ترك برس

على الرغم من أن الولايات المتحدة تقدم وعوداً إلى تركيا بشأن أمنها ضد المنظمات الإرهابية، يفقد الشعب التركي الثقة فيها منذ محاولة الانقلاب التي وقعت في 15 تموز/ يوليو الماضي.

وقال محللون أن الشعب التركي لا يثق بالولايات المتحدة بخصوص تصريحها لتركيا بأن الأسلحة الممنوحة لوحدات حماية الشعب سيتم استرجاعها بعد انتهاء العمليات وعدم استخدامها ضد تركيا.

ويرى بورا بيراكتار، الأكاديمي في قسم العلاقات الدولية في جامعة كولتور بإسطنبول، فإن هناك عدم ثقة كبيرة في الولايات المتحدة بين الشعب التركي. وقال: "يفضل المجتمع التركي التركيز على ما تفعله الولايات المتحدة وليس على ما تقوله"، مشيراً إلى التسليح الأمريكي الأخير لحزب العمال الكردستاني التابع لحزب العمال الديمقراطي.

وذكرت مصادر بوزارة الدفاع أمس أن وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس بعث برسالة إلى نظيره التركي فكري إيشيك أشار فيها إلى أن الولايات المتحدة ستسترد الأسلحة التي أرسلتها إلى وحدات حماية الشعب في الرقة السورية عند هزيمة داعش.

وقال عادل غور، رئيس شركة أبحاث A & G، إن كل بيان من الولايات المتحدة- يدعم وحدات حماية الشعب- يؤدي إلى زيادة الاستياء المناهض للولايات المتحدة في تركيا. وقال غور: "تبين دراساتنا أن 90 في المئة من المجتمع التركي لا يرى الولايات المتحدة حليفاً أو صديقاً له، حيث كانت النسبة في الماضي حوالي 60 إلى 70 في المئة"، مضيفا أن النسبة ارتفعت بشكل خاص بعد فشل محاولة انقلاب 15 تموز.

وأكد ماتيس في الرسالة أن الأسلحة الموزعة لن تُستخدم إلا داخل سوريا، وأنه تم نشر خبراء أمريكيين في الميدان لمراقبة العمليات وإعطاء ضمانات بأن الأسلحة لن تعبر الحدود.

وقال غور: "هناك موضوعان متعلقان بالعلاقات الأمريكية مع تركيا: دعم وحدات حماية الشعب وتسليم فتح الله غولن. ويجب العامل مع الموضوعين قبل أن يتغير الرأي العام التركي لصالح الولايات المتحدة"، مشيراً إلى عدم وجود تعاون من الولايات المتحدة بخصوص طلب أنقرة تسليم رأس المنظمة الإرهابية (فتح الله غولن)، مما أدى إلى انعدام ثقة تركيا في الولايات المتحدة. وقد اتهم المدعون العامون الأتراك غولن بتشكيل منظمة إرهابية مسلحة ومنسقة للانقلاب الفاشل. واتهم غولن وشبكته بأنهم وراء حملة طويلة لإسقاط الدولة من خلال التسلل في مؤسسات الدولة، وخاصة الجيش والشرطة والقضاء.

وأضاف غور: "ما لم تفعل الولايات المتحدة شيئا حيال منظمة غولن، لا يهم المجتمع التركي ما إذا كانت الولايات المتحدة تسترد أو لا تسترد أسلحتها من وحدات حماية الشعب، والرأي العام التركي ضد كل التصريحات الداعمة للإرهاب من الولايات المتحدة، وليس فقط تلك المتعلقة بوحدات حماية الشعب".

وأكد ماتيس أيضاً أن الولايات المتحدة ستتقاسم قائمة من المواد المقدمة إلى وحدات حماية الشعب كل شهر مع أنقرة، مضيفاً أنه تم إرسال أول تقرير جرد هذا الشهر.

وقال عبد الله عجار، وهو خبير عسكري وأمني، إنه: "من الناحية السياسية والعملية، لا يمكن للولايات المتحدة أن تسترد الأسلحة التي تعطيها لوحدات حماية الشعب"، مدعياً أن الأمر ممكن فقط مع العربات الثقيلة. وقال عجار إنه يعتقد أن هذه الأسلحة ستظهر على الأرجح في تركيا مع حزب العمال الكردستاني.

وفى حديثه أمس في مؤتمر صحفي في أنقرة، قال المتحدث باسم الرئاسة إبراهيم كالن في زيارته الأخيرة للولايات المتحدة إنهم تأكدوا من أن الأسلحة لن تُستخدم ضد تركيا، ولكن هذا لا يكفي لأنقرة لقبول الوضع. حيث قال: "منذ البداية، أعربنا بوضوح عن أنه ليس من المقبول لنا تسليح ودعم وحدات حماية الشعب، ونحن نريد المشاركة في أي عملية طالما أن وحدات حماية الشعب غير متواجدة، ويمكن للولايات المتحدة أن تفعل ما تريد، ولكن في حالة تهديد تركيا، سنتخذ خطوات لحماية مصالحنا"، مضيفا أن هذه السياسة الأمريكية لا تحمل خطراً على تركيا فحسب، بل أيضاً على مستقبل سوريا.

وأقر الجنرال جوزيف دانفورد رئيس هيئة الأركان المشتركة يوم الاثنين بأن الولايات المتحدة تركز بشكل كبير على الحفاظ على علاقتها مع تركيا على الرغم من تصريحات أنقرة بشأن قرار الولايات المتحدة تسليح وحدات حماية الشعب لتحرير الرقة من داعش.

ووصف عجار رسالة دانفورد بأنها تخدع كلا من تركيا وحزب العمال الكردستاني. وأضاف إن "الولايات المتحدة ادعت أنها لا تملك خياراً آخر سوى التعاون مع وحدات حماية الشعب في سوريا ضد داعش، ولكن كانت لديها فرصة للعمل مع تركيا، لكنها لم تختارها"، وأن تكلفة هذا هو الأعلى بالنسبة لتركيا، لأن أمريكا تجعل الأكراد السوريين متطرفين بتعاطفها مع حزب العمال الكردستاني.

كما ذكرت الرسالة أن هناك تعاون تكتيكي بين الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب، مؤكداً أن الولايات المتحدة تضمن الشفافية في هذه العلاقة. كما أكد وزير الدفاع الأمريكي أن العلاقات التركية الأمريكية كانت قائمة منذ وقت طويل على شراكة استراتيجية قبل الهدف المشترك في محاربة داعش.

وفي هذا الصدد، أشار بايركتار إلى أهمية التساؤل عما إذا كان التعاون الأمريكي مع وحدات حماية الشعب تكتيكي أو استراتيجي، قائلاً إنه خلافاً لما هو مكتوب في الرسالة، يعتقد أن هذا التعاون هو مشروع طويل الأجل وليس مشروعا تكتيكيا قصير الأجل. وأضاف: "في المستقبل، تريد الولايات المتحدة إقامة دولة كردية مستقلة في المنطقة، ولهذا لا أعتقد أن هذه الأسلحة ستُسترجع، ولا يمكن استرجاعها".

وفي الوقت نفسه، ادعى روبرت فورد، آخر سفير أمريكي لدى سوريا في الفترة من 2011 إلى 2014، أن حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب سيدفعان ثمناً باهظا لثقتهما في واشنطن. وفى مقابلة خاصة مع صحيفة الشرق الأوسط في لندن، قال فورد أن حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب سيأسفان بسبب اعتمادهما على الولايات المتحدة.

وقال: "سيدفع الأكراد ثمناً باهظاً لثقتهم بالأمريكيين"، مضيفاً إن الإدارة الأمريكية الحالية تستخدمهم فقط لمحاربة داعش. كما أكد السفير الأمريكي السابق أن واشنطن لن تقترح إقامة دولة كردية مستقلة في مستقبل سوريا.

وقد أدى الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية إلى توتر بين واشنطن وأنقرة، حيث تشكل وحدات حماية الشعب العمود الفقري لتلك القوات. وتقول الولايات المتحدة أن دعم قوات سوريا الديمقراطية هو الخيار الوحيد لهزيمة داعش، بينما تقول أنقرة أن البديل سيكون العمل مع القبائل العربية المحلية المدعومة من دول المنطقة بدلاً من دعم "جماعة إرهابية".

وترى تركيا أن ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب فرع لحزب العمال الكردستاني، وهي منظمة إرهابية محظورة وفقا للولايات المتحدة وتركيا والاتحاد الأوروبي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!