بهادرا كومار - آسيا تايمز - ترجمة وتحرير ترك برس

في بعض الأحيان يصبح من الضروري في العلاقات بين الدول أن يحدث خلاف مع دولة أخرى في موضوع معين في الوقت المناسب، وهو ما فعلته تركيا مع إيران.

وهذا الخلاف التركي الإيراني يكشف عدم جدوى التحالف الثلاثي بين روسيا وتركيا وإيران، وهو التحالف الذي دعمته موسكو في محادثات الأستانة بشأن سوريا. بدأت تركيا تستعيد بثبات وضع سياستها السابقة في سوريا مع التركيز على الإدارة الأمريكية الجديدة.

كانت الولايات المتحدة وتركيا عقدتا سلسلة من الاجتماعات رفيعة المستوى خلال الأسبوعين الماضيين، بعد أول اتصال هاتفي أجراه الرئيس دونالد ترامب بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان في السابع من فبراير/ شباط، ومنذ ذلك الحين زار أنقرة عدد من المسؤولين الامريكيين من بينهم مدير وكالة المخابرات المركزية مايك بومبيو، ورئيس هيئة الأركان المشتركة جوزيف دانفورد، وعضو مجلس الشيوخ الأمريكي جون ماكين الذي يرأس لجنة الخدمات المسلحة.

وقع هجوم أردوغان المفاجئ على إيران في الرابع عشر من فبراير/شباط في المحطة الأولى من جولته الإقليمية لدول الخليج التي شملت البحرين والسعودية وقطر. قال أردوغان "إن هناك من يريد تقسيم سوريا والعراق، يبذل البعض جهودا لتقسيم العراق الذي يشهد نزاعات طائفية وقومية، وفيه يتم الترويج للنزعة القومية الفارسية، وتزامنا مع هذه الجهود القومية هناك دعوات للتقسيم، ونحن بدورنا لا بد وأن نقف بوجهها".

ردت طهران على الفور باتهام تركيا بدعم منظمات إرهابية لزعزعة استقرار الدول المجاورة . وفي نهاية الأسبوع الماضي وفي أثناء مؤتمر الأمن في ميونيخ، واصل وزير الخارجية التركي، مولود شاويش أوغلو هجومه على إيران متهما طهران بتبني سياسة طائفية، وانها تريد تشييع سوريا والعراق.

هذا التلاسن الكلامي يجعل محادثات السلام السورية المقبلة التي ترعاها روسيا في خطر، إلى جانب الآلية الثلاثية التي وضعت في مباحثات الأستانة لمراقبة وقف إطلاق النار في سوريا.  

لن تبالي تركيا بالردود الإيرانية، حيث إنها بدأت التنسيق مع السعودية وقطر مرة أخرى حول الأزمة السورية ( وفي خلال جولة أردوغان الأخيرة، وقعت تركيا ومملكة البحرين اتفاقا دفاعيا)

تجنبت الدبلوماسية الروسية حتى الآن بمهارة التناقض الكبير للاحتفاظ بتركيا وإيران شريكيها في سوريا، والخصمين اللدودين تاريخيا في منطقة الشرق الأوسط، لكن موسكو تدرك أن تحول أردوغان لا يمكن أن يكون إلا على أساس من الثقة الجديدة بعد مشاورات مكثفة أجراها مع إدارة ترامب.

توشك أنقرة وواشنطن بالفعل على التوصل إلى تفاهم بشأن فتح الله غولن، رجل الدين الذي يعيش في المنفى في ولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة، وهو التفاهم الذي كان شرطا مسبقا وضعه أردوغان للتعاون الكامل مع الولايات المتحدة. وقد تعمل إدارة ترامب على كبح أنشطة غولن، في حين لن يضغط أردوغان من أجل تسليم غولن صراحة.

على أن أردوغان مازال يضرب على وتر موسكو بالنظر إلى عدم اليقين من وقف الدعم العسكري الأمريكي لأكراد سوريا، وهذه مسألة غير قابلة للتفاوض بالنسبة إلى تركيا التي تعد الميليشيات الكردية السورية جماعات إرهابية.

وفي حين تحافظ موسكو على تحالفها مع أردوغان على الرغم من خيبة أملها، فإنها تحيي صلاتها القديمة بالجماعات الكردية، وضيفت موسكو في الأسبوع الماضي مؤتمرا لأكراد أربع دول حول المنافسة لإعادة تقسيم النفوذ في الشرق الأوسط.

والأهم من ذلك يتعين على موسكو أن تشك بالفعل في تعهد ترامب في وقت سابق بالدخول في شراكة مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية. وحقيقة الأمر أن موسكو تنتظر رد الجانب الأمريكي، لكنها تشهد مشاورات مكثفة تجري بين الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين تهدف إلى إحياء المحور القديم في سوريا، لكن الخطر هنا هو وقوع صدام  روسي أمريكي في المستقبل القريب في عهد ترامب.

ومن بين المسؤولين الأمريكيين الذين زاروا منطقة الخليج في الأسبوعين الماضيين مايك بومبيو، وجون ماكين، ووزير الدفاع جيمس ماتياس، والتقى بومبيو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية، ومنح بومبيو ولي العهد السعودي ميدالية جورج تينيت التي تقدمها المخابرات الأمركية لمساهمته في الحرب على الإرهاب.

تبحث تركيا والولايات المتحدة بنشاط في الوقت الحالي أشكال الخدمات اللوجيستية لعملية عسكرية تركية تستهدف تحرير مدينة الرقة عاصمة تنظيم داعش، وناقش رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم العملية مع نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس في مؤتمر الأمن بميونيخ نهاية الأسبوع الماضي.

ستكون عملية تحرير الرقة عملية كبيرة بالدبابات وعربات المدرعة والمدفعية، وتسعى تركيا إلى مشاركة القوات الأمريكية الخاصة فيها، وهذه المشاركة تخدم غرض ردع التدخل الروسي، بغض النظر عن إضعاف مساعي أكراد سوريا لتأسيس كيان في شمال البلاد.

وما من شك في أن السيطرة على مدينة الرقة سيكون حدثا رمزيا كبيرا بالنسبة إلى إدارة ترامب. وعلى العكس من ذلك لا تستطيع موسكو وطهران (وقوات النظام السوري) البقاء في موقف المتفرج، وهي على يقين من أنها ستدخل في مرحلة ما في الوضع المتطور في الرقة.

وصل الجيش التركي بالفعل إلى مدينة الباب في شمال سوريا، ويعلم جميع الفرقاء أن الباب من الناحية السياسية والعسكرية هي بوابة الطريق إلى الرقة، والرقة هي المفتاح لما سيحدث بعد ذلك في دمشق. وبعبارة أخرى ستحدد السيطرة على الرقة حجم سيطرة النظام السوري على سوريا، وتقرر بجلاء مستقبل سوريا.

وفي هذا السيناريو المصيري سيمر صمود التحالف الروسي الإيراني باختبار صعب خلال الأيام والأسابيع القادمة، وفي المقابل تستعد العلاقات الأمريكية الروسية لبداية غير متوقعة تماما في عصر ترامب، وستكون بداية محفوفة بخطر التنافس والاحتكاك في سوريا.

ويكفي القول إن تحرك أردوغان لإثارة خلاف مع إيران، وفض الصيغة الثلاثية حول سوريا مع موسكو وطهران ينبع من ثقته التامة بأن إدارة ترامب تنظر إلى أنقرة بوصفها شريكا استراتيجيا وحليفا للناتو، (مثلما أخبره ترامب بنفسه).

يتوقع أردوغان أن تدعو الولايات المتحدة تركيا إلى العودة لممارسة دورها التقليدي بتحجيم النفوذ الروسي في جنوب القوقاز والبحر الأسود وشرق المتوسط.

يبقى أسبوع واحد على انتهاء المدة الزمنية التي قدمتها إدارة الرئيس ترامب إلى وزارة الدفاع لإعداد خطة شاملة لهزيمة تنظيم داعش في سوريا والعراق، لكن تركيا تتصرف كما لو أنّها كانت قد اطّلعت بالفعل على خطة البنتاجون.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس