين في انتعاش الاقتصاد التركي وتدفق الأموال واتساع رقعة الاستثمارات وكيف انعشوا السوق العقاري هم وباقى العرب يملايين الدولارات، وهناك أحياء جديدة كاملة يسكنها العرب، نسوا كيف ارتفعت إيجارات منازلهم ومحلاتهم التجارية التى كان يسكنها العنكبوت والحشرات قبل مجيئ السوريين، نسوا نقلة الاستهلاك الكبيرة لمنتجاتهم لكثرة الجاليات العربية وخاصة السورية، نسوا الأموال الهائلة التى تدخل خزينة الدولة مقابل خدمات الإقامة وما شاكلها من خدمات أخرى، هم ليسوا عالة على أحد، بل يعيشون بأموالهم وليس كما يُروّج بعضهم أننا نطعم السوريين من خزينة الدولة، وهو عاجز على أن يطعم نفسه.

نسى هؤلاء العمالة الرخيصة التى تعمل 12 ساعة في مطاعمهم ومصانعهم بلا أى حقوق أو تأمين اجتماعي وكيف كان يتلّهف أصحاب تلك المصانع لرجوع السوريين بفارغ الصبر من إجازة العيد لمباشرة العمل، إن العرب والسوريين أضافوا لاقتصاد بلدكم ما عجزتم أنتم عن إضافته.

 لقد اتسع الخرق على الراقع ويجب أن تتوقف تلك الممارسات العنصرية ويعرف الجميع حقيقة العلاقة بين العرب والترك عبر بناء جسور ثقافية واجتماعية تقوم بها نخب عربية وتركية لنبذ الكراهية والعنصرية، وهذا كلام ردده قديما السياسي الأكاديمي خليل خالد في كتابه العرب والترك، حيث قال: "أيها العرب والتّرك، أحذروا أولئك الّذين يريدون أن يحيـّروكم وأن يبثّوا الشّقاق بينكم فيُوقِعوا بينكم، وانبذُوا الظّنون السّيّئة التي منشأها الجهل الذي يقود إلى الأحكام الخاطئة، وتفهّموا بعضَكم البعض جيّداً، وثّقوا العرى القلبيّة وحبوا بعضكم بعضا ما استطعتم".

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس